القرآن الكريم جعل الليل للراحة والنوم العميق، والنهار للسعي والنشاط. نوم الليل، بتناغمه مع النظام الطبيعي للجسم، أكثر فائدة بكثير صحيًا ونفسيًا لرفاهية الإنسان وإنتاجيته. ومع ذلك، فإن القيلولة (النوم القصير نهاراً) جائزة وموصى بها في السيرة النبوية.
فيما يتعلق بالسؤال: «هل نوم الليل أفضل أم نوم النهار؟»، لم يتطرق القرآن الكريم إلى هذا الأمر بعبارة صريحة تفضل أحدهما على الآخر بشكل مطلق. ولكن ما تم بيانه بوضوح في آيات متعددة من القرآن هو الحكمة والنظام الإلهي في خلق الليل والنهار ووظيفة كل منهما للإنسان. فالقرآن يصف الليل بأنه للراحة والسكينة والستر (لباس)، والنهار بأنه للسعي والرزق والإبصار. هذا التقسيم لا يعني نفي النوم تمامًا في النهار أو اليقظة في الليل، بل هو تحديد الدور الأساسي والمهيمن لكل من هاتين الفترتين الزمنيتين، وهو ما تم تخطيطه لصلاح ونجاح البشر. الهدف الرئيسي من هذا التقسيم هو إيجاد التوازن والتناغم في حياة الإنسان مع الدورة الطبيعية للوجود. يقول الله تعالى في سورة النبأ، الآية 9: «وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا»، أي «وجعلنا نومكم راحة». كلمة «سبات» تعني قطع النشاط والتوقف لتجديد القوة والراحة. هذه الآية تشير إلى النوم بشكل عام، ولكنها توضح في الآية التالية (الآية 10): «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا»، أي «وجعلنا الليل ساتراً». هذا «اللباس» يشير إلى الظلام الشامل وهدوء الليل الذي يمنع الإنسان من الأنشطة اليومية ويوفر فرصة للراحة والخلوة. هذا يدل على أن الليل هو الوقت الطبيعي والأساسي للعودة إلى السكينة والراحة العميقة وإعادة بناء القوى الجسدية والروحية. في هذه الفترة، يستطيع الجسم أن يهيئ نفسه على أفضل وجه لأنشطة اليوم التالي. وفي سورة الفرقان، الآية 47، نقرأ أيضًا: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا»، أي «وهو الذي جعل لكم الليل ساترًا، والنوم راحة، وجعل النهار وقتًا للانتشار (والنشاط)». هذه الآية تربط النوم بالليل صراحة والنشاط بالنهار. «نشور» تعني الانتشار والنهوض والاستعداد للنشاط. هذا النظام يظهر الحكمة البالغة لله في تنظيم دورة حياة البشر. جسم الإنسان يتناغم طبيعيًا مع دورة الليل والنهار؛ فالهرمونات، ودرجة حرارة الجسم، وغيرها من العمليات الفسيولوجية تُنظَّم بطريقة تضمن أقصى استفادة من النوم في الليل وأقصى كفاءة في النهار. النوم العميق والجيد في ظلام الليل ضروري لإعادة بناء الخلايا، وتقوية الجهاز المناعي، وتثبيت الذاكرة، وتحقيق التوازن النفسي والعقلي للإنسان. هذا التزامن مع الإيقاع اليومي، المعروف بإيقاع الساعة البيولوجية (Circadian Rhythm)، له أهمية قصوى في الصحة والعافية. من ناحية أخرى، جاء في سورة الروم، الآية 23: «وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ»، أي «ومن آياته نومكم بالليل والنهار، وسعيكم لطلب رزقه؛ إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون». هذه الآية تشير إلى النوم بالليل