هل الإنسان في القرآن محتاج جوهرياً للهداية الإلهية؟

نعم، يؤكد القرآن أن الإنسان محتاج جوهرياً للهداية الإلهية. ينبع هذا الاحتياج من محدودية العقل البشري وضرورة الإرشاد الإلهي لتحقيق الفلاح والحياة الطيبة.

إجابة القرآن

هل الإنسان في القرآن محتاج جوهرياً للهداية الإلهية؟

نعم، من منظور القرآن الكريم، فإن الإنسان كائن بطبيعته يحتاج إلى الهداية الإلهية في مسار حياته. لا ينبع هذا الاحتياج فقط من الضعف والقصور المتأصل في الطبيعة البشرية، بل له جذور عميقة في غاية الخلق وتركيبته الوجودية. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على هذه الحقيقة، فقد خلق الله الإنسان لغاية سامية: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (الذاريات: 56). ولتحقيق هذه الغاية السامية (العبادة الحقيقية التي تشمل جميع أبعاد الحياة)، يحتاج الإنسان إلى خارطة طريق دقيقة وشاملة لا يمكن أن يقدمها إلا خالق الوجود. الإنسان، على الرغم من امتلاكه للعقل والإرادة والفطرة السليمة التي تميل إلى الحق، إلا أن هذه المواهب وحدها لا تكفي لاجتياز طريق الكمال والنجاة. فعقل الإنسان محدود وقد يتعرض للخطأ والزلل في منعطفات الحياة وأمام الوساوس والشبهات. كما أن الهوى والجهل والنسيان والميول المادية يمكن أن تحجب فطرته النقية وتصرفه عن الصراط المستقيم. يعبر القرآن الكريم عن هذا الجانب من ضعف الإنسان بوضوح؛ فمثلاً في سورة يوسف، الآية 53، يقول الله تعالى: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي». هذه الآية تبين أن النفس البشرية قد تميل إلى الشر بطبيعتها، ولذلك هي بحاجة إلى قوة رادعة وموجهة من خارج ذاتها. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الإنسان في المسائل الأخلاقية والاجتماعية والقانونية وحتى الاقتصادية إلى إطار شامل ومستقر يمكنه من إقامة العدل والقسط في المجتمع. فالقوانين البشرية، مهما بلغت من التقدم، تظل متأثرة بعوامل مختلفة كالمصالح الشخصية والتحيزات الثقافية والقيود الزمانية والمكانية، ولا يمكنها أن تقدم إجابة كاملة وأبدية لاحتياجات الإنسان المعقدة. وهنا تبرز أهمية الهداية الإلهية بشموليتها الفريدة. فالله تعالى، وهو الخالق والعالم بكل أبعاد وجود الإنسان واحتياجاته، هو الأدرى بما ينفعه ويسعده في الدنيا والآخرة. لذلك، يصف نفسه في آيات عديدة بـ «الهادي». القرآن الكريم، بصفته كلام الله، يصف نفسه بأنه «هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ» (البقرة: 2)، أي هداية للمتقين. هذا الكتاب لا يقتصر على التعليمات العقائدية والعبادية فحسب، بل يوضح كذلك المبادئ الأخلاقية والقوانين الاجتماعية، والسبل الكفيلة بتحقيق السعادة الفردية والجماعية. إن إرسال الأنبياء هو دليل آخر على هذه الحاجة الإنسانية المتأصلة للهداية. فالأنبياء كانوا معلمين من الله، يوصلون التعاليم الإلهية للبشر، ويوضحون لهم المفاهيم، ويقدمون لهم نموذجاً عملياً لطريق العبادة والحياة الصالحة. فبدون وجود هؤلاء الهداة السماويين وبدون الكتب الإلهية، كان البشر سيغرقون في بحر الجهل والضلال، وكل جماعة ستختار طريقاً لنفسها لا يؤدي إلا إلى النزاع والفساد. حتى الفطرة البشرية النقية، التي تميل إلى الحق والحقيقة والجمال، تحتاج إلى تغذية وتوجيه صحيح. فإذا لم تُرْوَ هذه الفطرة بالهداية الإلهية، فقد تُجَرّ إلى الضلال تحت تأثير البيئة أو التربية الخاطئة أو الوساوس الشيطانية، وتتجه نحو عبادة أصنام مختلفة (مادية أو معنوية) بدلاً من عبادة الله الواحد. لذلك، فإن الهداية الإلهية بمثابة نور يضيء الطريق للعقل والفطرة البشرية وينقذها من ظلمات الجهل والضلال. إن قبول هذه الهداية هو علامة على الحكمة والاستسلام للحقيقة، ويؤدي في النهاية إلى السكينة الداخلية والخلاص الأبدي. الإنسان مخير في قبول هذه الهداية أو رفضها، لكن القرآن يؤكد أن اختيار طريق الهداية هو عين الشكر، واختيار طريق الضلال هو عين الكفران: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» (الإنسان: 3). بشكل عام، يوضح القرآن بجلاء أن الإنسان لا يستطيع وحده بلوغ قمم الكمال والسعادة. فهو في أمس الحاجة إلى إرشاد خالقه، ليس فقط في معرفة حقائق الوجود، بل وفي فهم الأوامر والنواهي، وفي إدارة غرائزه ورغباته. إن هذا الاحتياج للهداية ليس نقصاً، بل هو جزء من التصميم الحكيم لله الذي وضع الإنسان في مسار من الاختبار والنمو، لكي يستطيع بمعونة الهداية الإلهية تحقيق أسمى مراتب وجوده وإنجاز غاية خلقه. فبدون هذه الهداية، ستكون حياة الإنسان بلا هدف ومعنى، وستقوده نحو الهلاك.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك رجل عالم ورع يعيش وحيداً في الجبال، وكان يظن أنه بعقله وعلمه يستطيع حل كل مشكلة ولا يحتاج إلى هداية من أحد. ذات يوم، ضل طريقه في مسار لم يسلكه من قبل. وكلما زاد جهده، ازداد غرقاً في الظلام والضلال. فجأة، ظهر شيخ كبير من بعيد، وبكل لطف أرشده إلى الطريق الصحيح. أدرك العالم بتواضع كبير أن حتى أعلم الناس يحتاجون في بعض اللحظات إلى هداية خارجية، وأن هذه الحاجة الإنسانية الفطرية للإرشاد، خاصة من الخالق الحكيم، متأصلة في وجوده. ومنذ ذلك الحين، لم يتكبر قط، وعلم أن الهداية الإلهية وحدها هي المرشد الحقيقي.

الأسئلة ذات الصلة