للتغلب على قلق المستقبل، ركز على التوكل على الله، والاستعانة بالصبر والصلاة، والمداومة على ذكر الله. قبول القضاء والقدر وفهم طبيعة الدنيا الزائلة يجلبان السكينة.
قلق المستقبل هو ذلك الشعور غير المريح بالقلق بشأن الأحداث المحتملة التي لم تحدث بعد. في عالم اليوم سريع الوتيرة، يمكن أن يصبح هذا الشعور جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثيرين. ولكن الإسلام وآيات القرآن الكريم يقدمان حلولاً عميقة وفعالة لمواجهة هذا القلق والتغلب عليه، وهي حلول متجذرة في التوكل على الله والصبر وذكر الله. هذه الحلول ليست مجرد مسكنات مؤقتة، بل هي تأسيس لأساس فكري وروحي متين من أجل السكينة الدائمة. الخطوة الأولى، وربما الأكثر أهمية، في التغلب على قلق المستقبل هي فهم وقبول مفهوم "التوكل على الله". يوصي القرآن المؤمنين مرارًا بأن يسلموا نتائج أمورهم إلى الله بعد بذل جهودهم وأداء واجباتهم. هذا لا يعني التكاسل أو الاستسلام السلبي، بل يعني أنه بعد بذل أقصى جهد، ينبغي على المرء أن يسلم قلبه للرب الواحد الذي هو المدبر المطلق، ويريد الخير لعباده. عندما يعلم الإنسان أن الكون كله تحت تدبير قوة مطلقة، تعلم كل شيء وتستطيع كل شيء، وتريد الخير والصلاح لعبادها، يرتفع عنه عبء القلق الثقيل. الآية الكريمة "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق: 3) تعبر بوضوح عن هذه الحقيقة. هذا التوكل لا يجلب السلام فحسب، بل يعزز أيضًا القدرة على العمل والشجاعة لمواجهة التحديات؛ لأن الإنسان يعلم أنه ليس وحيدًا وأن لديه دعمًا أبديًا. الخطوة الثانية هي اللجوء إلى "الصبر والصلاة". يؤكد القرآن الكريم في آيات عديدة أن الصبر والصلاة أدوات قوية لكسب السكينة وتحمل الشدائد. الآية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 153) تأمر المؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة. والصبر هنا يعني تحمل المشاكل والمصائب برحابة صدر وأمل في الفرج الإلهي. هذا الصبر ليس سلبيًا، بل هو صبر فعال يقوي الإنسان في مواجهة المشاكل ويمنعه من الجزع والفزع غير المبرر. والصلاة، ليست مجرد فريضة دينية، بل هي فرصة للحوار المباشر مع الخالق، وتفريغ ذهني وروحي، وتجديد للقوة. في الصلاة، ينفصل الإنسان عن هموم الدنيا ويركز على الله، فيختبر سكينة عميقة. إن تكرار هذا الاتصال على مدار اليوم يساعد بشكل كبير في ترسيخ السلام الداخلي ويقلل من القلق المحتمل. الحل الثالث هو "ذكر الله". يوضح القرآن الكريم أن ذكر الله يطمئن القلوب. الآية "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28) تعبر عن هذه الحقيقة بوضوح. ويشمل ذكر الله تلاوة القرآن، وقول الأذكار، والتفكر في خلق الله، وأي عمل يذكر الإنسان بالله. عندما يأنس القلب بذكر الله، لا يترك مجالًا كبيرًا لوساوس الشيطان والأفكار السلبية. ذكر الله مثل المرساة التي تثبت سفينة وجود الإنسان في عواصف الحياة. هذا التذكير المستمر بقوة الله ورحمته وحكمته يجعل هموم الدنيا صغيرة وكبيرة تبدو تافهة أمام عظمته، ويجعل الإنسان يؤمن بأنه لا شيء خارج عن إرادته وقدرته، وأن كل ما يحدث