طرح الأسئلة بحد ذاته ليس علامة على ضعف الإيمان؛ بل الأهم هو النية ونوع السؤال. فالأسئلة البناءة لطلب العلم والفهم تقوي الإيمان، بينما الأسئلة المفرطة أو العنيدة قد تكون مؤشرًا على ضعف اليقين.
إن طرح الأسئلة، بحد ذاته، ليس علامة على ضعف الإيمان؛ بل في كثير من الحالات، هو وسيلة لتعميق الفهم واكتساب المعرفة وتقوية العقيدة. يدعو دين الإسلام أتباعه باستمرار إلى التفكر والتدبر وطلب العلم. فالقرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعو إلى التأمل في آيات الله في الآفاق وفي الأنفس، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال الاستفسار وطلب المعرفة. يقول الله تعالى في القرآن: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43)؛ أي: «إذا لم تكونوا تعلمون، فاسألوا أهل العلم». تؤكد هذه الآية صراحة على أهمية طرح الأسئلة لاكتساب المعرفة وإزالة الجهل، وتوضح أن الإسلام دين قائم على الفكر والبحث، لا على التقليد الأعمى. ولذلك، فإن الأسئلة البناءة التي تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة، وحل الشبهات، وزيادة البصيرة، ليست مذمومة على الإطلاق، بل هي محمودة ووسيلة للنمو الروحي وكمال الإيمان. ومع ذلك، فإن النقطة الأساسية هي أن «نوع» و«نية» السؤال هما اللذان يحددان قيمته ومكانته. فإلى جانب التشجيع على الأسئلة البناءة، نهى القرآن الكريم في حالات معينة عن الأسئلة غير الضرورية، أو المتكررة، أو العنيدة، أو التي تسبب المشقة والصعوبة. وأبرز مثال على هذا النوع من الأسئلة هو قصة بقرة بني إسرائيل في سورة البقرة. فقد أمر الله بني إسرائيل بذبح بقرة لتحديد القاتل. كان هذا أمرًا بسيطًا، لكنهم بدلاً من الطاعة، بدأوا في طرح أسئلة لا حصر لها ومتتالية حول تفاصيل البقرة: ما لونها؟ ما عمرها؟ ما غرضها؟ في كل مرة يسألون ويتم الكشف عن تفاصيل إضافية، يزداد الأمر صعوبة عليهم، لدرجة أن القرآن يقول: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ (البقرة: 71)؛ أي: «فذبحوها، وما كادوا يفعلون [بسبب كثرة الأسئلة والتشديد على أنفسهم]». ترمز هذه القصة إلى الأسئلة التي تُطرح ليس للفهم، بل للتهرب من المسؤولية، أو خلق الشك، أو التشديد على النفس والآخرين، مما لا يؤدي إلى شيء سوى الندم والمشقة. قد تنبع مثل هذه الأسئلة من ضعف الإيمان أو عدم التسليم القلبي لأمر الله؛ لأن الفرد، بدلاً من الثقة والطاعة، يبحث عن الذرائع ويُعقّد الأمر. علاوة على ذلك، في سورة المائدة، الآية 101، ورد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾؛ أي: «يا أيها الذين آمنوا، لا تسألوا عن أشياء إن ظهرت لكم ساءتكم». تشير هذه الآية أيضًا إلى الحكمة الإلهية في إبقاء بعض الأمور مخفية، وتنهى عن الفضول غير الضروري الذي قد تكون له عواقب غير مقصودة أو يكشف عن أمور يصعب على الإنسان تحملها. هذا النوع من الأسئلة يمكن أن ينشأ أيضًا من نقص التوكل