القرآن لا يذكر سرقة الأفكار صراحةً، ولكن بناءً على مبادئه العامة كتحريم أكل أموال الناس بالباطل، والعدل، والأمانة، واحترام حقوق الآخرين، تُعتبر سرقة الأفكار عملاً مرفوضًا وغير مشروع. إنها تُعد انتهاكًا للجهد الفكري والإبداعي للفرد، وهو ما يُدان في الإسلام.
يتضمن القرآن الكريم العديد من المبادئ الأخلاقية والقانونية التي، وإن كانت لا تتناول بشكل صريح مفهوم "سرقة الأفكار" أو "الملكية الفكرية" بتعاريفها الحديثة، إلا أنها توفر إطارًا شاملاً يمكن من خلاله استخلاص وجهة نظر إسلامية حول هذه القضية. لم يكن مفهوم سرقة الأفكار، كما نفهمه اليوم، موجودًا في عصر نزول القرآن. فقد ظهر هذا المفهوم بشكل كبير مع صعود المجتمعات الصناعية والمعرفية، مما أدى إلى ظهور حقوق براءات الاختراع وحقوق النشر وحقوق الملكية الفكرية. ومع ذلك، فإن تعاليم القرآن مبنية أساسًا على العدل، واحترام حقوق الآخرين، والأمانة، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل واغتصاب ممتلكاتهم وعملهم. هذه المبادئ التأسيسية تشكل بوضوح الأساس للحكم الشرعي فيما يتعلق بسرقة الأفكار. أحد أهم المبادئ القرآنية ذات الصلة بهذه القضية هو تحريم "أكل أموال الناس بالباطل". في عدة آيات من القرآن، ينهى الله المسلمين عن أخذ ممتلكات الآخرين بغير حق أو دون موافقتهم. ورغم أن الفكرة ليست ملكية مادية، إلا أنها نتاج فكر الفرد وإبداعه وجهده ووقته، ولها قيمة اقتصادية وعلمية واجتماعية. في النظام القانوني الإسلامي، يحظى عمل الإنسان وجهده بتقدير كبير، ونتائج ذلك العمل – سواء كانت مادية أو غير مادية – تعود إلى صاحبها. وبالتالي، فإن الاستيلاء غير المصرح به على فكرة شخص آخر واستغلالها دون إذنه أو دون تعويض مناسب يمكن اعتباره مثالاً واضحًا على "أكل أموال الناس بالباطل"، لأن الفكرة هي نتاج فكري بذل الفرد جهدًا للوصول إليها، وهي في جوهرها جزء من كسبه المشروع. علاوة على ذلك، يؤكد القرآن بشدة على احترام "الحقوق". فالحقوق في الإسلام تشمل الحقوق المادية والمعنوية. وحقوق التأليف، وحقوق براءات الاختراع، وحقوق الابتكار هي كلها أمثلة على الحقوق المعنوية التي يجب احترامها. يقوم الإسلام على مبادئ العدل والإنصاف، ويدين بشدة أي شكل من أشكال الظلم أو التعدي على حقوق الآخرين. وسرقة الأفكار هي شكل من أشكال الظلم والجور، لأن الفرد الذي بذل جهدًا لخلق فكرة ما يُحرم من ثمرة عمله، وهذا يعني تجاهل جهوده وإبداعه. كما أن مثل هذه الأفعال يمكن أن تلحق الضرر بالثقة داخل المجتمع وتقلل من دافعية الأفراد للابتكار والتقدم. من المفاهيم الأخرى ذات الصلة هي "الأمانة". ففي بعض الأحيان، تُشارك الأفكار على سبيل الأمانة الفكرية، على سبيل المثال، في سياق تعاون تجاري أو علمي أو في بيئات مهنية. وخيانة الأمانة، سواء كانت تتعلق بالممتلكات المادية أو المعلومات والأفكار غير المادية، منهي عنها بشدة في القرآن. فإذا نقل فرد فكرة بشكل سري أو بقصد التعاون إلى طرف آخر، وقام الطرف المقابل باستغلالها دون إذن، فإن هذا يشكل خيانة للأمانة. يأمر القرآن الكريم المؤمنين بإعادة الأمانات إلى أصحابها وأن يحكموا بالعدل عندما يتنازع الناس. وهذا المبدأ يدل بوضوح على ضرورة احترام حقوق الآخرين فيما يتعلق بأفكارهم وإبداعاتهم. فضلاً عن ذلك، يولي الإسلام أهمية كبيرة لتشجيع العلم والمعرفة والابتكار. فإذا لم يتم حماية حقوق الملكية الفكرية، وتمكن الأفراد من سرقة أفكار الآخرين بسهولة، فإن الدافع للبحث والتطوير وإنشاء أفكار جديدة سوف يختفي. وهذا سيؤدي إلى ركود علمي واقتصادي في المجتمع، وهو ما يتعارض مع الأهداف العليا للإسلام فيما يتعلق بالتقدم البشري والتميز. في الختام، على الرغم من أن مصطلح "سرقة الأفكار" لا يوجد مباشرة في القرآن، إلا أن المبادئ القرآنية الشاملة – بما في ذلك تحريم أخذ أموال الناس بالباطل، والتأكيد على العدل والإنصاف، وضرورة احترام حقوق الآخرين (المادية وغير المادية)، وأهمية الأمانة – كلها تشير إلى أن سرقة الأفكار تُعد عملاً غير مقبول وغير مشروع من منظور إسلامي. والفقه الإسلامي، باستناده إلى هذه المبادئ، يُقر بحقوق الملكية الفكرية ويعتبر أي انتهاك لها حرامًا ويستوجب المساءلة. ويضمن هذا النهج تشجيع الإبداع والابتكار في المجتمع الإسلامي، والحفاظ على حقوق الأفراد.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك حرفي ماهر في مدينة يصنع تصاميم فريدة لا مثيل لها. سرق تاجرٌ طماعٌ سرًا تصميمًا لأحد أفضل أعمال الحرفي، وبدأ في إنتاجه بنفسه، دون الحصول على إذن أو تقديم تعويض لصاحب التصميم الأصلي. بعد فترة، امتلأ السوق بمنتجات التاجر، وبقي الحرفي عاطلاً عن العمل وفي ضيق. ذات يوم، علم قاضي المدينة بالأمر، فاستدعى التاجر وقال له: «يا رجل، لكل إبداع وقيمة قدر وثمن، ومن يقطف ثمرة شجرة غيره دون إذن، فقد ارتكب ظلمًا. كيف لك أن تنسب ثمرة فكر وجهد غيرك لنفسك دون خجل؟» فشعر التاجر بالخجل وندم على أفعاله. ألزم القاضي التاجر بإعادة حقوق الحرفي وطلب السماح منه، مذكراً إياه بأن الكسب الحلال واحترام جهود الآخرين هو طريق السعادة، لا التقليد والسرقة.