نعم، الشعور بالإرهاق الروحي في طريق العبادة والجهاد في سبيل الله طبيعي وجزء من الابتلاءات الإلهية لنمو الإيمان. يؤكد القرآن على الصبر والثبات وذكر الله والاستعانة بالصلاة للتغلب على هذه التحديات.
في المسيرة المليئة بالصعود والهبوط للحياة الروحية والعبودية لله، قد يصاب الإنسان أحيانًا بشعور بالإرهاق الروحي أو اليأس أو الخمول. هذه الحالة، المعروفة باسم «الإرهاق الروحي» أو «الفتور في الإيمان»، هي ظاهرة إنسانية بحتة وطبيعية من جوانب كثيرة، ولا تدل بالضرورة على ضعف الإيمان، بل يمكن أن تكون جزءًا من مراحل النمو والابتلاء الإلهي. لقد أشار القرآن الكريم في آيات عديدة إلى جوانب مختلفة من الحياة الإنسانية، بما في ذلك التقلبات الروحية وتحديات مسار العبودية. يعلمنا هذا الكتاب الإلهي أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأن كل مؤمن سيواجه حتماً في هذا الطريق صعوبات وتحديات، وأحياناً يأساً. هذه التحديات يمكن أن تكون جسدية أو فكرية أو، كما يطرح السؤال، روحية. يقول الله تعالى صراحة في القرآن الكريم أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها (سورة البقرة، آية 286). هذه الآية تطمئننا بأن كل تعب وضغط نختبره هو في حدود طاقتنا، وأن الأدوات اللازمة للتغلب عليه قد وفرت لنا أيضًا. هذه الأدوات تشمل بالدرجة الأولى الصبر والصلاة والذكر والتوكل على الله. يمكن أن ينجم الإرهاق الروحي عن عوامل مختلفة: بما في ذلك ضغوط ومشاكل الحياة الدنيا التي تُغفل الإنسان عن ذكر الله، وتوالي الذنوب الصغيرة التي تكدر الروح، وعدم رؤية نتائج سريعة للأعمال الصالحة، ومقارنة النفس بالآخرين، أو حتى الرتابة في أداء العبادات وعدم اكتشاف لذة أعمق فيها. في مثل هذه الظروف، يقدم القرآن حلولاً متعددة لاستعادة الحيوية الروحية وتقوية الإيمان. من أهم هذه الحلول هو اللجوء إلى الصبر والصلاة. في سورة البقرة، آية 153، نقرأ: «يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين». الصبر يعني الثبات والصمود في مواجهة المشاكل وعدم التسرع في رؤية النتائج، والصلاة كعماد الدين ومعراج المؤمن، هي مكان للحوار مع الله وتفريغ الأعباء الروحية الثقيلة. الصلاة فرصة لتجديد العهد مع الخالق وتذكير بالهدف الأساسي للحياة. عندما يغلبنا الإرهاق الروحي، فإن هذا هو الوقت الذي نحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى الاتصال القلبي بالله. ويؤكد القرآن أيضًا أن مع العسر يسرًا (سورة الشرح، آيات 5-6). هذا الوعد الإلهي يطمئن القلوب المتعبة ويذكرنا بأن هذه الحالة مؤقتة، وأن بعد كل فترة من الصعوبة يأتي الفرج. هذه الدورة من الشدة واليسر هي جزء من الحكمة الإلهية في تربية الإنسان، ليصقل إيمانه وينمو. ذكر الله أيضًا من العوامل الرئيسية في إزالة الإرهاق الروحي وراحة القلب. في سورة الرعد، آية 28، جاء: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب». الذكر، لا يعني فقط تكرار الكلمات، بل يعني حضور الله الدائم في القلب والعقل وفي الحياة. عندما يغرق الإنسان في مشاغل الحياة اليومية وينسى ذكر الله، يشعر روحه بفراغ وتعب. العودة إلى الذكر والانتباه إلى الله يحرر القلب من القلق واليأس ويمنحه السكينة. تجديد الوضوء، تلاوة القرآن بتدبر، الدعاء والمناجاة، المشاركة في المجالس الدينية، ومجالسة أهل التقوى، كلها أدوات يقدمها لنا القرآن والسنة لتقوية الروح وإزالة الإرهاق الروحي. من منظور آخر، ينجم الإرهاق الروحي أحيانًا عن عدم الفهم الصحيح لطبيعة الجهاد في سبيل الله والثبات. يدعو القرآن المؤمنين إلى الجهاد (الجهد والنضال) في سبيل الله. يشمل هذا الجهاد جهاد النفس، وجهاد الشيطان، والجهاد في المجالات الاجتماعية والاقتصادية. كل جهاد يتطلب جهدًا وصعوبة، ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالتعب في هذا الطريق. ولكن الأهم هو ألا يمنعه هذا التعب عن المسار، بل يصبح دافعًا للجوء أكثر إلى الله وطلب العون منه. وقد واجه الأنبياء وأولياء الله أيضًا في طريق الدعوة والعبودية الكثير من الصعوبات والإرهاق الروحي والجسدي، لكنهم لم ييأسوا قط وواصلوا طريقهم بالتوكل على الله. قصة أيوب عليه السلام الذي اجتاز الابتلاءات الشديدة بصبر لا نظير له، أو ثبات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في مواجهة أذى وضغوط الكفار، هي أمثلة واضحة على هذه الحقيقة. تعلمنا هذه النماذج أن الإرهاق الروحي يمكن أن يكون فرصة لاختبار إرادتنا وعمق إيماننا، ويدفعنا نحو نمو أعمق. لذلك، نعم، الشعور بالإرهاق الروحي في سبيل الله وفي طريق العبودية هو أمر طبيعي، ولكنه محطة مؤقتة وليست الوجهة النهائية. يمكن أن يكون هذا الشعور بمثابة جرس إنذار لإعادة تقييم العلاقة مع الله، وزيادة الذكر والدعاء، وتجديد القوة بالاستفادة من التعاليم القرآنية. بفهم هذه الحقيقة أن الله لا يحملنا فوق طاقتنا وأن مع العسر يسرًا، يمكننا التغلب على هذه التحديات بالاستعانة بالصبر والصلاة والذكر الإلهي، ومواصلة الطريق إلى الله بروح متجددة وإيمان أقوى. هذه التحديات هي بحد ذاتها جزء من عملية التطور الروحي التي تقرب الإنسان من الذات الإلهية وتعلمه أنه بالاعتماد عليه وحده يمكن التغلب على جميع الصعوبات.
في أحد الأيام، كان درويش عجوز يسير في صحراء حارة وحارقة. كانت الشمس الحارقة تسلط أشعتها بلا رحمة، وقد غلب العطش الروح والجسد. أصبحت خطواته ثقيلة، وشعور بالتعب الروحي والجسدي قد استنزف قواه. قال لنفسه: «لا أستطيع الاستمرار! ربما هذا الطريق لا نهاية له، ولن يصل المقصد أبدًا.» في تلك اللحظات من اليأس، وقعت عيناه على شجيرة يابسة كانت جذورها، رغم الجفاف، قد وصلت بالكاد إلى قليل من الماء. فكر في نفسه: «إذا كانت هذه الشجيرة تستمر في الحياة في هذه الظروف الصعبة، فكيف لي أنا، الذي أملك روحًا وعقلاً وديعة، أن أيأس من رحمة الرب؟» ثم تذكر كلام الحق الذي يقول: «استعينوا بالصبر والصلاة.» سجد وطلب العون من ربه بكل كيانه. دمعة انسكبت من عينيه، كأنها وهبت له حياة جديدة. قام، وأصبح أخف من ذي قبل، وواصل طريقه، ومع كل خطوة كان أمله يزداد حتى وصل أخيرًا إلى نبع ماء صافٍ. أدرك أن التعب أيضًا اختبار، لتقوية رابط القلب بالمعبود، وأن كل شدة قابلة للزوال إذا سلم القلب إليه.