القرآن الكريم لم يتناول الشيوعية بشكل مباشر، فقد نشأت هذه الفلسفة بعد قرون من نزول القرآن. ومع ذلك، تؤكد المبادئ الإسلامية على العدالة الاجتماعية، وحقوق الملكية المسؤولة، والتوحيد، والتي تتعارض مع بعض جوانب الشيوعية، لا سيما بعدها الإلحادي.
السؤال المطروح حول «صلاح الشيوعية» من منظور القرآن الكريم هو من المسائل التي تتطلب توضيحًا تاريخيًا ومفاهيميًا دقيقًا. يجب الإقرار بأن مصطلح «الشيوعية» كنظام فكري واقتصادي مدون ومحدد، هو نتاج العصر الحديث والقرن التاسع عشر الميلادي، وتعود جذوره إلى نظريات كارل ماركس وفريدريش إنجلز. بناءً على ذلك، في النصوص الوحيانية للقرآن الكريم، الذي نزل في القرن السابع الميلادي، لا توجد إشارة مباشرة وتحت هذا العنوان الخاص إلى «الشيوعية» أو تقييم لها. فالقرآن يتناول قضايا كانت ضرورية لزمن نزوله ولهداية البشرية إلى الأبد، ولا يتحدث عن تفاصيل إيديولوجيات ظهرت بعد قرون. لذا، لا يمكن توقع أن يُذكر في آيات القرآن صراحةً أن «الشيوعية جيدة» أو «الشيوعية سيئة». ومع ذلك، لا يعني هذا أن القرآن الكريم لا يقدم أي إطار فكري أو مبادئ توجيهية لتقييم الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بل على العكس تمامًا، القرآن غني بأسس عميقة وعالمية يمكن من خلالها قياس أي مدرسة فكرية أو نظام حكم. لفهم منهج الإسلام في القضايا التي تثيرها الشيوعية، يجب الرجوع إلى المبادئ الأساسية للقرآن في مجالات العدالة الاجتماعية، وحقوق الملكية، وتوزيع الثروة، ودور الروحانية في حياة الإنسان. من أبرز التعاليم القرآنية هو التأكيد على «العدل» و«القسط». يشدد القرآن مرارًا على ضرورة إقامة العدل في جميع جوانب الحياة الفردية والاجتماعية. في آيات عديدة، يأمر الله بالعدل وينهى بشدة عن الظلم والبغي. من منظور القرآن، يجب أن يُبنى المجتمع على أساس العدل، وأن يُمنع أي شكل من أشكال الاستغلال أو التمييز أو تكديس الثروات بطرق غير مشروعة. قد تتلاقى هذه النظرة القرآنية مع هدف الشيوعية في القضاء على الفوارق الاقتصادية الشديدة والسعي لإقامة عدالة اقتصادية على مستوى معين، لكن الطرق والأسس لكليهما مختلفة تمامًا. ينظر الإسلام إلى العدالة الاجتماعية بطريقة تحترم الكرامة الإنسانية والحقوق الفردية، حتى في مجال الملكية الخاصة. فيما يخص «الملكية»، يعترف القرآن الكريم بمفهوم «الملكية الخاصة». يتضح ذلك جليًا من خلال أحكام الميراث، والبيع، والإجارة، والمهر. يحق للبشر امتلاك الأموال والممتلكات من خلال العمل والجهد المشروع. لكن هذه الملكية ليست أبدًا مطلقة أو غير مشروطة. يؤكد القرآن أن الملكية هي أمانة إلهية، وأن صاحب المال يتحمل مسؤوليات اجتماعية تجاهها. من هذه المسؤوليات دفع «الزكاة»، و«الصدقات»، و«الخمس»، والإنفاق في سبيل الله. الهدف من هذه الأحكام هو منع تركز الثروة في أيدي فئة قليلة ومساعدة الفقراء والمحتاجين في المجتمع. تختلف هذه النظرة اختلافًا جوهريًا عن الأيديولوجية الشيوعية التي تشدد على «إلغاء الملكية الخاصة» و«الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج». فبدلاً من إلغاء الملكية، يقوم الإسلام بتعديلها وتوجيهها لكي لا تتحول إلى أداة للفساد والظلم. يقول القرآن في سورة الحشر الآية 7: "كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ"، وهذه