الاستعداد ليوم الحساب يشمل الإيمان الراسخ بالله، وأداء الأعمال الصالحة كالصلاة والزكاة والصوم والحج، والتحلي بالأخلاق الحميدة. كما أن التوبة والاستغفار، ومساعدة الآخرين، والتذكر الدائم للموت والآخرة، تعد من المكونات الأساسية لهذا الاستعداد.
يوم الحساب" أو "يوم القيامة" هو أحد أهم المعتقدات الأساسية والرئيسية في دين الإسلام الحنيف. هذا اليوم ليس مجرد حدث بعيد في المستقبل، بل هو حقيقة يجب أن تكون حاضرة باستمرار في أعماق وجودنا وجوهر حياتنا اليومية. يؤكد القرآن الكريم مراراً وتكراراً على حتمية هذا اليوم ويدعونا إلى الاستعداد له. ولكن كيف يمكننا أن نعد أنفسنا بفاعلية لمثل هذا اليوم العظيم؟ إن هذا الاستعداد هو مسار شامل ومتكامل يشمل أبعاداً مختلفة من إيماننا، وأفعالنا، وأخلاقنا، وحتى نظرتنا للحياة الدنيا، طريق يتم تمهيده بالتوكل على الله والالتزام بأوامره. الخطوة الأولى والأكثر أهمية في هذا المسار هي تعزيز الإيمان والتوحيد الخالص. يؤكد القرآن مراراً على وحدانية الله وعدم الإشراك به. سورة الإخلاص تعبر عن هذا المفهوم بجمال، وتعلمنا أن الله واحد أحد، الصمد، ولم يكن له كفواً أحد. الإيمان بالله تعالى، ورسله، وكتبه السماوية، وملائكته، واليوم الآخر، يشكل العمود الفقري لاستعدادنا. هذا الإيمان ليس مجرد اعتقاد ذهني، بل هو شعور داخلي عميق يوجه جميع أفعالنا ونوايانا. كل عمل نقوم به يجب أن يكون بنية كسب رضا ربنا وإعداد أنفسنا للقائه. هذا اليقين الداخلي هو ما يمنح أفعالنا معنى، ويحولها من مجرد عادات إلى عبادات. بعد الإيمان، تحتل الأعمال الصالحة مكانة خاصة. يذكر القرآن الكريم في آيات عديدة الإيمان مقترناً بالعمل الصالح، وكأن أحدهما لا ينفصل عن الآخر. تشمل الأعمال الصالحة مجموعة واسعة من الأنشطة التي تشكل حياتنا الروحية والاجتماعية: أولاً وقبل كل شيء، الصلاة هي عمود الدين وتوفر اتصالاً مباشراً ويومياً بالله. الصلاة تؤدي إلى نقاء الروح والبعد عن الفحشاء والمنكر، كما جاء في سورة العنكبوت الآية 45: "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ". إقامة الصلاة بخشوع وتوجه قلبي يزيل صدأ الغفلة من القلب ويذكرنا بيوم الحساب، ويخلق فينا حالة من الوجود الدائم مع الرب. ثانياً، الزكاة والإنفاق (الصدقة)؛ إخراج المال في سبيل الله لا يطهر المال فحسب، بل يحرر القلب من الشح والتعلقات الدنيوية. يوعد القرآن بأن ما ننفقه في سبيل الله يعاد إلينا بأفضل صورة يوم الحساب. مساعدة المحتاجين، والأيتام، والمساكين، هي من أفضل طرق جمع الزاد للآخرة وتعبير عملي عن الشكر للنعم الإلهية. ثالثاً، الصوم؛ هو تمرين لتهذيب النفس، والصبر، والتعاطف مع الجياع. يعلمنا الصوم كيف نغلب شهواتنا ونقوي تقوانا لله، ويوقظ فينا حس التعاطف مع الشرائح المحرومة في المجتمع. رابعاً، الحج والعمرة؛ لمن استطاع إليه سبيلاً، أداء فريضة الحج والعمرة فرصة لا تقدر بثمن لتطهير الذنوب وبداية جديدة، وتدل على وحدة الأمة الإسلامية أمام ربها. التحلي بالأخلاق الحميدة ومراعاة حقوق الناس من الأركان المهمة الأخرى للاستعداد ليوم الحساب. يؤكد القرآن الكريم مراراً على