لا، في القرآن الكريم، مجرد النية الحسنة وحدها لا تكفي للمغفرة الكاملة للذنوب. فالنية الحسنة أساس مهم، لكن المغفرة الإلهية تتطلب عادة توبة نصوح (ندم، ترك الذنب، وعزم على عدم العودة)، وغالبًا ما تشمل أداء الأعمال الصالحة أو جبران حقوق الناس.
في تعاليم القرآن الكريم السامية، يحتل موقع النية والعمل مكانة بارزة للغاية. فالنية، أي القصد القلبي والدافع الداخلي لأداء عمل ما، تُعد أساس جميع الأفعال، وتحظى بأهمية كبرى في الإسلام. والحديث النبوي الشريف المشهور: «إنما الأعمال بالنيات» يشهد على هذه الحقيقة، وأن قيمة كل عمل تتوقف على النية الكامنة وراءه. ولكن، هل مجرد امتلاك نية حسنة، دون أن تؤدي إلى عمل خارجي، أو في حال ارتكاب ذنب، دون توبة وإصلاح، يكفي لتحقيق المغفرة والعفو الإلهي؟ إجابة القرآن على هذا السؤال أكثر تعقيدًا وشمولية من مجرد 'نعم' أو 'لا' بسيطة، وتتطلب دراسة أبعاد مختلفة. يُبين القرآن بوضوح أن الله عليم بما في الصدور ويعلم النوايا. ففي سورة البقرة، الآية 284 يقول تعالى: «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»؛ أي: «لله ما في السماوات وما في الأرض. وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، والله على كل شيء قدير». هذه الآية تشير إلى أن حتى الأفكار والنوايا الخفية تخضع لعلم الله ومحاسبته. ومع ذلك، لاحظ أن هذه الآية تشير إلى المحاسبة، وليس فقط إلى المغفرة بناءً على النية وحدها. فالمغفرة بعد المحاسبة تتحقق بمشيئة الله وشروط معينة. في مناسبات عديدة، يؤكد القرآن صراحة على ضرورة اقتران النية بالعمل الصالح. فالإيمان والعمل الصالح يعتبران جناحي طيران الإنسان نحو رضا الله والجنة. ففي العديد من الآيات، يذكر الله بعد الإيمان مباشرة العمل الصالح، مما يدل على الارتباط الوثيق بينهما. على سبيل المثال، تقول سورة العصر: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»؛ «إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر». هذه الآية توضح بوضوح أن الإيمان (الذي هو جزء لا يتجزأ من النية والاعتقاد القلبي) لا يكفي وحده، بل يجب أن يقترن بالعمل الصالح لكي لا يكون الإنسان من الخاسرين. ولغفران الذنوب، يؤكد القرآن بشدة على مفهوم «التوبة النصوح». فالتوبة ليست مجرد نية داخلية لعدم تكرار الذنب، بل هي عملية فعالة تشمل الندم القلبي على الذنب الماضي، والعزم الجاد على تركه في المستقبل، وجبران ما فات (إذا كان ذلك ممكنًا وضروريًا). ففي سورة التحريم، الآية 8 نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...»؛ «يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار». هذه الآية تبين أن التوبة النصوح (التي تشمل النية الصادقة وعمل ترك الذنب والعودة إلى الحق) هي مفتاح المغفرة. بالإضافة إلى ذلك، يوضح القرآن أن بعض الذنوب، وخاصة تلك التي تنتهك حقوق الآخرين (حقوق العباد)، لا تُغفر بمجرد التوبة إلى الله، بل تتطلب تعويضًا وطلب السماح من أصحاب الحقوق. في هذه الحالات، لا يمكن حتى لأخلص النوايا دون إجراءات عملية للتعويض أن تؤدي إلى غفران كامل. من ناحية أخرى، يجب الانتباه إلى سعة الرحمة والمغفرة الإلهية. فالله غفور رحيم، وحتى النية الصادقة لعمل الخير، إذا لم تتمكن لأي سبب من الأسباب من الوصول إلى مرحلة التنفيذ، قد تحظى بلطف إلهي ويُسجل أجر تلك النية للشخص. وقد ورد هذا في الروايات أيضًا، حيث يُسجل أجر النية الحسنة لمن لم يتمكن من تنفيذها. ولكن هذا 'تسجيل أجر النية' يختلف عن 'غفران الذنوب'. فغفران الذنوب، خاصة الذنوب المتعمدة، عادة ما يستلزم توبة فعالة وعودة صادقة إلى الرب. باختصار، النية الحسنة هي حجر الزاوية لكل عمل صالح وشرط أساسي لقبول الأعمال عند الله. فبدون نية صادقة، لا قيمة كبيرة للعمل الصالح حتى. ولكن لغفران الذنوب، خاصة الذنوب المتعمدة، مجرد النية الحسنة أو الندم وحده لا يكفي. فالتوبة النصوح، التي تشمل الندم الحقيقي، وترك الذنب، والعزم على عدم العودة إليه، وعند الضرورة جبران حقوق العباد، ضرورية. كما أن القيام بالأعمال الصالحة يمكن أن يكون كفارة للذنوب الأصغر ويفتح بابًا لنيل الرحمة الإلهية. لذا، يمكن القول إن النية الحسنة هي مكون حيوي وأساسي في عملية تحقيق المغفرة الإلهية، ولكنها وحدها، ودون عمل متناسب (سواء كان عملًا صالحًا أو توبة وإصلاحًا)، غالبًا لن تكون كافية لتطهير جميع الذنوب. فالله عليم بنوايا القلوب ويرى الأعمال، ويحدد الثواب والعقاب بناءً على كليهما. وهو عادل وحكيم، يكافئ كل شخص بقدر جهده وصدق نيته وعمله.
في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري يعيش في مدينة شيراز، يتحدث كثيرًا عن الأعمال الصالحة ومساعدة المحتاجين، وكان يحمل دائمًا نية مساعدة الفقراء في قلبه. لكن في الواقع، لم تكن يداه مفتوحتين للكرم. قال له حكيم خبير عرفه، بوجه بشوش: «يا صديقي، البذرة التي تنوي النمو، إذا لم تُزرع في التربة ولم تُسقَ، فلن تثمر أبدًا. لا يرتوي العطشان بالماء المتخيل، ولا يشبع الجائع بتمني الطعام. فالله الذي يعلم ما في أعماق القلوب، ينظر أيضًا إلى أفعال الأيدي. المغفرة والبركة غالبًا لا تأتيان من الفكر وحده، بل من الجهد الصادق في سبيل البر والعمل بتوبة حقيقية.» تغير التاجر لسماع هذه الكلمات، وبدلاً من مجرد النية، بدأ يقوم بأعمال الخير وتاب فعليًا عن أفعاله الماضية، ووجد السلام الحقيقي والرضا الإلهي في حياته.