للتحكم في القلق من القضاء الإلهي، يجب تحقيق التوازن بين الخوف من الذنب والأمل في رحمة الله الواسعة. هذا التوازن يمكّن من الثقة بالغفران الإلهي مع البقاء يقظًا في الأعمال وأداء الواجبات بجدية.
تعد قضية إدارة القلق من القضاء الإلهي مع الحفاظ على اليقظة في الأعمال أحد الجوانب الدقيقة والجميلة للتعاليم الإسلامية، والتي يشار إليها غالبًا بالتوازن بين 'الخوف' و 'الرجاء'. فالدين الإسلامي لا يدفع أتباعه أبدًا نحو الإفراط في الخوف واليأس، بل يوصي دائمًا بالحفاظ على توازن دقيق بين الخوف من العقاب الإلهي والأمل في رحمته اللامحدودة. هذا التوازن يشكل نهجًا بناءً للحياة، لا يشل الإنسان ولا يجعله لا مباليًا أو مهملًا. لكي لا نشعر بالقلق المفرط من القضاء الإلهي، يجب أن نمتلك فهمًا عميقًا لجوهر الله تعالى. لقد أكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على صفات الرحمة والمغفرة والستر لله. يصف الله نفسه بأنه 'الرحمن الرحيم' (الأكثر رحمة، الأرحم)، و 'الغفور' (كثير الغفران)، و 'التواب' (كثير قبول التوبة). هذه الصفات تشير بوضوح إلى أن رحمة الله سبقت غضبه، وأن أبواب التوبة والعودة مفتوحة دائمًا لعباده. عندما يدرك الإنسان أن ربه لا يحبه فحسب، بل يتقبل أدنى ندم منه وعودة إليه بقلب مفتوح، يتحرر من الخوف الشلّال. سورة الزمر، الآية 53، تنص بوضوح: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. هذه الآية تبعث نور الأمل في قلب كل مذنب، وتظهر أن الله راضٍ جدًا عن توبة عباده وعودتهم. ومع ذلك، يجب ألا يتحول هذا الأمل في الرحمة إلى إهمال أو تقصير في الأعمال. 'اليقظة' أو 'الحرص' هنا تعني الوعي التام بالمسؤوليات الفردية تجاه الله، والنفس، والمجتمع. كل عمل نقوم به يسجل في صحيفة أعمالنا وسيُحاسب عليه يوم القيامة. سورة الزلزال، الآيتان 7 و 8، تصوران هذا المفهوم بشكل جميل: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾. تذكرنا هذه الآيات بأن أصغر أعمالنا، سواء كانت حسنة أو سيئة، ستظهر أمام الله. ولذلك، فإن اليقظة تعني الانتباه الشديد لنياتنا، خياراتنا، وسلوكياتنا. هذه اليقظة لا تنبع من خوف مرعب من إله ينتقم، بل من احترام وتبجيل لرب رحيم أرسل إلينا الهداية وقدم خطة شاملة لحياتنا. إن التوصية القرآنية بالتوازن بين الخوف والرجاء هي خارطة طريق لتحقيق حياة روحية ديناميكية ومزدهرة. الخوف البناء يمنع الإنسان من ارتكاب المعاصي ويدفعه نحو أداء الواجبات وترك المحرمات؛ لكنه لا ينبغي أن يؤدي إلى اليأس والقنوط. من ناحية أخرى، الأمل في رحمة الله يمنح الإنسان الطاقة للعودة إلى الطريق الصحيح بعد كل زلة، وألا ييأس من فضل الله؛ لكنه لا ينبغي أن يؤدي إلى الجرأة على المعصية واللامبالاة تجاه الأوامر الإلهية. يقول الله تعالى في سورة الأعراف، الآية 56: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. هذه الآية تشير بوضوح إلى أن الدعاء والاتصال بالله يجب أن يكون مصحوبًا بمزيج من الخوف (من عواقب الأعمال والقدرة الإلهية) والأمل (في رحمته ولطفه). هذا المزيج من الخوف والرجاء يعمق نوايانا ويضفي على أعمالنا معنى وهدفًا. لكي نكون يقظين في أعمالنا، يمكننا اتخاذ خطوات عملية: أولاً، المراقبة والمحاسبة الذاتية: التفكير كل ليلة قبل النوم في الأعمال التي قمنا بها خلال اليوم، وشكر الله على الأعمال الصالحة، والندم على الذنوب والتوبة منها. ثانيًا، تلاوة القرآن الكريم وتدبره: القرآن نور الهداية، وبتدبر آياته نفهم المعايير والقيم الإلهية بشكل أفضل. ثالثًا، الإكثار من الذكر والدعاء: بذكر الله تطمئن القلوب، وذكره يجعلنا ثابتين على طريق العبودية. رابعًا، مصاحبة الصالحين: مجالسة الأتقياء والمتدينين تدفع الإنسان نحو الخير وتبعده عن الشر. خامسًا، خدمة الخلق: أحد أفضل السبل للتقرب إلى الله وكسب رحمته هو خدمة عباد الله بصدق وإخلاص. من خلال القيام بهذه الأعمال، لا نبتعد عن اللامبالاة والإهمال فحسب، بل نتحرر أيضًا، بأمل في رحمة الله وغفرانه، من المخاوف والهواجس غير الضرورية بشأن القضاء الإلهي. هذا النهج يقودنا نحو حياة هادفة، مليئة بالسلام والتوكل على الله، مع الوعي الدائم بمسؤولياتنا.
يُروى في بستان سعدي أن حكيمًا كان يسير مع تلميذه. كان التلميذ قلقًا للغاية بشأن ما إذا كانت أعماله ستُقبل عند الحق تعالى يوم القيامة، وكان هذا القلق يسلبه الطمأنينة. فابتسم الحكيم الحكيم وقال: «يا بني، هل ربطت ناقتك جيدًا بالشجرة؟» أجاب التلميذ: «نعم، ربطتها بحبل قوي.» فقال الحكيم: «إذن لماذا أنت قلق من هروبها؟ عندما تتخذ خطواتك بثبات وصلاح، وتؤدي واجباتك الإلهية بجدية، فلا تحمل قلقًا لا داعي له، وسلم مصيرك للرب الرحيم. فإن الله لا يدير وجهه عن المحسنين ويكافئ جهودهم، ولكن التوكل لا يعني التقاعس.» فهدأ التلميذ بهذه النصيحة الحكيمة وعلم أنه يجب أن يوازن بين الجهد والتوكل.