هل الشعور بالبعد عن الله علامة على ضعف الإيمان؟

الشعور بالبعد عن الله ليس بالضرورة علامة قطعية على ضعف الإيمان، بل هو فرصة للتأمل والتوبة والسعي لتعزيز العلاقة به. القرآن الكريم يرشدنا إلى طرق مثل الذكر والصلاة والاستغفار لسد هذا البعد المتصور.

إجابة القرآن

هل الشعور بالبعد عن الله علامة على ضعف الإيمان؟

يا صديقي العزيز، الشعور بالبعد عن الله تجربة يمر بها الكثير من الناس، حتى المؤمنون الصادقون، في مراحل مختلفة من حياتهم. هذا الشعور ليس بالضرورة علامة قطعية على ضعف الإيمان؛ بل يمكن أن يكون مؤشراً على الحاجة إلى التأمل، ومراجعة الأفعال، وتقوية العلاقة مع الخالق. الإيمان يشبه الحديقة التي تحتاج إلى سقاية مستمرة، ورعاية، واهتمام لتزدهر. أحياناً، بسبب الغفلة، والذنوب، والانشغالات الدنيوية، قد تصاب هذه الحديقة بالجفاف والذبول، مما يؤدي إلى الشعور بالبعد. القرآن الكريم يعلمنا أن الله قريب منا دائماً، وأننا نحن الذين نصنع أحياناً مسافة أو حجاباً بيننا وبينه. يقول تعالى في القرآن: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (سورة ق، الآية ١٦). فالبعد الذي نشعر به ليس من جانب الله، بل هو من جانب العبد. هناك عدة أسباب يمكن أن تؤدي إلى هذا الشعور بالبعد، والتي يمكن استكشافها من منظور القرآن والتعاليم الإسلامية. من أهم هذه الأسباب «الغفلة». الغفلة تعني نسيان الله، وهدف الحياة، والانشغال المفرط بأمور الدنيا. عندما ينغمس الإنسان في الماديات، والشهوات، ووساوس الشيطان، يقسو قلبه تدريجياً ويبتعد عن ذكر الله. القرآن الكريم يحذر الغافلين مراراً وتكراراً، ويعتبرهم ممن لهم عاقبة سيئة، لأن الغفلة تمنع الإنسان من إدراك الآيات الإلهية والتذكيرات القلبية. عندما يضعف ذكر الله في الحياة، يفقد القلب سكينته، ويظهر شعور بالفراغ والبعد. سبب آخر هو «الذنوب والمعاصي». كل ذنب يرتكبه الإنسان هو كطبقة من الغبار تتراكم على مرآة القلب، تمنع نور الله من السطوع عليها. هذه الذنوب يمكن أن تخلق حاجزاً بين العبد وربه، مما يسبب شعوراً بالثقل وعدم الارتياح في النفس. القرآن الكريم يؤكد بشدة على اجتناب الذنوب وضرورة التوبة والاستغفار. ضعف العبادة وعدم أداء الواجبات الدينية هي أيضاً من العوامل المساهمة في هذا الشعور. الصلاة، والصيام، وقراءة القرآن، والدعاء هي أعمدة الاتصال بالله. عندما تضعف هذه الأعمدة أو تنهار، فمن الطبيعي أن تضعف العلاقة ويظهر شعور بالبعد. يؤكد القرآن مراراً على أهمية الصلاة والصبر، ويعتبرهما وسيلة للاستعانة بالله. في سورة البقرة، الآية ١٥٣، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. كما أن عدم التأمل والتدبر في آيات القرآن والآيات الإلهية في الطبيعة وفي داخل النفس، يمكن أن يكون سبباً آخر. القرآن كتاب هداية، والتدبر فيه يزيد بصيرة الإنسان ويهديه إلى الله. لكن النقطة الحاسمة هي أن هذا الشعور بالبعد، رغم أنه قد ينبع من العوامل المذكورة، إلا أنه فرصة للعودة وتجديد العهد مع الله. هذا الشعور يمكن أن يعمل كجرس إنذار، يدفع الفرد نحو التوبة وطلب المغفرة. في آيات