على الله والثقة في حكمته؛ وكأن الفرد يعتقد أنه بحاجة إلى معرفة كل التفاصيل الخفية لإدارة حياته، في حين أن الله أعلم بمصالح عباده، ويخفي بعض الأمور لمصلحتهم. بعبارة أخرى، الإيمان الحقيقي يستلزم نوعًا من التسليم والثقة بالغيب؛ قبول أننا لا نعرف كل شيء، ولا نحتاج إلى معرفة كل شيء، وأن الله هو أفضل مدبر للأمور. لذلك، فإن المعيار الأساسي للحكم على الأسئلة هو النية الكامنة وراءها والآثار المترتبة عليها. إذا كان السؤال نابعًا من الصدق، والفضول العلمي، والرغبة في فهم أعمق للدين والعالم، فهو ليس جائزًا فحسب، بل هو مستحب وعلامة على حيوية الإيمان. تؤدي مثل هذه الأسئلة إلى زيادة اليقين، وتوضيح الغموض، وتقوية البصيرة الدينية. ومع ذلك، إذا كانت الأسئلة من باب العناد، أو البحث عن الأخطاء، أو إثارة الشكوك غير المبررة، أو الوسوسة، أو بقصد تعقيد الأمور، فإنها يمكن أن تكون علامة على ضعف الإيمان؛ لأن الفرد في هذه الحالة، بدلاً من التسليم للحق، يبحث عن طريقة لإنكار أو تبرير عدم طاعته. الإيمان الحقيقي يشمل التوكل، وقبول الغيب، وطاعة الأوامر الإلهية بعد فهم معقول وكاف. وعليه، فإن المؤمن الحقيقي هو من يسعى لاكتشاف الحقائق للتقرب أكثر إلى الله، ويتجنب الأسئلة العبثية التي تشتته عن المسار الصحيح، ويستسلم بهدوء وثقة عندما تقتضي الحكمة الإلهية ذلك. في الختام، يمكن القول إن الإسلام لم يقف أبدًا ضد العقل والأسئلة. بل يطلب من الإنسان استخدام عقله للوصول إلى الحق وطرح أسئلته بنية خالصة وفي الاتجاه الصحيح. فالأسئلة المعقولة والموجهة لا تضعف الإيمان، بل تصقله وتؤدي به إلى الكمال. وهذا هو الفرق بين السالك إلى الله الذي يسأل المرشدين للنجاة من الضلال، وبين من يطرح سؤالاً لا داعي له في كل خطوة لعرقلة تقدمه.
ذات يوم، سأل ملك درويشًا حكيمًا: «لماذا يجد بعض الناس طريقًا قصيرًا وسهلاً في بحثهم عن الحقيقة، بينما يتوه آخرون في متاهة من الأسئلة التي لا تحصى؟» فأجاب الدرويش الحكيم: «يا أيها الملك، قصة هؤلاء القوم تشبه قصة طالبين كانا يدرسان عند أستاذ حكيم. قال الأستاذ لأحدهما: 'ائتِ بقربة ماء.' فنهض الطالب الأول على الفور، وذهب، وأحضر قربة ماء ممتلئة، قائلاً: 'سمعًا وطاعة!' وأنجز المهمة. أما الطالب الثاني، فقد بدأ يطرح الأسئلة: 'من أي بئر؟ وبأي حبل؟ هل الماء يجب أن يكون باردًا أم دافئًا؟ وماذا لو كان البئر جافًا؟' وهكذا، تتابعت الأسئلة حتى حلّ الليل، ولم يجلب ماءً، ولم ينجز شيئًا. ابتسم الأستاذ وقال: 'السؤال من أجل المعرفة أمر حسن، أما السؤال لخلق العقبات أو من باب الوسواس، فهو بحد ذاته حجاب على الطريق. فمن يصغي لأمر القلب والعقل ولا يسعى للمشقة، يصل إلى غايته أسرع. أما من يأتي بألف سؤال لكل خطوة، فسيغرق في أسئلته في النهاية ويفقد الهدف الأصلي.' استفاد الملك كثيرًا من حكمة الدرويش وعلم أن السؤال وسيلة للوصول إلى المعرفة، وليس أداة للتبرير أو الشك.