لا إكراه في الدين، ولكن حضور الدروس التعليمية (حتى الدينية) قد يكون مبرراً بقوانين الثكنة العسكرية الإدارية. يمكن تحويل هذا الموقف إلى فرصة للتعلم والتدبر.
في الإجابة على سؤال ما إذا كانت المشاركة الإجبارية في دروس القرآن في الثكنة العسكرية صحيحة، يجب أن ننتبه إلى أحد المبادئ الأساسية والساطعة في دين الإسلام من منظور القرآن الكريم: مبدأ «لا إكراه في الدين». هذا المبدأ السامي مذكور صراحة في سورة البقرة، الآية 256، حيث يقول تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ» (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي). هذه الآية تشير بوضوح إلى أن الإيمان وقبول الدين يجب أن يكونا مبنيين على اختيار واعي، قناعة قلبية، وفهم عميق، لا على الإجبار والإكراه الخارجي. إن الله تعالى يريد الإيمان والعبودية أن تكون نابعة من الاختيار والمحبة الحقيقية، لأن الإيمان الذي يأتي بالإكراه لن يكون مستقراً ولن يحقق الآثار الروحية والتربوية المطلوبة. الإسلام دين يقوم على العقل، والتفكير، والاختيار، وحرية الإرادة، ولا يجيز أبداً فرض العقيدة. لذلك، من المنظور القرآني، فرض الإيمان والمعتقدات الدينية أمر خاطئ. ومع ذلك، فإن مسألة حضور صف تعليمي، حتى لو كان محتواه دينياً وتم فرضه في بيئة عسكرية، تتطلب دراسة أكثر دقة. في البيئة العسكرية، يعتبر التسلسل الهرمي وطاعة الأوامر القيادية ذات أهمية قصوى، وغالباً ما تعتبر المشاركة في البرامج التدريبية، سواء كانت قتالية أو ثقافية، جزءاً من المتطلبات واللوائح الداخلية للثكنة. من هذا المنظور، قد يُنظر إلى الحضور الجسدي في الصف على أنه أمر إداري يُلزم الجنود بتنفيذه، وليس كإجبار على القبول القلبي لمحتواه. المهم هنا هو التمييز بين «الإجبار على الحضور» و «الإجبار على القبول القلبي والإيماني». القرآن الكريم يرفض الإجبار على القبول القلبي، ولكن فيما يتعلق بالحضور في المجالس العلمية أو التعليمية، إذا لم يمنع ذلك من أداء الواجبات الشرعية وكان الهدف منه مجرد التعليم والتعرف، فإنه لا يمنع. في الواقع، يمكن أن تتحول هذه الظروف إلى فرصة. حتى لو شعرت بالإجبار في البداية، يمكنك بتغيير نظرتك، تحويل هذه الساعات إلى فرصة للتعرف أكثر على كلام الله، والتدبر في الآيات، وزيادة وعيك الديني. القرآن الكريم مليء بالحكم والمواعظ ودروس الحياة التي يمكن أن تلعب معرفتها دوراً هاماً في النمو الروحي والأخلاقي للفرد. يقول تعالى في سورة الزمر، الآية 18: «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ» (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب). هذه الآية تشير إلى أن الاستماع إلى الكلام، حتى في ظروف قد لا تكون اختيارية تماماً، يمكن أن يؤدي إلى الفهم واتباع الأفضل. ولذلك، حتى لو كان الحضور في الصف إجبارياً، يمكنك أن تستفيد من هذه الفرصة على أكمل وجه من خلال التركيز على المحتوى والتفكير في المعاني. قد لا تشعر بالراحة في البداية، ولكن بمرور الوقت، وبالتدبر في آيات القرآن، قد تتمكن من الوصول إلى سلام ورؤية أعمق تغير حياتك. وعلاوة على ذلك، توجيه سورة النحل، الآية 125 يأمر: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ» (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). تشير هذه الآية إلى أسلوب الدعوة والتعليم، وتؤكد على الأساليب الحكيمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بأفضل الطرق، وكل هذه تتناقض مع الإكراه والقوة. لذلك، يجب على المسؤولين عن تنظيم هذه الدروس أن يحرصوا على أن يكون تعليم القرآن مصحوباً باللطف، والحكمة، وخلق الاهتمام، لا بخلق شعور بالنفور والملل. الهدف من تعليم القرآن هو هداية الأفراد نحو النور والمعرفة، وهذا لا يتحقق إلا بتوفير بيئة مناسبة للتفكير والتدبر. في الختام، يمكن القول إنه بالرغم من أن الإكراه في الإيمان والعقيدة غير جائز في الإسلام، إلا أن الحضور في صف تعليمي تفرضه السلطات العسكرية يمكن أن يكون له مبررات إدارية وانضباطية. ومع ذلك، يمكن تحويل هذه الفرصة إلى تجربة إيجابية؛ تجربة لاكتساب المعرفة، والتدبر في كلام الله، وإيجاد السلام الداخلي. المهم هو أن تنظر أنت، كمتعلم، إلى هذه الدروس بنية حسنة وبقلب مستعد لقبول الحقائق الإلهية، وأن تستفيد من الفرصة المتاحة لنموك وسموك. الله تعالى يقبل النوايا والأعمال القلبية فقط، ولا يوجد إجبار على الإيمان الحقيقي. لذلك، حاول أن تنظر إلى هذه الدروس بقلب منفتح وعقل متقبل، وأن تجد فيها باباً لمعرفة أعمق بالله وكلامه النوراني. هذا يمكن أن يتحول إلى نعمة بدلاً من أن يكون عبئاً.
في يوم من الأيام، سأل رجل الشيخ سعدي: «يا شيخ، إذا أُكره شخص على حضور مجلس ليستمع إلى كلام الحق، فهل سيؤثر هذا الكلام في قلبه؟» أجاب الشيخ بابتسامة حانية: «يا أخي، كمثل بذرة يغرسها البستاني بالقوة في أرض جافة؛ ربما لا تتأصل في البداية. ولكن إذا كانت الأرض نفسها مهيأة للنمو وترويها أمطار الرحمة، فإن تلك البذرة ستنبت بمرور الوقت وتصبح شجرة مثمرة. العلم والحكمة كذلك؛ فعلى الرغم من أن بدايته قد تكون بالإكراه، إلا إذا كان القلب مستعداً للقبول واستفاد من نور المعرفة، فإن ذلك القيد الخارجي سيتحول إلى شوق داخلي، وينال المرء حظاً وافراً من تلاوة الآيات الإلهية وسماع كلام الحق. فكم من مرة يكون هذا الإكراه مفتاحاً لفتح باب من المعرفة لم يُلتفت إليه من قبل.»