الآية تظهر بوضوح هدف القرآن في توزيع الثروة العادل، لا إلغاء الملكية بالكامل. إحدى أهم نقاط الافتراق الأساسية بين التعاليم القرآنية والأيديولوجية الشيوعية تكمن في «الأسس الفكرية والنظرة الكونية». يشدد القرآن الكريم على «التوحيد» ووحدانية الله خالق الكون ومدبره. جميع الأحكام والتعاليم الإسلامية تقوم على الإيمان بالله، والنبوة، والمعاد. حياة الإنسان في نظر القرآن لها هدف ومعنى سامٍ يتجاوز المصالح المادية البحتة. في المقابل، تُبنى الشيوعية الكلاسيكية على «المادية التاريخية» و«الإلحاد»، وتعتبر الدين «أفيون الشعوب». هذا التناقض الجوهري في النظرة الكونية يحول دون تقييم الشيوعية بأنها «جيدة» من منظور القرآن، لأن أي نظام يبني أساسه على نفي الله والروحانية يتعارض مع جوهر تعاليم القرآن. كما يؤكد القرآن على «الأخلاق» و«الروحانية» كركيزتين أساسيتين لسعادة الفرد والمجتمع. قيم مثل الصدق، الأمانة، الصبر، الإيثار، والإحسان إلى الوالدين والناس، هي مبادئ إسلامية ثابتة. بينما قد تهتم الشيوعية، في تحليلاتها المادية البحتة، بهذه الأبعاد بشكل أقل أو تعتبرها تابعة للهياكل الاقتصادية. في الختام، يمكن القول إن القرآن الكريم لم يؤيد الشيوعية ولم يرفضها بشكل مباشر، لأن هذه الأيديولوجية لم تكن موجودة وقت نزول القرآن. ولكن من خلال دراسة المبادئ الأساسية للإسلام الواردة في القرآن، يمكننا أن ندرك أن الشيوعية، بسبب طبيعتها الإلحادية ونفيها للملكية الخاصة بشكل مطلق، تتعارض تعارضًا جديًا مع الأسس الجوهرية للرؤية الإسلامية وأحكامها. ومن ناحية أخرى، على الرغم من أن القرآن يؤكد بشدة على العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والاستغلال، والتي قد تبدو في الوهلة الأولى متوافقة مع بعض أهداف الشيوعية، إلا أن الحلول والأسس الفكرية والغايات النهائية لكلا المذهبين مختلفة تمامًا. يرى الإسلام طريق الخلاص في الإيمان بالله، والعمل الصالح، ومراعاة الحقوق الفردية والاجتماعية، وتقوى الله، بينما تسعى الشيوعية إلى الخلاص في تحقيق مجتمع مادي بحت ولا طبقي من خلال الثورة ونفي الدين. لذلك، من منظور القرآن، لا يمكن اعتبار نظام أساسه نفي وجود الخالق والغاية النهائية للإنسان نظامًا «جيدًا» ومطلوبًا، حتى لو وُجد بعض التقارب في أهداف جزئية مثل مكافحة الفقر.
يُروى أن ملكًا عادلاً طيب السيرة حكم مملكة واسعة. وفي أحد الأيام، تنكر بزي درويش وخرج من المدينة ليتفقد أحوال رعيته بنفسه. التقى بشيخ كبير السن كان يحرث الأرض ويزرعها بهمّة رغم تقدمه في العمر. سأله الملك: «يا شيخ، مع كل هذا الكد والتعب، أي فائدة تجنيها من هذه الدنيا؟» أجاب الشيخ بابتسامة: «يا شاب، أنا أجهد لكي يجد الآخرون الراحة، وأنا نفسي أحصد بعض الثمار من عملي. الدنيا مزرعة تحصد فيها ما تزرع. ولكن الملك الحقيقي هو من يجلب العدل والراحة ليس لنفسه فحسب، بل لشعبه كله، ويدرك أن الثروة الحقيقية تكمن في خدمة الناس، لا في تكديس الأموال.» استوعب الملك الدرس الحكيم من هذه الكلمات. ومنذ ذلك الحين، ازداد اهتمامه برفاهية شعبه وعدالتهم، وأدرك أن ملكه ينبع من رضا الناس وعدله، وليس من مجرد القوة والثروة. لقد فهم أن كل ما يُكتسب في الدنيا يجب أن يُستخدم بمسؤولية وللصالح العام، وإلا فلا قيمة حقيقية له.