هل تقبل التوبة التي مصدرها الخوف من جهنم؟

نعم، التوبة بدافع الخوف من جهنم مقبولة إذا أدت إلى ندم حقيقي وعزيمة على ترك الذنب. يمكن أن يكون هذا الخوف دافعًا مشروعًا وبناءً للعودة إلى الله.

إجابة القرآن

هل تقبل التوبة التي مصدرها الخوف من جهنم؟

في المنهج الشامل والمتوازن للإسلام، تُعد التوبة، بمعنى الرجوع الصادق إلى الله بعد ارتكاب الذنب، من أهم المفاهيم الروحية والأخلاقية. وقد أكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أهمية التوبة وسعة الرحمة الإلهية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل التوبة التي تنبع من الخوف من العقاب الإلهي وعذاب جهنم مقبولة عند الله؟ الجواب على هذا السؤال، استنادًا إلى آيات القرآن والمبادئ الإسلامية، هو نعم؛ بشرط أن يؤدي هذا الخوف إلى ندم حقيقي وعزيمة على ترك الذنب وتصحيح ما فسد. إن الخوف من جهنم في حد ذاته عامل تحفيزي قوي ومشروع في الدين الإسلامي. فالقرآن الكريم وصف جهنم وعذاباتها في آيات عديدة بهدف ردع الناس عن ارتكاب الذنوب وتوجيههم نحو الطاعة والعبودية لله. هذه الأوصاف ليست لمجرد التخويف، بل لإيقاظ الوعي والتحذير من العواقب الوخيمة للأعمال السيئة. عندما يخاف الإنسان من نار جهنم وعقوباتها، يمكن أن يكون هذا الخوف نقطة بداية لإعادة تقييم أفعاله وتغيير مسار حياته. وهذا الخوف، بحد ذاته، علامة على حيوية الفطرة الإلهية في الإنسان التي تدفعه نحو النجاة. فإذا أدى هذا الخوف إلى ندم قلبي على الذنوب الماضية، وعزم جاد على ترك ذلك الذنب في المستقبل، وسعي حثيث لتعويض الأخطاء التي يمكن تعويضها، فإن هذه التوبة تكون صادقة ومقبولة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» (الأعراف، الآية 56). هذه الآية تبين بوضوح أن الدعاء إلى الله يجب أن يكون مصحوبًا بالخوف من عقابه والأمل في رحمته. وعليه، فإن الخوف من جهنم ليس مذمومًا، بل يمكن أن يكون جزءًا أساسيًا من الدوافع الروحية للمؤمن. التوبة الصحيحة والكاملة لها أركان وشروط، والالتزام بها يجعلها مقبولة. هذه الشروط تشمل: الندم القلبي على الذنب الذي ارتكب؛ الترك الفوري للذنب وقطع العلاقة به؛ العزم الجاد والقاطع على عدم العودة إلى ذلك الذنب في المستقبل؛ وإذا كان هناك حق للآخرين (كظلمهم أو انتهاك حقوقهم)، فيجب تعويضهم وطلب المسامحة منهم. والتوبة التي تبدأ من الخوف من جهنم، إذا استطاعت أن تحقق كل هذه الشروط وتؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك الفرد ونيته، فهي بالتأكيد مقبولة عند الله الرحمن الرحيم. لأن الله عليم بالنيات ويعلم ما يدور في قلب عبده. يقول تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» (النساء، الآية 17). هذه الآية تدل على أن الله يقبل توبة الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، دون أن يشترط الدافع الأولي كشرط أساسي، بل يركز على توقيت التوبة ونتائجها. من جهة أخرى، من المهم ألا تكون التوبة مبنية على الخوف وحده، بل يجب أن ترتبط أيضًا بالأمل والحب الإلهي. ففي التعاليم الإسلامية، أفضل حالات العبودية هي الجمع بين الخوف من الله والرجاء في رحمته. فالخوف من العقاب يمنع الإنسان من الذنب، والأمل في المغفرة يدفعه نحو الرحمة الإلهية ويجنبه اليأس. فالتوبة التي تكون بدافع الخوف فقط، دون أن يرافقها ذرة أمل أو معرفة بسعة الرحمة الإلهية، قد تؤدي إلى اليأس والقنوط من رحمة الله، وهو ذنب عظيم بحد ذاته. ولكن إذا أصبح الخوف من جهنم جسرًا للوصول إلى الأمل وفهم عظمة المغفرة الإلهية، فإن هذه التوبة تكون ذات قيمة عظيمة. ويؤكد الله تعالى في القرآن الكريم أنه لا ينبغي لأحد أن يقنط من رحمته: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (الزمر، الآية 53). هذه الآية هي دعوة شاملة للتوبة، بغض النظر عن مدى الذنوب أو الدوافع الأولية. الله يعلم أن الإنسان مخلوق يخطئ ويحتاج إلى التوبة والعودة. لذلك، فتح أبواب رحمته ومغفرته أمام جميع التائبين، سواء كان دافعهم الخوف من العذاب، أو الأمل في الثواب، أو حب الذات الإلهية المقدسة. ما دامت التوبة حقيقية ومصحوبة بتغيير داخلي، فإنها مقبولة، وينال العبد رحمة ربه. فالتوبة التي مصدرها الخوف من جهنم يمكن أن تكون بداية مباركة تتطور بمرور الوقت، مع معرفة أعمق بالله وفهم لطفه وكرمه، إلى توبة مبنية على الحب والشكر، وهذا هو أوج كمال التوبة. وبناءً عليه، فإن التوبة التي تبدأ بدافع الخوف من جهنم ليست مقبولة فحسب، بل يمكن أن تكون مقدمة لتحول روحي أعمق وأكثر ديمومة في حياة الإنسان. وهذا الخوف، بشرط أن يؤدي إلى ندم حقيقي وعزم على الإصلاح وترك الذنب، وأن يكون مصحوبًا بالأمل في رحمة الله الواسعة، سيكون خطوة ثابتة في طريق العودة إلى الله تعالى.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك رجل ثري وقوي، ظلم الناس بجهل وغطرسة. ولكن ذات يوم، أصيب بمرض شديد، واعتراه الخوف من الموت. في تلك الحالة، تذكر القصص التي سمعها عن عذاب الآخرة وجهنم. فاستولى عليه خوف عظيم، وتساءل كيف يمكنه النجاة من هذه العذابات؟ بدموع وتضرعات، بدأ يتوب، ونذر أنه إذا شفي من مرضه، فسوف يتصدق بكل ثروته في سبيل الله ويكف عن ظلمه. فشفاه الله. ومن شدة خوفه من العذاب، لم يكتفِ الرجل بالوفاء بنذره، بل اجتهد في أعمال الخير والإحسان حتى اشتهر اسمه بالصلاح في المدينة. رأى الناس كيف أن الخوف من العقاب قاده من ظلام الذنب إلى نور التوبة والعمل الصالح، وأن قلبًا كان قد تحجر، صار لينًا ومشرقًا بماء التوبة. وهكذا، أوصله الخوف من العقاب إلى باب الرحمة الإلهية وغير مسار حياته نحو النجاة.

الأسئلة ذات الصلة