نعم، الحاجة المفرطة لتأييد الآخرين قد تكون علامة على ضعف الإيمان، لأنها تتنافى مع التوكل الخالص على الله والإخلاص في النية. فالمؤمن الحقيقي يطلب رضى الله وحده ولا يبالي بلوم الناس.
هل الحاجة إلى تأييد الآخرين علامة على ضعف الإيمان؟ هذا السؤال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجوهر الإيمان وعلاقة الإنسان بربه في الإسلام. للوهلة الأولى، قد يبدو طبيعيًا أن يرغب الإنسان في القبول والتأييد من مجتمعه ومن حوله. ففي النهاية، الإنسان كائن اجتماعي، والميل إلى الانتماء والقبول متأصل في طبيعته. لكن الإسلام، من خلال تأكيده على التوحيد والإخلاص، يرسم خطًا واضحًا بين الرغبة الطبيعية في التواصل الاجتماعي والاعتماد المفرط على تأييد الآخرين. الإجابة المختصرة هي نعم، في كثير من الحالات، يمكن أن تكون الحاجة المفرطة لتأييد الآخرين، وتكييف الأفعال والمعتقدات بناءً على هذا التأييد، علامة على ضعف الإيمان. هذا الضعف لا يعني الكفر، بل يعني نقصًا في كمال التوكل والإخلاص والثقة القلبية بالله. يؤكد القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على حقيقة أن المؤمن الحقيقي هو الذي يؤدي أعماله بإخلاص تام لوجه الله ورضاه، لا لجذب مدح الناس أو دفع ذمهم. المحور الأساسي للإيمان هو التوحيد؛ أي ليس فقط في العبادة، بل في النية وتحديد الأهداف في الحياة أيضًا، يجب أن يكون الله هو الشريك الوحيد. عندما يصبح تأييد الآخرين هو الشاغل الرئيسي، فإن هذا التوحيد العملي يُمس. فبدلاً من أن يخاف الإنسان "من الله وحده" ويرجو "الله وحده"، يصبح يخاف من الناس ويرجو ثناءهم. هذا هو بالضبط ما يمكن أن يخرج مسار الإيمان عن نقائه. أحد المفاهيم الأساسية في هذا الصدد هو "الإخلاص". الإخلاص يعني تطهير النية من أي شائبة غير إلهية. عندما يقوم الإنسان بعمل من أجل الله، فإنه لا يبالي بقبول الناس أو رفضهم. هدفه الوحيد هو رضى الخالق. يقول القرآن الكريم في سورة البينة، الآية 5: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة). هذه الآية تبين بوضوح أن محور التدين هو الإخلاص في العبادة والأعمال لله. إذا كان عملنا بدافع كسب رضى الناس، فإنه يخرج عن دائرة الإخلاص ويفقد قيمته الحقيقية، حتى لو كان في الظاهر عملاً صالحًا. مفهوم آخر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه المسألة هو "التوكل". التوكل يعني الثقة الكاملة بالله وتفويض الأمور إليه. المؤمن الذي يتوكل على الله يعلم أن رزقه وتأييده النهائي بيد الله. فهو لا يخاف الفقر، ولا يبالي بذم الناس، ولا بعدم قبولهم. يعلم أن إذا فعل شيئًا لله، فالله هو الحافظ والمعين له. في سورة آل عمران، الآية 173، يصف القرآن الكريم الذين يتوكلون توكلاً كاملاً: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل). هذه الآية تقدم مثالاً رائعًا على عدم الاكتراث بالخوف من الناس والتوكل المطلق على الله، وهو علامة على الإيمان القوي. في المقابل، من يقلق بشأن تأييد الناس فإن توكله ضعيف. يمكن أن يقود الاعتماد على تأييد الآخرين الشخص إلى النفاق والرياء. قد يقوم الفرد بأعمال لا يؤمن بها من صميم قلبه، فقط ليبدو جيدًا في عيون الناس. هذا الرياء آفة عظيمة للإيمان، وقد ذمه القرآن مرارًا وتكرارًا. يجب أن يكون المؤمن متطابقًا في السر والعلن، وأن تكون أعماله كلها لوجه الله. بالطبع، هذا لا يعني التجاهل التام لآراء الآخرين أو عدم الاستماع إلى النصح والنقد البناء. الإسلام يعطي أهمية للعلاقات الاجتماعية الحسنة والتشاور والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن الفرق الأساسي يكمن في النية والتركيز. إذا كانت نيتنا الأساسية هي كسب رضى الله، ثم ندير علاقاتنا الاجتماعية بحكمة وروية، فلا بأس في ذلك. المشكلة تظهر عندما يصبح تأييد الناس هو البوصلة الرئيسية لحياتنا وأفعالنا، ويحرفنا عن طريق الحق. الأفراد ذوو الإيمان القوي لا يبالون بـ "لومة لائم". في سورة المائدة، الآية 54، يقول الله تعالى: "...وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (...ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم). هذه الآية تشير بوضوح إلى أن عدم الخوف من لوم الناس في سبيل الله هو من علامات من يحبهم الله ويمنحهم فضله. هذا يعني الثبات والاستقامة على الحق، حتى لو وقف العالم كله ضد الإنسان. قد تنبع الحاجة إلى تأييد الآخرين من عدم الأمان الداخلي، وقلة الثقة بالنفس، ونسيان المكانة الحقيقية للإنسان عند الله. عندما يرى الفرد نفسه معتمدًا كليًا على الأحكام الخارجية، فإنه يبتعد عن مركزية "الله" في حياته. بينما المؤمن الحقيقي يعلم أن أثمن تأييد هو تأييد الله، وأن رضاه يفوق كل رضى. يقول القرآن في سورة التوبة، الآية 72: "وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم). هذه الآية تنص صراحة على أن رضى الله أعظم من جميع نعيم الجنة. فكيف يمكن أن نفضل رضى المخلوق على رضى الخالق؟ للتغلب على هذا الضعف، يحتاج المؤمن إلى التركيز على تقوية ثلاثة أركان أساسية للإيمان: 1. تقوية التوحيد: من خلال فهم أعمق لله وصفاته، والإيمان القلبي بأنه هو وحده الذي يستطيع النفع والضر، وأن تأييده هو التأييد الحقيقي. 2. التمرن على الإخلاص: في كل عمل، صغيرًا كان أم كبيرًا، يطهر نيته لله ويبتعد عن الأفكار المتعلقة بحكم الناس. 3. زيادة التوكل: من خلال تذكر أن الله كافٍ لجميع الأمور وأنه خير وكيل، يحرر قلبه من القلق والاعتماد على الناس. كذلك، التأمل في مصير الذين أخفوا الحقيقة أو انحرفوا إلى الباطل من أجل إرضاء الناس عبر التاريخ، يمكن أن يكون عظة. الإيمان القوي يعني الثبات على الحق، حتى لو وقف العالم كله ضده. هذا هو المسار الذي سلكه الأنبياء والأولياء. فالرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، على الرغم من كل الإيذاء والتكذيب، لم يتوقف قط عن تبليغ رسالته، لأن تأييد الله وحده كان يهمه. في الختام، إن الحاجة المفرطة إلى تأييد الآخرين ليست فقط علامة على ضعف الإيمان، بل هي أيضًا عقبة خطيرة في طريق النمو الروحي والوصول إلى السلام الحقيقي، لأن السلام الحقيقي لا يوجد إلا في الاستسلام والتوكل على الله. بتحرير النفس من قيود التأييدات الخارجية، يصل الإنسان إلى الحرية الداخلية والهدوء الحقيقي، الذي هو نتيجة مباشرة للإيمان القوي والتوكل الكامل على رب العالمين.
في زمان بعيد، في زاوية هادئة، عاش درويش حكيم لم يربط قلبه إلا بالله. كان الناس يأتون إليه من كل حدب وصوب ليرتووا من نبع حكمته. ذات يوم، جاء تاجر مرموق، يرتدي ثيابًا فاخرة وبوجه متكبر، إلى الدرويش وقال: "أيها الشيخ الحكيم، لقد انتشر صيت كرمي في كل مكان. أنا أتصدق بالكثير من المال وأبني العديد من المساجد. فهل يمدحني الناس؟" أجاب الدرويش بابتسامة دافئة ونظرة حانية: "يا صديقي، مدح الناس أمر حسن، ولكن الأحلى منه هو رضى الخالق. فالبستاني لا يزرع البذور لمدح المارة، بل لثمارها التي تثمر. إذا زرعت بستان قلبك لله، فسواء مدح الناس أو ذموا، فإن محصولك سيكون آمناً وثابتاً." فكر التاجر في هذه الكلمات العميقة وأدرك أن القيمة الحقيقية لا تكمن في المظاهر الخارجية أو تصفيق المخلوقين، بل في النية الصادقة والعبودية الحقة للخالق الأوحد. ومنذ ذلك الحين، بدلًا من التعلق بثناء الناس، جعل رضى الله غايته الوحيدة، ووجد سلامًا لم يختبره من قبل.