يقر القرآن بأن الإرهاق الروحي طبيعي كجزء من اختبارات الحياة والطبيعة البشرية، ويوجه للتعامل معه بذكر الله والصبر والتوكل عليه للوصول إلى الطمأنينة.
في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، على الرغم من أن مصطلح «الإرهاق الروحي» تحديداً لم يُستخدم، إلا أنه يتناول بوضوح حالات مشابهة يمكن أن تؤدي إلى هذا الشعور، ويقدم تفسيرات شاملة لطبيعة الإنسان وتحديات الحياة وطرق التعامل معها. ينظر القرآن إلى الوجود البشري كمزيج من الروح والجسد، وكلاهما يتعرض للاختبارات وتقلبات الحياة. لذلك، من منظور قرآني، فإن تجربة الحالات الروحية التي نطلق عليها اليوم «الإرهاق الروحي» ليست غير طبيعية فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من رحلة النمو الإيماني والإنساني. يؤكد القرآن مراراً وتكراراً أن الحياة الدنيا مليئة بالاختبارات والمصاعب. هذه الاختبارات ليست فقط لقياس إيمان الناس وصبرهم، بل هي أيضاً لتنقية أرواحهم وتقويتها. في سورة البقرة، الآية 155، يقول الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»؛ هذه الآية توضح بجلاء أن البشر سيواجهون في هذه الدنيا الخوف والجوع ونقصاً في الأموال والأنفس والثمرات. ومن الطبيعي أن يؤدي مواجهة مثل هذه المصائب إلى التعب واليأس والفتور الروحي. هذه الحالة ليست علامة على ضعف الإيمان المطلق، بل هي مؤشر على الضغط والعبء الثقيل الذي تتحمله الروح والنفس البشرية. كذلك، يشير القرآن إلى الطبيعة البشرية القلقة والمتسرعة. في سورة المعارج، الآيات 19 إلى 21، نقرأ: «إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا»؛ هذه الصفات البشرية المتأصلة – الهلع والجزع عند مس الشر والمنع عند مس الخير – يمكن أن تكون سبباً لظهور الإرهاق الروحي، لأن عدم تحقيق الرغبات أو مواجهة المشاكل يؤدي إلى الجزع، وبالتالي الإرهاق النفسي. لكن القرآن لا يكتفي بتصوير هذه الحالات، بل يقدم أيضاً حلولاً وعلاجات لهذا الإرهاق والقلق. أحد أهم هذه الحلول هو «ذكر الله». في سورة الرعد، الآية 28، يقول تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»؛ هذه الآية تقدم وصفة شافية للإرهاق والقلق الروحي. إن ذكر الله، سواء من خلال الصلاة، تلاوة القرآن، الدعاء، أو حتى التأمل في عظمة خلقه، يمكن أن يعيد الطمأنينة إلى القلوب المتعبة. هذه الطمأنينة لا تنبع من نكران المشاكل، بل من قبولها في ظل التوكل على قوة لا متناهية. بالإضافة إلى الذكر، يؤكد القرآن بشكل خاص على مفهوم «الصبر». الصبر في القرآن ليس مجرد تحمل سلبي، بل هو ثبات ومثابرة نشطة في مواجهة الصعوبات. يشمل الصبر التحمل في أداء الطاعات، والمقاومة ضد الذنوب، والصبر على المصائب. فمن يتحلى بالصبر، يقوي قوته الروحية ولا يسمح للصعاب بأن تهزمه. هذا المنظور للصبر يحول الإرهاق الروحي إلى فرصة للتقوية الداخلية. علاوة على ذلك، يطمئننا القرآن بأن بعد كل عسر يسراً. في سورة الشرح، الآيتان 5 و 6، تتكرر مرتين: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»؛ هذا الوعد الإلهي يمنح الإنسان الأمل ويمنعه من الوقوع في فخ اليأس والإرهاق الروحي المفرط. تعمل هذه الآيات كمنارة أمل في ظلام الإرهاق الروحي وتذكرنا بأن لا حالة تدوم، وأن بعد كل ضيق هناك فرج. في الختام، يقر القرآن الكريم بأن الإرهاق الروحي جزء طبيعي من التجربة الإنسانية في هذه الدنيا. وعادة ما ينجم هذا الإرهاق عن ضغط الاختبارات، والضعف البشري المتأصل، ومواجهة الشدائد. ولكن في الوقت نفسه، يقدم القرآن طرقاً لإدارة هذا الإرهاق والتغلب عليه: اللجوء إلى ذكر الله، والاستعانة بالصبر والصلاة، والتوكل عليه. تساعد هذه الإرشادات الإنسان على تجاوز هذا الإرهاق، بل واستخدامه كدرجات للنمو الروحي والوصول إلى الطمأنينة واليقين القلبي. وهكذا، يمكن أن يكون الشعور بالإرهاق الروحي جرس إنذار للعودة وتجديد القوى الإيمانية والروحية، وليس سبباً للإحباط واليأس.
يُحكى أن رجلاً صالحاً قضى سنوات يتجول في الصحراء، يمارس الزهد. ذات يوم، أرهقته المصاعب والوحدة، فضاقت نفسه وقال لنفسه: «إلى متى أتحمل هذه المعاناة؟ روحي متعبة وقوتي قد فنيت.» في تلك اللحظة، رأى عصفوراً بمنقار مكسور، يلتقط الحبوب ويحملها بصعوبة إلى عشه. أدرك الرجل الصالح، وهو يراقب العصفور الصبور، أن عليه أن يتعلم منه وفكر: «إذا كان هذا الطائر الصغير، على الرغم من ضعفه الشديد، لا يتوقف عن السعي ويأمل في فضل ربه، فلماذا أتعب أنا؟» على الفور، اطمأن قلبه، وفهم أن التعب أيضاً هو امتحان من المحبوب، وأن بالصبر والتوكل يأتي الفرج. وبعد ذلك، واصل طريقه بروح متجددة وتذوق طعم الطمأنينة الحقيقية.