لا، في الإسلام، مجرد الامتناع عن الذنب ليس كافياً؛ بل يجب أن يقترن الإيمان بالأعمال الصالحة، أي القيام بالخير بنشاط وخدمة الخلق. يكمن الكمال الإيماني في التوازن بين ترك المحرمات وأداء الواجبات والمستحبات.
في المذهب الإسلامي الشامل والكامل، المستمد من تعاليم القرآن الكريم الغنية، يأتي الرد على سؤال: 'هل مجرد عدم ارتكاب الذنوب كافٍ للخلاص والكمال؟' بـ 'لا' قاطعة. الإسلام ليس مجرد دين سلبي قائم على الامتناع عن المحرمات، بل هو نظام حياة ديناميكي وإيجابي يشمل الامتناع عن الشرور وأيضًا الأداء النشط للخيرات. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا أن الإيمان والعمل الصالح متلازمان، وبدون أحدهما يبقى الآخر ناقصًا. تخيل منزلاً جدرانه فقط محمية من الانهيار، لكن لا أبواب ولا نوافذ فيه، ولا ضوء أو دفء، ولا أثر للراحة أو الجمال. هل مثل هذا المنزل مكان كامل وصالح للسكن؟ بالتأكيد لا. وبالمثل، لا تكتمل حياة الإيمان بمجرد الامتناع عن الذنب؛ بل تتطلب البناء والتنمية وإضافة الفضائل والخيرات. ليس الهدف من خلق الإنسان في القرآن مجرد تجنب الشر والسوء، بل الوصول إلى مقام العبودية والخلافة لله، وهو ما يستلزم سعيًا مستمرًا في طريق الخير وخدمة الخلق وعمارة الأرض. يقول الله تعالى في القرآن: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70)، مما يدل على كرامة الإنسان المتأصلة؛ هذه الكرامة لا تبلغ أوجها بالتقاعس ومجرد الابتعاد عن الذنوب، بل تتحقق من خلال ازدهار المواهب الإلهية في طريق الخير والصلاح. أحد المفاهيم المركزية في القرآن هو الارتباط الوثيق بين 'الإيمان' و'العمل الصالح'. فتقريبًا في كل موضع يذكر فيه الثواب الأخروي والخلاص، يذكر هذان المفهومان معًا. سورة العصر نفسها شاهد واضح على هذا الادعاء. يقسم الله تعالى بالعصر ويقول: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. في هذه السورة القصيرة، لم يُعتبر الإيمان والعمل الصالح شرطين لعدم الخسارة فحسب، بل أُضيف إليهما 'التواصي بالحق' و'التواصي بالصبر'. هذا يعني أن المؤمن لا يمكنه الاكتفاء بإصلاح نفسه فقط؛ بل يجب أن يكون فعالاً في إصلاح المجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مجرد الامتناع عن الذنب خطوة أساسية ومهمة للغاية، لكنها ليست نهاية الطريق. طريق الإيمان طريق ديناميكي يتطلب خطوات أكبر نحو إحداث الخير والصلاح في العالم. مفهوم 'التقوى' الذي حظي بتأكيد كبير في القرآن، يتجاوز مجرد الامتناع عن الذنوب. التقوى تعني ضبط النفس والورع، ولكن ليس ورعًا سلبيًا. التقوى الحقيقية هي حضور القلب والوعي الدائم بالله، والذي ينتج عنه الابتعاد عن المحرمات والشوق إلى أداء الواجبات والمستحبات. الشخص التقي لا يظلم فحسب، بل يساعد المظلوم؛ لا يكذب فحسب، بل يشهد بالحق؛ لا يأكل مال الناس بالباطل فحسب، بل ينفق من ماله في سبيل الله. هذا الجانب النشط من التقوى هو الذي يحولها من حالة سلبية إلى قوة دافعة للخير. حقوق الله وحقوق العباد بعدان مهمان للعبودية في الإسلام. الامتناع عن الذنوب يتعلق أساسًا بعدم انتهاك الحقوق، سواء كانت حقوقًا إلهية أو حقوق العباد. على سبيل المثال، عدم السرقة، عدم الزنا، عدم الغيبة، وعدم الشرك، كلها تعتبر امتناعًا عن الذنوب. لكن هل هذا كافٍ؟ حقوق الله تشمل إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، صوم رمضان، وأداء الحج، وكلها أفعال إيجابية ونشطة. مجرد عدم ارتكاب ذنب مثل ترك الصلاة يعتبر ذنبًا، ولكن ترك الصلاة الواجبة هو أيضًا عدم أداء واجب يختلف عن مجرد عدم ارتكاب ذنب. وبالمثل، لا تُؤدَّى حقوق العباد بمجرد عدم ظلم الآخرين؛ بل تشمل الإحسان إلى الوالدين، مساعدة المحتاجين، إقامة العدل، حسن الخلق، زيارة المريض، وتفريج كرب الناس. هذه كلها 'أعمال صالحة' و'أعمال خير' يجب أن تُؤدَّى بنشاط وتختلف عن 'مجرد عدم ارتكاب الذنوب'. على سبيل المثال، لنفترض أن شخصًا قضى حياته دون ارتكاب أي ذنب واضح: لا يسرق، لا يكذب، لا يؤذي أحدًا. في نظر الكثيرين، هو شخص 'غير ضار' و'محترم'. ولكن إذا سكت هذا الشخص نفسه في وجه الظلم، أو كان غير مبالٍ بالمحتاجين، أو تجاهل فرصة لخدمة المجتمع، فهل يمكن القول إنه قد بلغ كماله الإنساني والإيماني؟ يأمر القرآن المؤمنين بأن 'يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ' (آل عمران: 104)، أي أن يأمروا بالخير وينهوا عن الشر. هذه المسؤولية الاجتماعية تتجاوز مجرد حياة فردية خالية من الذنوب. المؤمن الحقيقي هو الذي لا يبتعد عن الشر فحسب، بل يصبح مصدر خير وبركة لنفسه، ولأسرته، ولمجتمعه. إنه يسعى بنشاط لتحسين حال العالم وتحقيق العدل والخير. لذلك، فإن حياة الإيمان في الإسلام هي حياة ديناميكية ومليئة بالمسؤولية، حيث يعتبر ترك الذنوب مجرد مقدمة لبحر من الأعمال الصالحة والفضائل الأخلاقية. هذا النهج الشامل يقود الإنسان نحو الكمال والسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، ويجعله كائنًا مفيدًا وفعالًا، وليس مجرد كائن غير ضار.
يروى في گلستان لسعدي أن كان هناك ملك عادل عرفه الجميع بحسن خلقه واجتنابه للظلم. لم يظلم رعاياه قط، وظاهريًا، كانت حياته لا تشوبها شائبة. ذات يوم، قال له درويش حكيم: «أيها الملك، إن الابتعاد عن الظلم يشبه تجنب السيف الحاد. ولكن، هل اكتفيت بقطف الشوك في بستان وجودك ولم تزرع فيه زهرة؟ إن الخير الحقيقي ليس مجرد عدم تذوق السم، بل هو إرواء عطش العطشى بالرحيق. لم يُعمّر منزل قط بمجرد غياب الخراب، بل ببناء الجدران ووضع لبنات المحبة والعطاء.» تأمل الملك في هذه الكلمات وأدرك أن تجنب الذنب هو نصف الطريق فقط، وأن الكمال يكمن في الابتعاد عن الشر وأيضًا في زراعة بذور الخير بنشاط في القلوب وعلى الأرض. ومنذ ذلك الحين، بالإضافة إلى عدله، بدأ الملك في الأعمال الصالحة، وأصبح مائدته مفتوحة أكثر للفقراء، وتذوق الناس حلاوة كرمه وعطفه، فأثنوا عليه لا لمجرد براءته من الذنوب، بل لأعماله الصالحة.