فيه خير وصلاح. هذا المنظور يحول القلق من المجهول إلى اليقين. بالإضافة إلى ذلك، يلعب فهم مفهوم "القضاء والقدر الإلهي" دورًا هامًا في تقليل القلق. يعلمنا القرآن أن كل حدث في الكون، من أصغرها إلى أكبرها، يتم بعلم الله وإرادته. الآية "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (التوبة: 51) توضح هذا المفهوم، بأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا. هذا الفهم لا يعني نفي السعي والاجتهاد، بل يعني قبول نتائج الأمور بعد أداء الواجب. عندما يعلم الإنسان أن مصيره في يد من يكتب له أفضل الأقدار، فإنه لا يخاف من المستقبل الغامض ويواصل حياته بسكينة أكبر. هذا الإيمان يعزز الإحساس بالاستسلام والرضا في الإنسان، وهو عامل كبير في التخلص من القلق. علاوة على ذلك، يذكرنا القرآن بأن "الدنيا فانية" ويجب ألا نتشبث بها كثيرًا. الآية "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ" (الأنعام: 32) تشير إلى أن الحياة الدنيا مجرد لعب ولهو، وأن الدار الآخرة خير للمتقين. عندما يدرك الإنسان هذه الحقيقة، وأن مشاكل الدنيا مؤقتة وعابرة وأن الهدف الرئيسي هو الحياة الأبدية في الآخرة، فإن العديد من المخاوف المتعلقة بالمال والمكانة والمستقبل الدنيوي تتلاشى. هذا المنظور يجعل الإنسان يستمتع بما لديه، ويسعى للمستقبل، ولكنه لا يخاف بلا داعٍ مما قد يفقده أو ما قد يحدث. أخيرًا، "الدعاء والمناجاة" هما وسيلة مباشرة للتواصل مع الله وطلب المساعدة منه. يؤكد القرآن الكريم مرارًا على أهمية الدعاء، وقد وعد الله باستجابة دعاء عباده. الدعاء، بالإضافة إلى كونه مصدر أمل، يجعل الإنسان لا يشعر بالوحدة ويعلم أن لديه دائمًا ملجأ آمنًا وقويًا. هذا الاتصال الحميمي مع الخالق يساعد الإنسان على مشاركة عبء المخاوف معه وطلب العون من قوته اللامتناهية. باختصار، إن التغلب على قلق المستقبل من منظور القرآن لا يتم بإنكار حقائق الحياة، بل بتعزيز الصلة بالله، والاعتماد عليه، واستخدام الأدوات الروحية مثل الصبر والصلاة والذكر، وتغيير النظرة إلى الدنيا والآخرة. هذا النهج لا يزيل القلق فحسب، بل يمنح حياة الإنسان معنى وهدفًا أعمق، ويجلب سلامًا دائمًا.
في قديم الزمان، كان هناك ملك ثري وقوي، وبالرغم من كل ممتلكاته، كان يعاني ليلاً ونهارًا من قلق المستقبل والخوف على مملكته. بالقرب منه، كان درويش بسيط ينام بسلام تحت ظل شجرة في الحديقة الملكية. أيقظ الملك، الذي كان يعاني من الأرق والقلق، الدرويش وسأله بدهشة: "أيها الدرويش، كيف يمكنك النوم بهدوء واسترخاء بالرغم من فقرك وعدم امتلاكك لشيء، بينما أنا بكل ثروتي وقوتي لا أجد لحظة راحة؟" أجاب الدرويش بابتسامة هادئة: "أيها الملك! لقد وكلت أموري لمن يملك كل شيء، ويرزق الجميع بفضله وكرمه. لم أتعلق بالدنيا ولا أخشى فقدان شيء، لأن ما أملكه هو منه، وما لا أملكه هو أيضًا من تدبيره. أما أنت فتتشبث بما لديك وتخشى فقدانه. قلبي في سلام لأنني أعلم أن رزقي من الله وأتوكل على قضائه وقدره. هذا السلام كنز لا يمكن لأي ملك أن يشتريه." استمع الملك لكلمات الدرويش وأخذ العبرة، وخف عنه بعض عبء قلقه.