هل يجب أن يكون الإيمان مصحوبًا دائمًا بشعور جيد؟

الإيمان الحقيقي هو سكينة قلبية وثبات داخلي يتجاوز تقلبات المشاعر، ويبقى ثابتًا حتى في الشدائد، وليس بالضرورة أن يكون مصحوبًا دائمًا بفرح سطحي. فالإيمان يساعد المؤمن على تحمل الأحزان بالتوكل على الله والصبر، مما يؤدي إلى السكينة الحقيقية.

إجابة القرآن

هل يجب أن يكون الإيمان مصحوبًا دائمًا بشعور جيد؟

هل يجب أن يكون الإيمان مصحوبًا دائمًا بشعور جيد؟ الإجابة على هذا السؤال من منظور القرآن الكريم تتطلب فهمًا أعمق وأكثر شمولاً لطبيعة الإيمان ومسيرة المؤمن. قد يُتصور للوهلة الأولى أن الإيمان، كونه مصدرًا للسكينة والنور والهداية، يجب أن يقترن دائمًا بحالة من الفرح الدائم والسرور الغامر. ومع ذلك، تقدم التعاليم القرآنية وسيرة الأنبياء والأولياء صورة أكثر واقعية وكمالًا لمسيرة الإيمان؛ وهي مسيرة تتضمن الأفراح والسكينة والابتلاءات والأحزان والتحديات كأجزاء لا تتجزأ ومتكاملة. الإيمان الحقيقي لا يظهر فقط في لحظات السعادة والراحة، بل يتبين عمقه وقوته وأصالته بأجلى صوره في أشد الأوقات صعوبة ومحنًا وشدة. في الواقع، إن الإيمان هو الذي يمنح المؤمن القدرة على الثبات في تقلبات الحياة، وعدم الانحراف عن طريق التوحيد والعبودية لله. يُشير القرآن الكريم بوضوح إلى أن الحياة الدنيا هي في جوهرها دار امتحان وابتلاء واختبار. وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحقيقة في آيات عديدة. على سبيل المثال، يقول سبحانه في سورة البقرة، الآية 155: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". هذه الآية تُظهر بوضوح أن الصعوبات والمشقات، بل وحتى تجربة المشاعر غير السارة مثل الخوف والجوع، هي جزء لا يتجزأ ومخطط له إلهيًا من حياة المؤمن. في مثل هذه الظروف، قد يختبر المؤمن، كأي إنسان آخر، مشاعر الحزن والقلق والاضطراب أو حتى اليأس المؤقت. هذه المشاعر طبيعية وإنسانية تمامًا، ووجودها لا يتعارض مع جوهر الإيمان. ما يميز الإيمان هو قدرة الفرد على الحفاظ على صلته بالله، والتوكل الكامل عليه، والثبات على طريق الحق والعبودية، حتى عندما لا يكون حاله الداخلي "جيدًا" ويعاني من ألم جسدي أو نفسي. الإيمان في حقيقته هو "اعتقاد قلبي عميق" و"تصديق داخلي" يعمل متجاوزًا تقلبات العواطف، وتقوم أسسه على المعرفة والتسليم والعمل الصالح. المؤمن، حتى لو أصابه حزن أو غم أو يأس مؤقت (وهو، كما ذكرنا، أمر طبيعي ولا مفر منه للبشر، حتى أن الأنبياء عليهم السلام قد اختبروا مثل هذه المشاعر، مثل حزن يعقوب على يوسف، أو حزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم على فقد أحبته)، لا يتخلى أبدًا عن اعتقاده الراسخ بالله، وحكمته في تدبير شؤون الكون، ووعود الله المتعلقة بالمعاد وجزاء الأعمال الصالحة. الإيمان يمنح الفرد "مرساة" روحية ومعنوية تُثبته في عواصف الحياة الهوجاء وتنقذه من الغرق في هاوية اليأس واللاجدوى. هذه المرسى، لا تظهر فعاليتها وأهميتها في لحظات السكينة والرخاء فحسب، بل على وجه الخصوص في أوقات الاضطرابات النفسية والجسدية، حيث تعمل كخريطة طريق وبوصلة في الظلمات. النقطة المهمة هنا هي أن "الشعور الجيد" والسكينة التي تنبع من الإيمان غالبًا ما تكون سكينة داخلية عميقة وطمأنينة قلبية، وليست بالضرورة فرحًا دائمًا أو غيابًا مطلقًا لأي حزن أو غم. يقول الله تعالى في سورة الرعد، الآية 28: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". هذه "الطمأنينة" و"السكينة" لا تعني زوال جميع الصعوبات أو نفي المشاعر السلبية؛ بل تعني إيجاد ملجأ ومصدر للهدوء الدائم في مواجهة أمواج الحياة المتلاطمة. حتى عندما يوجد ألم جسدي أو روحي، يطمئن قلب المؤمن بذكر الله وبالإيمان بقدرته وعدله، وهذه السكينة تمنعه من الغرق الكامل في اليأس والارتباك. يدرك