نعم، الله سبحانه وتعالى عليم بكل تفاصيلنا الداخلية والخفية، بما في ذلك الاضطرابات والأفكار غير المعلنة. إنه أقرب إلينا من حبل الوريد ويعلم كل ما يدور في قلوبنا.
نعم، بالتأكيد وبلا أدنى شك، إن الله سبحانه وتعالى عليم بكل التفاصيل الداخلية والخفية فينا، بما في ذلك اضطراباتنا، أفكارنا، مشاعرنا التي لم ننطق بها، وحتى الهمسات الخفية لقلوبنا. هذه الحقيقة هي أحد الأصول الإيمانية الجوهرية في الإسلام، وهي مصدر عظيم للطمأنينة والتوجيه في مواجهة العديد من التحديات النفسية والروحية للإنسان. لقد أكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا، وبطرق متنوعة، على سعة وشمول العلم الإلهي، علم لا يشمل فقط ظاهر أعمالنا وأقوالنا، بل يتغلغل إلى أعماق نوايانا وحالاتنا الباطنية. من أوضح الآيات في هذا الصدد، الآية 16 من سورة ق التي تقول: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾. هذه الآية تُصرح بأن الله ليس فقط خالق الإنسان، بل هو عليم تمام العلم بما يجري في داخله، في أعماق روحه ونفسه - بما في ذلك الوساوس، الهواجس، المخاوف، والقلق التي يمكن أن تكون مصادر للاضطراب. كلمة ﴿مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ تشمل أي نوع من الهمس، الفكر الخفي، والقلق الذي يدور في ذهن وقلب الإنسان. النقطة الثانية والهامة جدًا في هذه الآية هي الإشارة إلى قرب الله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ونحن أقرب إليه من وريده). هذا القرب يعبر عن علم الله المطلق، وحضوره الدائم، وإحاطته الكاملة بوجود الإنسان. وهذا يعني أنه لا يلزم أن تبوح بمشاعرك أو تنطق بكلمة ليكون على علم بحالك؛ إنه يعلم ذلك حتى قبل أن تدرك أنت نفسك اضطرابك. هذا العلم هو علم مقرون بالرحمة والفهم، وليس مجرد مراقبة لا مبالية. آية أخرى تعزز هذه الحقيقة هي الآية 284 من سورة البقرة: ﴿لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۗ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. تعبير ﴿مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾ يشمل كل الأفكار، النوايا، المعتقدات، المشاعر، والقرارات الداخلية للإنسان. هذه الآية لا تؤكد فقط على علم الله التام بما في دواخلنا، بل تربط هذا العلم أيضًا بمسألة المحاسبة والمغفرة. وهذا يعني أن حتى الاضطرابات الداخلية، إذا كانت ناتجة عن ذنب أو انحراف فكري، معلومة لديه وقابلة للمحاسبة، ولكن في الوقت نفسه، تفتح بابًا للأمل: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ﴾. هذه المغفرة تدل على رحمته وفهمه لوضع الإنسان. فبالتالي، الاضطرابات، سواء كانت ناتجة عن ضعف النفس، أو عن ضغوط وامتحانات الحياة، ظاهرة لله، وهو وحده القادر على إعادة الطمأنينة. كذلك، تنص الآية 7 من سورة المجادلة على: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. هذه الآية تتجاوز العلم بالهمسات اللفظية؛ إنها تؤكد على حضور الله وعلمه الدائم في كل زمان ومكان، حتى في أعمق الخلوات وأكثر الأفكار داخلية. عندما يكون الله رابع ثلاثة في نجوى، فهذا يعني علمه المطلق بكل ما يقال وما لا يقال، بما في ذلك الاضطرابات الذهنية التي قد لا يستطيع الفرد التعبير عنها. هذا العلم الإلهي المطلق ليس فقط سببًا للخوف والمحاسبة، بل هو مصدر عظيم للطمأنينة والأمل للمؤمن. عندما نعلم أن خالقنا وربنا عليم بكل تفاصيل آلامنا، معاناتنا، آمالنا، ويأسنا، فإن شعور الوحدة يختفي. هذا العلم يمنحنا الثقة بأن دعواتنا مسموعة، حتى لو كانت مجرد همسات داخلية. إنه يدرك اضطراباتنا، وبعلمه اللامتناهي، يقدم لنا أفضل الحلول. وهذا يعني أنه كلما شعرنا بالاضطراب، يمكننا أن نتوجه إليه بكل وجودنا، لأنه لا يسمع فقط، بل يفهم، يدرك، وهو قادر على التسكين والشفاء. هذا الفهم للعلم الإلهي يقوي التوكل والإيمان بقدرته ورحمته اللامتناهية، ويساعد الفرد في مواجهة أصعب لحظات الحياة. لذا، بقلب مطمئن ومفعم بالأمل، استعن بهذه الحقيقة الإلهية لتجد الخلاص من اضطراباتك الداخلية، فهو معك دائمًا وفي كل مكان، وهو على علم بجميع أحوالك.
يروى أنه في زمان بعيد، كان هناك رجل ثري يبدو ظاهرياً تقياً جداً، وكان يقف دائمًا في المسجد للصلاة، وكان الناس يثنون عليه لزهده وتقواه. ولكن في باطنه، كان قلبه مليئًا بالطمع في أموال الدنيا وحسابات الربح والخسارة، وكل مساعدة صغيرة يقدمها للمحتاجين كانت تصاحبها حسرة داخلية. في أحد الأيام، مر درويش عارف وبصير بجوار المسجد. فسأله أحد الحاضرين: «يا شيخ الفاضل، ما حال هذا الرجل الذي يعبد بهذا الخشوع؟» تنهد الدرويش وقال: «لسانه يسبح، ولكن قلبه يحدث عن الذهب والفضة! فما فائدة صلاة تملأ آذان الناس، بينما في حضرة الحق، هي همس بالرغبات الدنيوية وتكشف عن اضطرابه الخفي؟ فإن العليم المطلق لا يسمع صوت اللسان فقط، بل يدرك النية وحال الروح من أعماق كياننا، حتى همسات الطمع الصامتة أو رجفات الخوف الخفية.» هذه الحكاية تذكرنا بأن العبادة الحقيقية تنبع من القلب، وأن الله يعلم حتى أفكارنا الخفية واضطراباتنا الداخلية، وينظر إليها بعلم تام.