عديدة، يدعو الله عباده إلى التوبة والعودة، معتبراً أبواب رحمته مفتوحة لهم دائماً. في سورة الزمر، الآية ٥٣، يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. هذه الآية تبرز سعة الرحمة الإلهية، التي تفتح طريق العودة حتى للخطاة. للتغلب على الشعور بالبعد وتقوية الإيمان، يقدم القرآن الكريم عدة طرق: أولها وقبل كل شيء، «الذكر وذكر الله». يقول تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (سورة الرعد، الآية ٢٨). الذكر لا يشمل فقط التسبيحات والأوراد، بل يشمل أيضاً التأمل في عظمة الله، والشكر على نعمه، وتذكر حضوره في جميع لحظات الحياة. ثانياً، «الصلاة والدعاء» بحضور قلب وخشوع. الصلاة هي معراج المؤمن وأفضل وسيلة للتواصل المباشر مع الرب. والدعاء هو أيضاً وسيلة للتعبير عن الحاجات، والشكر، وطلب العون من الله. ثالثاً، «تلاوة القرآن وتدبره». القرآن الكريم نور وشفاء للقلوب. القراءة بفهم والعمل بتعاليمه يهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم والقرب من الله. رابعاً، «التوبة الصادقة والاستغفار». تطهير القلب من الذنوب والعودة إلى الله بندم حقيقي وعزم على ترك الذنب يزيل الحجب. خامساً، «فعل الخيرات وخدمة الخلق». مساعدة المحتاجين، الإحسان إلى الوالدين والجيران، وأي عمل يرضي الله يزيد من نور الإيمان والقرب منه. سادساً، «مصاحبة الصالحين وتجنب البيئات الفاسدة». البيئة والصحبة لها تأثير كبير على روح الإنسان وإيمانه. في الختام، يجب أن نفهم أن الإيمان رحلة ديناميكية ذات صعود وهبوط. الشعور بالبعد، بدلاً من أن يدفعنا إلى اليأس، يجب أن يكون حافزاً لبذل المزيد من الجهد، وتحسين الذات، والعودة إلى المصادر الإلهية الأصيلة. إن الله أرحم من أن يطرد عبداً يقصد العودة. إنه ينتظر دائماً عودة عباده، وكل خطوة تُخطى إليه ستُقابل بخطوات أكبر منه. هذا الشعور يمكن أن يكون إيقاظاً لنا لنخرج من الغفلة ونضفي عمقاً أكبر على حياتنا الروحية. لذا، انظر إليه كفرصة للنمو الروحي والتطور، وليس مجرد ضعف. بعزيمة راسخة والاستعانة بالله، يمكن تحويل هذه المسافة إلى قرب، وهذا الشوق إلى سكينة ويقين.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في كتاب «كلستان» لسعدي، يُروى أن درويشاً جلس لسنوات في عزلته، منشغلاً بالذكر. ذات يوم، شعر أن قلبه قد ابتعد عن ذكر الحق (الله) وأن جفافاً قد غلب على روحه. قال في نفسه: «لماذا غفل قلبي عن ذكر الحبيب؟ هل نقص نور إيماني بسبب كثرة الدنيا وانشغالاتها؟» بقلب مثقل، ذهب إلى شيخ مستنير وباح له بحاله. ابتسم الشيخ وقال: «أيها الدرويش، أحياناً يعلو الغبار القلب. لا تقل إنه ضعف في الإيمان، بل هو فرصة لتصقله من جديد بماء دموع التوبة ومرآة الذكر. ارجع إلى خلوتك، واذكر الله أكثر من ذي قبل، اقرأ القرآن، ومد يد العون للمحتاجين. فبالذكر والخدمة، يمكنك تطهير القلب من كل غبار، وسوف يتحول شعور البعد هذا إلى حلاوة القرب.» أخذ الدرويش بنصيحة الشيخ، ولم يمض وقت طويل حتى أصبح قلبه ساطعاً كنور المرآة، وتذوق حلاوة القرب الإلهي أكثر من أي وقت مضى.

الأسئلة ذات الصلة