كيف نبقى متواضعين في مواجهة المصائب؟

الحفاظ على التواضع أثناء المصائب ممكن من خلال الصبر والتوكل على الله والشكر وقبول القضاء والقدر الإلهي. هذا النهج يجنب المرء الغرور في الرخاء واليأس في الشدة، ويؤدي إلى القرب من الله.

إجابة القرآن

كيف نبقى متواضعين في مواجهة المصائب؟

في مواجهة المصائب والشدائد، يعد الحفاظ على التواضع من أهم الفضائل الأخلاقية والروحية التي أكد عليها القرآن الكريم بشدة. المصائب والابتلاءات جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، والله سبحانه وتعالى يذكر صراحة في القرآن أنه يبتلي عباده بأمور مختلفة ليختبر إيمانهم وصبرهم. هذا المنظور القرآني هو الأساس لفهمنا لكيفية التعامل مع الصعوبات والحفاظ على التواضع حتى في أوج المحنة. إن فهم أن جميع الأحداث، سواء كانت سارة أو مؤلمة، هي من عند الله ووفقًا لحكمة بالغة، هو الخطوة الأولى نحو التواضع الحقيقي. أحد أهم المفاهيم المحورية في هذا الصدد هو مفهوم «الصبر». الصبر لا يعني مجرد التحمل السلبي للشدائد، بل هو الثبات الإيجابي في مواجهة المشكلات، والتحكم في النفس عند الغضب أو اليأس، والمداومة على طاعة الله. يدعو القرآن الكريم المؤمنين مرارًا وتكرارًا إلى الصبر ويعد الصابرين بأجر عظيم. في سورة البقرة، الآيتين 155 و 156، يقول الله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ." تُظهر هذه الآيات بوضوح أن المصائب جزء من سنة الله لاختبار عباده، وأن الاستجابة الصحيحة لها هي التوكل على الله والإقرار بملكيته المطلقة. التواضع هنا يعني القبول بأننا ملك لله، وأن كل ما نملكه هو هبة منه ويمكن استرداده في أي لحظة. هذا الفهم العميق يمنع الغرور في أوقات الرخاء والكبر في مواجهة الصعوبات. الصبر على ما يُفقد هو علامة على الاستسلام والتواضع أمام إرادة الخالق، وليس علامة ضعف، بل هو قمة القوة الروحية التي تجعل الإنسان صامدًا أمام العواصف وتمنح قلبه السكينة. إن التواضع في مواجهة المصائب مرتبط أيضًا بمفهوم «التوكل على الله». التوكل يعني تفويض الأمور إلى الله بعد بذل الجهد والسعي. في أوج المحنة، عندما يشعر الإنسان بالعجز والضعف، ويرى أن جميع التدابير والحلول البشرية قد وصلت إلى طريق مسدود، يمنحه التوكل على الله السكينة والقوة. هذا يعني أن الفرد يدرك أن السيطرة النهائية على الأمور ليست بيده، وأن الله وحده هو صاحب القدرة المطلقة والقادر على حل الصعوبات. هذا الوعي يورث التواضع بطبيعته، حيث يرى الإنسان نفسه صغيرًا جدًا أمام عظمة الله وقوته اللامحدودة، ويقبل أنه بدون عونه، لا يمكن تحقيق شيء. في سورة الطلاق، الآية 3، يقول تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا." تقدم هذه الآية درسًا هامًا في التواضع والثقة المطلقة في التدبير الإلهي في كل موقف، حتى في أصعب الظروف. التوكل لا يعني الانسحاب والتخلي عن الجهد؛ بل يعني أن تسعى بكل جهدك وتترك النتيجة للحكيم الأقدر. وهذا بحد ذاته قمة التواضع، حيث يعترف الإنسان بأن علمه وقدرته محدودان، وأن الله وحده يعلم ما هو خير له. بالإضافة إلى الصبر والتوكل، يلعب «الشكر» أيضًا دورًا مهمًا في الحفاظ على التواضع. قد يبدو غريبًا كيف يمكن أن يكون المرء شاكرًا وقت البلاء، لكن المنظور القرآني هو أن هناك جوانب للشكر حتى في المصيبة. على سبيل المثال، شكر الله لأن البلاء لم يكن أكبر، الشكر على فرصة التوبة والعودة، الشكر على الابتلاء وارتفاع الدرجات الأخروية، والشكر على أن الله لا يزال يعتني بنا ولم يتخل عنا. يقول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "إذا أراد الله بعبد خيرًا، ابتلاه ليتضرع إليه." إن