كيف أنتقل من الرضا اللحظي إلى الرضا المستدام؟

لتحقيق الرضا المستدام، يجب الانتقال من الملذات الدنيوية العابرة إلى ذكر الله، وأداء الأعمال الصالحة، والصبر، والشكر، والتوكل عليه، ليجد القلب السكينة والسعادة.

إجابة القرآن

كيف أنتقل من الرضا اللحظي إلى الرضا المستدام؟

في سعي الإنسان للرضا، يتوق دائمًا إلى شعور بالسعادة والسكينة. يسعى الكثير منا طوال حياتنا وراء الملذات العابرة والإشباعات اللحظية: شراء أداة جديدة، تذوق طعام شهي، أو مشاهدة فيلم ممتع. هذه الأمور تجلب لحظات من البهجة، لكن طبيعتها عابرة وغير مستقرة. بعد فترة وجيزة، يتلاشى هذا الشعور، ويتجدد عطشنا للبحث عن رضا جديد. السؤال الأساسي هنا هو: كيف يمكننا التحرر من دورة الإشباعات اللحظية هذه والوصول إلى شعور أعمق، وأكثر استدامة، وأكثر معنى بالرضا؟ يقدم القرآن الكريم، برؤيته العميقة لطبيعة الإنسان وجوهر الدنيا، توجيهات واضحة للوصول إلى هذا الرضا الدائم، الذي لا يقتصر على تهدئة القلب فحسب، بل يضع الحياة على مسار الكمال والسعادة الأبدية. الخطوة الأولى، وربما الأكثر أهمية، في هذا المسار هي فهم الفرق الجوهري بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. يذكرنا القرآن مرارًا وتكرارًا أن هذه الدنيا، بكل بهجتها وملذاتها، هي ذات طبيعة عابرة وفانية. هذه الحياة مجرد لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد. كما نقرأ في سورة الحديد، الآية 20: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ هذه الآية تشبه بجمال طبيعة الحياة الدنيا الفانية بالنبات الذي ينمو ثم يصفر ويجف. في المقابل، يؤكد القرآن على دوام وأبدية الآخرة ويربط الرضا الحقيقي بالرضوان الإلهي. وبالتالي، فإن تحويل المنظور من التركيز على الأهداف الدنيوية البحتة نحو الأهداف الأخروية هو المفتاح الرئيسي للوصول إلى الرضا المستدام. المحور الأساسي للوصول إلى السكينة والرضا المستدام هو ذكر الله. في سورة الرعد، الآية 28، يقول الله صراحة: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب). هذه الآية تقدم الأساس الجوهري للسكينة المستدامة ليس في العوامل الخارجية، بل في الاتصال الداخلي بخالق الوجود. ذكر الله لا يعني مجرد تكرار الكلمات، بل يشمل جميع الأفعال التي تذكرنا بالله؛ من الصلوات اليومية وتلاوة القرآن إلى التفكر في آيات الله وشكرانه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. عندما يصبح القلب مرتبطًا بذكر الله، يتحرر من التعلق بتقلبات الدنيا ويتصل بالمصدر الأصلي للسكينة والقوة. بالإضافة إلى الذكر، يلعب أداء الأعمال الصالحة دورًا حيويًا في خلق الرضا المستدام. يقول القرآن في سورة النحل، الآية 97: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). «الحياة الطيبة» هي بالضبط هذا الرضا المستدام والسكينة القلبية التي تنتج عن الأعمال الصالحة والنزيهة. عندما يخدم الإنسان الآخرين، ويحترم حقوقهم، ويسير في سبيل الله، فإنه لا يكسب الأجر الأخروي فحسب، بل يتذوق في هذه الدنيا طعم السكينة الداخلية والرضا النفسي. هذا الشعور الثمين أعمق بكثير من الملذات السطحية ولا يتلاشى مع مرور الوقت؛ بل يزداد ثراءً. الصبر والشكر هما جناحان آخران مهمان للتحليق نحو الرضا المستدام. الصبر يعني تحمل المشاكل والصعوبات بالتوكل على الله ودون فقدان الأمل. الحياة مليئة بالتحديات، والرضا اللحظي يتلاشى عند أول عقبة. ولكن من يتخذ الصبر خلقًا، يعلم أن كل عسر سيتحول في النهاية إلى يسر ويحمل في طياته أجرًا إلهيًا. الشكر يعني تقدير جميع نعم الله، سواء كانت صغيرة أم كبيرة. عندما يحول الإنسان نظره من ما يفتقر إليه إلى ما يمتلكه، فإنه يشعر بالثراء والاكتفاء. هذا التغيير في المنظور ينقي القلب من الجشع والطمع، ويجعله يشعر بالسعادة بما لديه. هاتان الصفتان تجعلان الإنسان مقاومًا للشدائد وتهديانه نحو السكينة الداخلية. التوكل على الله أيضًا يلعب دورًا رئيسيًا في تحقيق الرضا المستدام. عندما يسلم الإنسان أموره لله ويثق ثقة تامة في حكمته وتدبيره، فإن الهموم والقلق تبتعد عنه. هذا التوكل يسمح للإنسان بألا يتعلق بنتائج جهوده، بل يؤمن بأن أفضل قدر سيقدر له. هذه الحرية من عبء القلق هي بحد ذاتها مصدر عظيم للسكينة الداخلية والرضا. في النهاية، يتطلب تحقيق الرضا المستدام تحولًا جذريًا في الحياة؛ من السعي وراء الملذات العابرة إلى البحث عن اتصال عميق بالخالق، وأداء الأعمال الصالحة، وتنمية الفضائل الأخلاقية. هذا المسار هو رحلة داخلية مكافأتها ليست فقط السكينة في هذه الدنيا، بل السعادة الأبدية في الآخرة. مع كل خطوة في هذا المسار، يقترب الإنسان من مصدر لا ينضب من الرضا الإلهي الذي لا يزول أبدًا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً ثريًا كان يتجول في حديقة مليئة بالنعم، ورغم كل ما يراه، كان شوقًا لشيء أكثر يشتعل في قلبه. حديقة أكبر، ثروة أعظم، وسلطة لا حدود لها. كل متعة يتذوقها، سرعان ما يمل منها، وتصحو بداخله رغبة أخرى. في هذه الأثناء، في زاوية من تلك الحديقة، كان درويش بسيط القلب قانعًا بقطعة خبز جافة وكوب ماء، يجلس بسلام تحت شجرة، يشكر الله. اقترب الرجل الثري منه وسأله بتعجب: "كيف لي بكل هذه الممتلكات ألا أشبع أبدًا، بينما أنت، بهذا القليل، هادئ وراضٍ هكذا؟" ابتسم الدرويش وقال: "يا صديقي، أنت تبحث عن شيء خارجك ولن يمتلئ أبدًا، أما أنا فقد وجدت الرضا في داخلي. أنت تسعى لرضا لحظي يزول مع كل جديد، أما أنا فقد وجدت نبعًا لا ينضب أبدًا، وهو 'القناعة وذكر الله'." تعلمنا هذه القصة الدافئة لسعدي أن الرضا المستدام لا يكمن في تكديس الممتلكات، بل في سلام القلب والاتصال بالمصدر الإلهي اللانهائي.

الأسئلة ذات الصلة