المؤمن أن كل محنة تحمل في طياتها حكمة ومصلحة إلهية، وأن كل شدة تنتهي إلى يسر. وبناءً عليه، فإن الإيمان، بدلًا من أن يضمن "شعورًا جيدًا" دائمًا وسطحيًا، يمنح الإنسان قوة "التحمل"، و"الصبر"، و"الثبات" في مواجهة الشدائد. وفي النهاية، يمهد الطريق لتحقيق "سكينة أعمق" و"رضا قلبي" حقيقي. المؤمن الحق يعلم أن الدنيا فانية، وأنها دار ممر وليست دار مقر، وأن كل شدة لها نهاية. إنه يؤمن بالجزاء الإلهي للصابرين ووعود الله بالثواب في الآخرة. هذه النظرة الشمولية والموجهة نحو الآخرة، تمنح الفرد الأمل حتى في أوج الحزن والكرب، وتنقذه من الانهيار الروحي والمعنوي. علاوة على ذلك، يعلمنا القرآن أن المؤمنين قد يواجهون اختبارات وفتنًا في طريق الإيمان، وقد يتعرضون للحسد والأذى والاضطهاد، تمامًا كما حدث للأنبياء والأولياء الصالحين. في سورة العنكبوت، الآيتين 2 و 3، نقرأ: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ". تُصرح هاتان الآيتان بوضوح أن الابتلاءات والفتن جزء لا يتجزأ من مسيرة الإيمان، وفي هذه الاختبارات، قد تظهر مشاعر مختلفة، بما في ذلك الخوف والقلق. الإيمان الحقيقي يساعد الأفراد على الخروج منتصرين من هذه الاختبارات والوصول إلى درجة أعلى من القرب الإلهي، لا أنهم لا يواجهونها أبدًا أو يكونون دائمًا سعداء ومبتهجين أثناء مواجهتها. الإيمان كالذهب الخالص يُصقل في كورة الأحداث ليصبح أنقى. من المهم ملاحظة أن الحزن والأسى في جوهرهما لا يتعارضان مع الإيمان؛ بل قد يكونان في بعض الأحيان فرصة لتعميق الصلة بالله وفهم الحكم الإلهية. فقد حزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبكى عند وفاة ابنه إبراهيم وغيره من أحبته، قائلاً: "إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا". هذا يوضح أن المشاعر الإنسانية، حتى في ذروة الإيمان والروحانية، طبيعية ومقبولة. المهم هو نهج المؤمن تجاه هذه المشاعر؛ أي عدم الاستسلام لليأس المطلق، والحفاظ على التوكل على الله، والشكر في كل الأحوال، ومواصلة طريق العبودية والتقرب إليه. وفي الختام، فإن "الشعور الجيد" الحقيقي الذي يجلبه الإيمان هو حالة من الرضا بقضاء الله وقدره، وأمل راسخ في رحمة الله الواسعة، ويقين غير مشروط بوعوده الصادقة. هذه الحالة ليست سعادة سطحية عابرة تزول بتغير الظروف، بل هي سكينة عميقة، دائمة، ومتجذرة تغذي قلوب المؤمنين في جميع الظروف، حتى في الشدائد القاسية، وتمنحهم القوة لمواصلة مسيرتهم. هذه السكينة تنبع من فهم حقيقة أن كل شيء بيد الله، وأنه خير مدبر وأرحم ناصر ومعين. لذلك، الإيمان لا يعني غياب تجربة الحزن والمعاناة؛ بل يعني القدرة على المرور بها بدعم إلهي، وفهم الحكمة الخفية وراءها، والحفاظ على الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا في الدنيا والآخرة، لأن "إن مع العسر يسراً". الإيمان يعد بالسعادة الأبدية في الجنة، وليس بالضرورة السعادة الدائمة في هذه الدنيا الفانية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، كان درويش حكيم يسير في صحراء مقفرة، وثيابه ممزقة ومؤونته قليلة. فسأله عابر سبيل، وهو يلاحظ هدوئه وسلامه رغم الظروف القاسية: «أيها الشيخ الجليل، كيف تسير بهذا الحال الطيب في هذه الأرض القاسية، بينما يشكو الآخرون من مصائبهم في بيوتهم المريحة؟» ابتسم الدرويش بلطف وأجاب: «يا صديقي العزيز، سعادة القلب لا تُوجد في وفرة ممتلكات الدنيا ولا في غياب الابتلاءات. بل تُوجد في الرضا بقضاء الله والتوكل على رحمته الواسعة. قد تحرق الشمس وتلسع الرياح، لكن نور اليقين في قلبي يُضيء لي دربي. فبالنسبة للمؤمن الحقيقي، كل شدة هي مجرد سحابة عابرة، وتحتها يكمن الأمل الثابت في فضل الله. أليس صحيحًا أن حتى الملك الذي يعذبه الشك يعيش في سجن أصغر من درويش راضٍ بقدره؟»

الأسئلة ذات الصلة