كيف تحافظ على التواضع في أوج النجاح؟

للحفاظ على التواضع في أوج النجاح، يجب اعتبار كل نعمة من الله، وتجنب الكبر والتفاخر، والتعلم من القصص القرآنية، والإنفاق في سبيل الله، وتذكر الأصل والمعاد دائماً. هذه الموجّهات تبقي الإنسان ثابتًا في العبودية والشكر، وتحميه من الغرور والهلاك.

إجابة القرآن

كيف تحافظ على التواضع في أوج النجاح؟

النجاح في أي مجال من مجالات الحياة، سواء كان اكتساب المعرفة والعلم، أو تحقيق الثروة والسلطة، هو نعمة إلهية يمكن أن تكون اختباراً عظيماً وفرصة لا مثيل لها للنمو والتقرب إلى الله. لكن بريق النجاح قد يلقي أحياناً بظلال الغرور والتكبر على قلب الإنسان، ويخرجه عن مسار الاعتدال والعبودية. في التعاليم النقية للقرآن الكريم، تقدم حلول واضحة ومبادئ مستدامة للحفاظ على التواضع في أوج النجاح، ومن خلال فهمها وتطبيقها، يمكن للإنسان أن يستفيد من ثمار النجاح ويحمي نفسه من أضرار الغرور. الخطوة الأولى وربما الأهم للحفاظ على التواضع هي إدراك حقيقة أن كل ما نملكه، بما في ذلك نجاحاتنا، هو من عند الله. يؤكد القرآن الكريم مراراً وتكراراً أن الرزق والعلم والقوة كلها من عنده سبحانه. هذا الاعتقاد يجفف جذور الغرور والعجب بالنفس. عندما يعلم الإنسان أن قدراته وفرصه وحتى مواهبه هي هبات إلهية، فإنه يقلل من ادعاء الملكية المطلقة لنجاحه ويزداد شكراً وامتناناً. في سورة إبراهيم (الآية 7) نقرأ: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"؛ أي: "وإذ أعلن ربكم: لئن شكرتم (نعمتي) لأزيدنكم (منها)؛ ولئن كفرتم بها (ولم تشكروني) إن عذابي لشديد". هذه الآية تبين بوضوح أن الشكر لا يؤدي فقط إلى زيادة النعم، بل يحافظ على الإنسان في حالة العبودية والتواضع. النجاح بدون شكر يعني تجاهل المصدر الأصلي للنعمة، مما قد يؤدي إلى الغرور ثم إلى زوال تلك النعمة. الإنسان الذي يشكر في أوج نجاحه، يتذكر دائمًا أن هذا النجاح أمانة من ربه ويجب استخدامه على أفضل وجه. ثانياً، تجنب التكبر والتفاخر في السلوك والقول. ينهى القرآن الكريم بشدة عن المتكبرين والمتفاخرين. في سورة لقمان (الآية 18)، ينصح لقمان الحكيم ابنه قائلاً: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"؛ أي: "ولا تمل وجهك تكبراً عن الناس، ولا تمش في الأرض متكبراً متباهياً، إن الله لا يحب كل مختال فخور بما آتاه الله". هذه الآية هي توجيه صريح للسلوك المتواضع. المشي بغرور، والنظر باستعلاء إلى الآخرين، والتفاخر بالنفس، كلها علامات على التكبر الذي يذمه القرآن. وفي سورة الإسراء (الآية 37) يقول أيضاً: "وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا"؛ أي: "ولا تمش في الأرض مرحاً متكبراً متبختراً، إنك لن تشق الأرض بقوة المشي، ولن تبلغ الجبال طولاً وارتفاعاً". هذه الآية تشير إلى حدود الإنسان وتذكره بأنه مهما بلغ من النجاح، فهو ضئيل أمام عظمة الله. لذا، فإن الحفاظ على الأدب والاحترام في التعامل مع جميع شرائح المجتمع، حتى في أوج الشهرة والسلطة، هو من علامات التواضع الحقيقي. ثالثاً، التعلم من القصص القرآنية. القرآن الكريم مليء بالقصص التي تصور عواقب الغرور والتكبر الناتج عن النجاحات الدنيوية. قصة قارون في سورة القصص (الآيات 76 إلى 82) هي من أبرز الأمثلة. قارون، الذي كان من قوم موسى، حصل على ثروة هائلة، لكن بدلاً من الشكر والتواضع، تفاخر بها واعتبرها نتيجة علمه وحكمته. وعندما نُصح بأن لا يتعلق بالدنيا وأن يكون محسناً، قال: "إنما أوتيته على علم عندي". أدى غروره وتكبره في النهاية إلى هلاكه، وخُسف به وبكنوزه الأرض. هذه القصة تظهر بوضوح كيف يمكن أن يتحول النجاح بدون تواضع إلى كارثة. التفكير والتأمل في مثل هذه القصص يحصن الإنسان ضد إغراء الغرور ويعلمه أن يتذكر دائمًا عبوديته لله. رابعاً، الإنفاق والبذل في سبيل الله. من أنجح الطرق لمكافحة الغرور الناتج عن النجاح، مد يد العون للمحتاجين وبذل جزء مما أنعم الله علينا. يشجع القرآن الكريم بشدة على الإنفاق والصدقة. الإنفاق يحرر الإنسان من التعلق الشديد بالمال والمكانة الدنيوية، ويقرب قلبه من الله وخلقه. عندما ينفق الإنسان، يتذكر أن هذا المال أمانة، وأنه مجرد وسيلة لإيصاله إلى المحتاجين. هذا العمل لا يطهر المال فحسب، بل يطهر الروح والقلب من شوائب التكبر. في سورة البقرة (الآية 272) جاء: "وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"؛ أي: "وما تنفقوا من مال أو عمل صالح من أجل الله فهو لأنفسكم يعود نفعه، وما تنفقون إلا طلبًا لمرضاة الله، وما تنفقوا من خير يُجْزكم ثوابه وافياً غير منقوص، ولن تظلموا بنقص شيء من ثواب أعمالكم". الإنفاق لا يجلب التواضع فحسب، بل يأتي بالبركة والثواب الإلهي. خامساً، تذكر المبدأ والمعاد. تذكر أصل الإنسان المتواضع (أنه خُلق من طين لا قيمة له) والعودة النهائية إلى الله، يمنع التكبر. يدعو القرآن الإنسان إلى التفكر في خلقه وعودته إلى ربه. هذه التذكيرات تبقي الإنسان متواضعاً، لأنه مهما بلغ من النجاح الدنيوي، فإنه يبقى كائناً فانياً ومحتاجاً لخالقه. النجاح مسار وليس وجهة نهائية، وكلنا سنعود في النهاية إلى ربنا وسنُسأل عما فعلناه. هذه النظرة تدفع الإنسان إلى إدارة نجاحاته بمسؤولية وتواضع. في الختام، التواضع في أوج النجاح ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل هو استراتيجية حكيمة للحفاظ على النعم وزيادتها وتحقيق السلام الحقيقي. يعلمنا القرآن الكريم أن النجاح فرصة لخدمة أكبر للخلق والخالق، وليس أداة للتفاخر والتفوق. من خلال تبني هذه النظرة، يمكننا أن نسلك طريقاً يؤدي إلى رضا الله ويملأ حياتنا الدنيوية بالبركة والسكينة. التواضع هو مفتاح فتح القلوب وكسب مكانة عالية عند الله والناس.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه كان هناك تاجر في أرض ما، تنهال عليه الأموال والثروات من كل اتجاه. كان له من الحشم والخدم ما لا يُحصى، وسفنه تجلب الذهب والجواهر من أقاصي البلاد. وقد استحوذ عليه غرور شديد، فكان ينظر بعين الاحتقار إلى كل من هو أقل منه. ذات يوم، صادف في طريقه درويشاً زاهداً كان يشكر الله على قطعة خبز جافة. ضحك التاجر من كبرياء وقال له: "أيها الدرويش، ما هذا الفرح الذي تتمتع به مع كل هذا الفقر؟ انظر ماذا أملك أنا وماذا تفتقر أنت!" ابتسم الدرويش وقال: "أيها النبيل، هذه الثروة التي تمتلكها، هي موجودة اليوم وتزول غداً، مثل الماء الذي يجري في النهر. لكن ما يُسعدني هو رضا الله وطمأنينة القلب التي لا تعادلها أي كنوز. ألا تعلم أن قارون بكل كنوزه خُسف به الأرض ولم يبقَ له ذكرٌ حسن؟ فربما هذه الأرض التي تمشي عليها، ستحتويك يوماً ما. فبدلاً من التفاخر بما لديك، كن شاكراً ومتواضعاً، فإن الدوام في هذا العالم ليس إلا لله وحده." تأثر التاجر بكلام الدرويش وتراجع عن كبريائه. ومنذ ذلك الحين، أنفق ماله في سبيل الله وأصبح متواضعاً لدرجة أن الناس لم يعرفوه بثروته، بل بتواضعه وكرمه.

الأسئلة ذات الصلة