العدل، والإحسان، والصدق، والأمانة، والابتعاد عن الظلم، والغيبة، والبهتان، والحسد. في يوم القيامة، لن يتم التدقيق في أعمالنا العبادية فحسب، بل في كيفية تعاملنا مع الآخرين، والحقوق التي راعيناها أو انتهكناها، كل ذلك سيتم فحصه. سورة الحجرات تبين بجمال الآداب الاجتماعية والأخلاقية وتطلب من المؤمنين ألا يسخر بعضهم من بعض، وألا يسيئوا الظن ببعض، وألا يغتابوا. مراعاة حقوق الوالدين، والزوجة، والأولاد، والجيران، وحتى الحيوانات، كلها أعمال تزن في ميزان حسناتنا وتعد مؤشراً على إيمان الإنسان الحقيقي. التوبة والاستغفار الدائم هما نافذة رحمة إلهية مفتوحة دائماً أمام العباد. الإنسان خطّاء وقد يرتكب الأخطاء والذنوب طوال حياته. المهم هو أن يعود فوراً إلى الله بعد ارتكاب الذنب، وأن يكون ندمه حقيقياً، وأن يعزم على عدم تكرار الذنب. يقول الله في القرآن إنه غفور رحيم، يغفر ذنوب عباده. هذه الفرصة للتوبة تستمر حتى لحظة الموت وهي من أعظم الألطاف الإلهية على البشر. التوبة تطهر القلب وتعد الروح للقاء الرب، وتمنح الإنسان أملاً جديداً لتصحيح الماضي. التذكر الدائم للموت والآخرة يلعب دوراً هاماً في الاستعداد ليوم الحساب. عندما يتذكر الإنسان أن الحياة الدنيا فانية وأن المصير النهائي هو دار الآخرة، تتغير نظرته للحياة. هذا التذكر يدفعه إلى الابتعاد عن الغرق في ملذات الدنيا الزائلة وبدلاً من ذلك، يسعى لبناء داره الأبدية. الآية 18 من سورة الحشر تعبر عن هذه النقطة بجمال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". هذا الوعي يضمن أن يتم كل عمل بدقة ونية خالصة. في الختام، الاستعداد ليوم الحساب لا يعني العزلة والابتعاد عن الحياة، بل يعني العيش بهدف وبصيرة. أي أن نغتنم كل لحظة من حياتنا ونقضيها في سبيل رضا الله وخدمة خلقه. هذا المسار مليء بالأمل والرحمة، لأن الله عادل وغفور ولن يضيع أجر المحسنين أبداً. بالتوكل على الله، والإخلاص في النية، والاجتهاد في العمل، يمكننا أن نأمل في أن نحضر يوم الحساب مرفوعي الرأس وفائزين، وأن نمضي بأعمالنا الصالحة نحو الجنة الموعودة. هذا الاستعداد لا يجلب السلام والهدف والبركة لحياتنا الدنيا فحسب، بل يضمن نجاحنا في الدار الأبدية، ويوجهنا نحو حياة متوازنة ومثمرة.
يحكي سعدي في حكاياته الكثير عن قيمة الأعمال الصالحة وطبيعة الدنيا الزائلة. يروى أن تاجراً ثرياً كان يعيش في سمرقند وقد أمضى حياته كلها في جمع المال والثروة. كان يمتلك بيوتاً فخمة، وحدائق مثمرة، وكنوزاً لا تُحصى. عندما اقترب من نهاية حياته، مرض وأقعده الفراش. زاره صديق قديم وعالم حكيم. قال التاجر بحسرة: "لقد أمضيت حياتي كلها في جمع هذه الثروات، ولكن الآن لا شيء منها سيرافقني إلى الآخرة، وسأذهب فارغ اليدين." ابتسم الحكيم وقال: "يا صديقي، الثروة الحقيقية ليست ما يبقى في الدنيا، بل هي ما ترسله مقدماً لآخرتك. الأعمال الصالحة التي قمت بها، الأيدي التي ساعدتها، والقلوب التي أسعدتها، هي رصيدك الأبدي. حتى الآن، لا يزال هناك وقت لتنير طريق آخرتك بالتوبة والعطاء." استيقظ التاجر من غفلته بهذه النصيحة وأمضى بقية حياته في عمل الخير ومساعدة المحتاجين، لعله يجمع زاداً ليوم الحساب.