الشعور بالفراغ غالبًا ما يكون علامة على فراغ روحي وابتعاد عن ذكر الله. السكينة الحقيقية للقلوب لا تتحقق إلا بذكر الله والاتصال به.
الشعور بالفراغ وانعدام المعنى هو تجربة إنسانية عميقة يواجهها الكثيرون خلال حياتهم. يمكن أن يتجلى هذا الشعور بأشكال مختلفة؛ من الإحساس بالضياع وغياب الهدف إلى نوع من الفراغ الداخلي الذي لا تستطيع أي نجاحات مادية أو متع دنيوية أن تملأه. من منظور القرآن الكريم، يمكن أن يكون هذا الشعور بالفراغ علامة قوية وتحذيرًا من الروح والفطرة البشرية، يشير إلى الابتعاد عن المسار والهدف الأساسي للخلق، ألا وهو الارتباط بخالق الوجود والالتزام بالتعاليم الإلهية. القرآن لا يذكر صراحة أن 'الشعور بالفراغ' مرادف تمامًا 'للضلال'، ولكنه يوضح بجلاء العلاقة بين سكينة القلب وذكر الله، ومن ناحية أخرى، يعتبر ضيق العيش وصعوبته نتيجة الإعراض عن ذكره. قلب الإنسان، بناءً على التعاليم القرآنية، هو وعاء لا يجد السكينة والطمأنينة الحقيقية إلا بذكر الله تعالى. في سورة الرعد، الآية 28، نقرأ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). هذه الآية توضح بجلاء أن المصدر الأساسي للسكينة والطمأنينة الداخلية هو ذكر الله. لذلك، عندما يشعر الفرد بالفراغ، يمكن اعتبار ذلك علامة على نقص أو غفلة عن هذا المصدر الحيوي. هذا الشعور ليس بالضرورة عقوبة، بل هو أشبه بجرس إنذار داخلي يدعو الإنسان إلى إعادة تقييم أولوياته والعودة إلى المصدر الأصلي للسلام. ويحذر القرآن أيضًا من عواقب الإعراض عن ذكر الله. في سورة طه، الآية 124، جاء: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى). يمكن تفسير 'المعيشة الضنك' على أنها حياة مصحوبة بالضيق والقلق والاضطراب، وهذا الإحساس بالفراغ وعدم الرضا الداخلي، حتى لو كان الفرد مرفهًا ماديًا. هذا يدل على أن السعادة والراحة الحقيقية لا تكمن في جمع المال والجاه، بل في الاتصال الروحي بخالق الوجود. والشعور بالفراغ في هذا الإطار، يمكن أن يكون انعكاسًا لتلك 'المعيشة الضنك' التي هي نتيجة طبيعية للابتعاد عن المحور الأساسي للحياة، وهو ذكر الله وعبادته. إن فطرة الإنسان مبنية على التوحيد ومعرفة الله. فالقرآن يحدد الغرض من خلق الجن والإنس بأنه فقط عبادة الله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (سورة الذاريات، الآية 56). عندما يبتعد الإنسان عن هذا الهدف الأساسي، تصبح حياته خالية من المعنى الحقيقي. فكما يحتاج الجسد إلى الغذاء، تحتاج الروح أيضًا إلى التغذية الروحية. يؤدي إهمال الاحتياجات الروحية والمعنوية إلى سوء تغذية روحية، وبالتالي الشعور بالفراغ. هذا الشعور أشبه بألم الجوع للروح، ينبئ بنقص شيء حيوي. علاوة على ذلك، يصف القرآن في سورة الأنعام، الآية 125، حالة قلوب الذين يعرضون عن الهداية: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون). إن ضيق الصدر يمكن أن يكون استعارة لنفس الضيق والضجر الروحي والشعور بالفراغ الذي يتناقض مع اتساع الصدر والسلام الناجم عن الإيمان والخضوع لله. لذلك، يمكن اعتبار الشعور بالفراغ علامة، وجرس تنبيه، ودعوة إلهية للعودة إلى الذات الحقيقية والاتصال مجددًا بمصدر الوجود. يتيح هذا الشعور للإنسان فرصة للتأمل في مسار حياته، والبحث عن معنى أعمق، وملء هذا الفراغ الداخلي بتقوية علاقته بالله من خلال الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن والتفكر في الآيات الإلهية وخدمة الخلق. يمكن أن يتحول هذا الفراغ، بدلاً من كونه عائقًا، إلى محفز للنمو الروحي والعثور على المسار الإلهي، وهو مسار مليء بالسكينة والهدف والرضا الداخلي. في الختام، يرى القرآن الكريم أن علاج هذا الفراغ يكمن في العودة إلى الفطرة التوحيدية، والإيمان بالغيب، والعمل الصالح، وكلها تؤدي إلى حياة ذات معنى مليئة بالرضا الإلهي.
في گلستان سعدي، يُروى أن ملكًا ثريًا وعظيمًا، على الرغم من امتلاكه كل شيء، كان يشعر دائمًا بقلق وفراغ في قلبه. كان النوم يهرب من عينيه ليلاً، وفي النهار لم يكن يجد أي متعة في ملكه وخدمه وحاشيته. معانيًا من هذه الحالة، ذهب يومًا إلى درويش زاهد ومنعزل كان يعيش في خلوة، ورغم ذلك كان يتمتع بوجه هادئ وقلب سعيد. سأل الملك: 'يا شيخ الحكيم، أنا الذي أمتلك كل هذا الثراء والقوة، لماذا لا أجد السلام أبدًا، ولماذا قلبي فارغ دائمًا؟ أما أنت الذي لا تملك شيئًا، من أين وجدت كل هذا الفرح والسكينة؟' ابتسم الدرويش وقال: 'أيها الملك، لقد أودعت قلبك لأشياء فانية ولن تدوم أبدًا. قلبك كوعاء تحاول ملأه بماء البحر، في حين أن البحر نفسه لا حدود له، وكلما أخذت منه أكثر، رأيت فراغًا أكبر. أما أنا فقد أودعت قلبي لخالق البحر، الذي لا يفنى أبدًا ووجوده لا ينقص. قلب الإنسان لا يمتلئ إلا بالاتصال به. فراغ قلبك، علامة على أن نظرك موجه إلى سجادة البيت، بدلاً من صاحب البيت.' فهم الملك من هذا القول أن السلام الحقيقي يكمن في الاتصال بالمصدر اللانهائي، وليس في جمع ممتلكات الدنيا المحدودة. بعد ذلك، زاد اهتمامه بذكر الله، وامتلأت حياته بالسلام والمعنى.