والنهار، مما يدل على أن النوم في النهار أيضًا جزء من آيات الله وليس مكروهًا في حد ذاته. ولكن كما يتضح من سياق الآيات الأخرى، عادة ما يُنظر إلى نوم النهار على أنه استراحة قصيرة ومكملة (مثل قيلولة منتصف النهار التي أوصت بها السيرة النبوية والتي أكدت فوائدها الطبية الآن) أو للذين يعملون بنوبات عمل معينة، وليس كبديل للنوم الليلي الأساسي. هذا النوع من النوم القصير يمكن أن يساعد على تجديد الطاقة وزيادة الإنتاجية خلال النهار دون الإخلال بدورة النوم واليقظة الرئيسية. إن إجابة القرآن على هذا السؤال تؤكد على النظام والتوازن. الليل مخصص للراحة والنهار للعمل. هذا التوازن يحافظ على صحة الجسم والعقل ويزيد من الإنتاجية. إذا أخل الإنسان بهذا النظام الطبيعي وظل مستيقظًا طوال الليل ونائمًا طوال النهار، فإن جسده سيعاني من اضطرابات وقد يصاب بأمراض مختلفة. يلعب ضوء النهار، خاصة ضوء الشمس الطبيعي، دورًا حيويًا في تنظيم الساعة البيولوجية للجسم (الإيقاع اليومي). التعرض للضوء خلال النهار وتجنبه في الليل يساعد على إنتاج الميلاتونين (هرمون النوم) في الوقت المناسب ويحسن جودة النوم. لذلك، من منظور القرآن، أفضل شكل من أشكال النوم هو الذي يتوافق مع الهدف الأساسي لليل وهو الراحة والسكينة، والهدف الأساسي للنهار وهو النشاط والسعي. وهذا لا يسهم بشكل كبير في الصحة البدنية فحسب، بل في الصحة العقلية والروحية أيضًا؛ لأن الإخلال بهذا النظام يمكن أن يؤدي إلى الإجهاد والقلق وتشتت التركيز. هذا النظام الإلهي، ليس مصممًا للإنسان فقط، بل للكون كله. فالقمر والشمس، وحركة الأرض والنجوم، كلها تتحرك في نظام دقيق وهادف. والإنسان، كجزء من هذا الكون، يمكنه أن يعيش بأفضل طريقة ممكنة باتباع هذا النظام الطبيعي. الإخلال بهذا النظام، مثل النوم طوال النهار والبقاء مستيقظًا طوال الليل، يمكن أن يكون له عواقب سلبية على الصحة الجسدية والنفسية. العديد من الأمراض الحديثة مثل اضطرابات النوم، والاكتئاب، ومشاكل القلب والأوعية الدموية، والسمنة، والسكري ترتبط بطريقة ما باضطراب إيقاع الساعة البيولوجية للجسم. ولذلك، فإن حكمة القرآن في التأكيد على استخدام الليل للراحة والنهار للنشاط هي دليل شامل لنمط حياة صحي ومنتج. وهذا ليس قيدًا، بل هو رحمة وعلامة من فضل الله الذي يمنح الإنسان الفرصة لتحقيق الصحة والسلام الحقيقيين من خلال التناغم مع الطبيعة، وفي الوقت نفسه، للقيام بواجباته الدنيوية على أفضل وجه ويكون شاكراً لنعم الله.
يُروى أن رجلاً حكيمًا سُئل: «متى يكون النوم أكثر فائدة؟» ابتسم الحكيم وقال: «النوم الأكثر فائدة هو الذي يأتي في وقته المناسب، تمامًا كما خلق الله الليل للسكينة والنهار للحركة. إذا قضيت الليل مستيقظًا حتى الفجر وأمضيت النهار في نوم غافل، فإنك لم تدرك سكون الليل ولا بركة النهار. لكل عمل وقت محدد، ولكل نعمة نصيب مقدر. فكما أن الشمس لا نور لها في الليل ولا للقمر بهاء في النهار، كذلك نوم الليل هو نوم السكينة، ونوم النهار، إن وُجد، فهو مجرد غفوة لتخفيف التعب.»