هذه النظرة إلى البلاء كفرصة للاقتراب من الله والتطهر من الذنوب هي قمة التواضع، وتمنع الإنسان من الغرور والعجب بالنفس. الكبر يأتي عادة من النعمة والوفرة، حيث يصبح الإنسان مغرورًا بدلاً من الشكر؛ ولكن عندما يتذكر الإنسان نعم الله الخفية حتى في الشدائد ويشكر، فإنه ينجو من فخ الغرور ويصل إلى مرتبة الشكر والتواضع. يقول الله تعالى في سورة إبراهيم، الآية 7: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ." حتى في البلاء، الشكر وسيلة للحفاظ على التواضع وزيادة الفضل الإلهي، ويجعل الإنسان يرى نفسه دائمًا في موضع الفقير والعبد. علاوة على ذلك، نهى القرآن الكريم مباشرة عن الكبر والتبختر، سواء في أوقات الرخاء أو الشدة. التواضع في مواجهة المصائب يعني عدم الشكوى من القدر والقضاء الإلهي، وعدم التباهي بالممتلكات الماضية، وعدم الغرور بعبادات المرء أو أعماله الصالحة. في سورة لقمان، الآية 18، يقول تعالى: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ." تشير هذه الآية إلى أن التواضع صفة دائمة يجب أن ترافق الإنسان في جميع الأوقات، سواء في الرخاء أو الشدة. عندما يبقى الإنسان متواضعًا في مواجهة المصيبة، فإنه في الواقع يعترف بأن كل شيء من الله وأنه لا يملك القوة للهروب من الإرادة الإلهية. هذا القبول ينقذه من الغرور ويهديه نحو الخشوع والاستسلام المطلق. هذا الاعتقاد بأن جميع الأمور في يد القدرة الإلهية المطلقة، وأننا مجرد عباد ضعفاء في طريق مشيئته وإرادته، هو أعمق جذور التواضع الذي يصل إلى ذروته وقت البلاء. في الختام، يتطلب الحفاظ على التواضع في مواجهة المصائب فهمًا عميقًا بأن جميع الأحداث والوقائع، سواء كانت جيدة أو سيئة، تحدث ضمن إطار الحكمة والعلم الإلهي. الله تعالى يعلم كل ما يحدث، ولا تسقط ورقة شجر إلا بعلمه. هذا الإيمان العميق بالقضاء والقدر الإلهي يمنح الإنسان السكينة ويجعله فردًا متواضعًا لا يسكر بخمرة الغرور عند النصر ولا يستسلم لليأس والقنوط عند الهزيمة. بل يرى نفسه دائمًا عبدًا فقيرًا أمام رب غني حكيم، يمكنه أن يبتليه في أي لحظة ويرفعه أو يخفضه. في مثل هذه الحالة، لا تكسر المصائب الإنسان فحسب، بل ترفعه إلى مرتبة أعلى من المعرفة والتوكل، وتُعلمه أن القوة الحقيقية لله وحده، وأن الإنسان يجب أن يكون دائمًا متواضعًا وخاضعًا أمامه. هذا الطريق هو طريق الأنبياء والأولياء الصالحين، الذين أظهروا في أشد الظروف أقصى درجات التواضع والاستسلام، ليصبحوا قدوة وأسوة للبشرية جمعاء. حياتهم هي خير مثال حي على حقيقة أن التواضع ليس ضعفًا بل هو عين القوة؛ قوة تنبع من الاتصال بمصدر القوة المطلقة وتجعل الإنسان صامدًا أمام أي عاصفة، وتوصله إلى السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في بستان سعدي، يُروى أن ملكًا كان شديد الغرور والاستبداد، يتباهى بثروته وسلطانه ولا يعرف التواضع أبدًا. في يوم من الأيام، هاجم جيش العدو مدينته ونهب جميع ممتلكاته. اضطر الملك للفرار إلى الصحراء، وفي قمة الجوع والعطش، التقى براعٍ. استقبله الراعي بلطف وأعطاه قطعة خبز جافة وكوب ماء. الملك، الذي كان يرى نفسه الأسمى حتى تلك اللحظة، شعر بالخجل في قلبه عندما شاهد هذا الكرم غير المشروط وأدرك لا قيمة الثروة والسلطة الفانية. للمرة الأولى، تذوق المعنى الحقيقي للتواضع. أدرك أن العزة الحقيقية تكمن في القلوب النقية ومساعدة الآخرين، وليس في التيجان والعروش وممتلكات الدنيا. هذه التجربة المريرة حولته إلى إنسان متواضع ولطيف، وعاش بقية حياته مسترشدًا بالدرس الذي تعلمه من هذه المصيبة، ولم يسمح للغرور بالدخول إلى قلبه مرة أخرى.

الأسئلة ذات الصلة