المعنى الحقيقي للحياة في القرآن هو فرصة إلهية للعبادة الخالصة، وأداء الأعمال الصالحة، والنمو الروحي في سبيل التقرب من الله. الهدف الأسمى هو نيل رضوان الله والفوز بالآخرة، لأن هذه الدنيا اختبار للتحضير للحياة الأبدية.
من منظور القرآن الكريم، الحياة الدنيا ليست وجهة نهائية، بل هي معبر مؤقت وفرصة لا مثيل لها لتحقيق الكمال والقرب الإلهي. يتشابك هذا المنظور بعمق مع الفلسفة الوجودية للإنسان، مانحًا كل لحظة من وجوده معنى وهدفًا. يوضح القرآن بجلاء أن خلق الإنسان والكون لم يكن عبثًا أو بلا هدف، بل تم بناءً على حكمة متعالية وهدف محدد. المحور الأهم لهذا المعنى هو «عبادة الله» و«العبودية له»، لكن هذه العبادة لا تقتصر على الصلاة والصوم فحسب؛ بل تشمل جميع أبعاد الحياة، من التفكير والتعقل إلى العمل والسعي، والتفاعلات الاجتماعية، وخدمة الخلق. كل عمل صالح وكل خطوة تُتخذ في سبيل مرضاة الله تعتبر شكلاً من أشكال العبادة وتضفي على حياة الإنسان معنى أعمق. هذا يعني أن جميع أنشطتنا اليومية، إذا تمت بنية إلهية وفي سبيل الخير والصلاح الفردي والجماعي، يمكن أن تصبح وسيلة للتقرب إلى الله. الحياة في نظر القرآن هي «اختبار» و«ابتلاء» كبير. لقد خلق الله تعالى الموت والحياة ليختبر البشر ويميز أحسنهم عملاً. يشمل هذا الاختبار جميع جوانب وجود الإنسان، من الصبر على المصاعب، والشكر على النعم، والعدل في العلاقات، والإحسان إلى الآخرين، إلى الجهاد في سبيل الله والثبات أمام الظلم. الهدف من هذا الاختبار هو نمو وتطور الروح البشرية، وإعدادها لحياة أبدية في الدار الآخرة. كل تحد وصعوبة نمر بها في هذا الطريق هي فرصة لإظهار إيماننا، إرادتنا، وتوكلنا على الله. في الواقع، الحياة الدنيا بمثابة مزرعة تُزرع فيها بذور الأعمال الصالحة ليُحصد ثمارها في الآخرة. لذا، فإن كل قرار، كل اختيار، وكل فعل نقوم به، سيكون له تأثير مباشر على مصيرنا الأخروي. يؤكد القرآن بشدة على «العمل الصالح». العمل الصالح يعني كل فعل يتوافق مع التعاليم الإلهية ويهدف إلى الخير والإحسان، ويفيد الفرد والمجتمع والعالم على حد سواء. الإيمان الحقيقي يكتمل بالعمل الصالح، وهذان الاثنان لا ينفصلان. المؤمن هو من يقوم، بإيمان قلبي، بواجباته تجاه الله، نفسه، عائلته ومجتمعه. يشمل ذلك احترام حقوق الآخرين، والإحسان إلى الوالدين، ورعاية الأيتام والمحتاجين، وإقامة العدل، والابتعاد عن الفساد، والسعي لإصلاح المجتمع. العمل الصالح ليس مجرد أداء للفرائض الدينية؛ بل يشمل نطاقًا واسعًا من المسؤوليات الاجتماعية والأخلاقية، يسهم كل منها في بناء معنى الحياة وتحقيق السعادة. هذه الأعمال الصالحة تبقى كزاد للآخرة، وسيكون جزاؤها الحقيقي في العالم الأبدي. من الأبعاد الأساسية الأخرى لمعنى الحياة في القرآن هو «معرفة الله والتعرف عليه». يدعو القرآن الإنسان إلى التفكير والتعقل في آيات الله، سواء في الآفاق أو في الأنفس. إن معرفة عظمة الله وقدرته، والوعي بصفاته الكاملة، وفهم حكمته في الخلق، يدفع الإنسان نحو العبودية الخالصة. هذه المعرفة لا تمنح الإنسان راحة نفسية فحسب، بل تهديه إلى الطريق الصحيح في الحياة. كلما اقترب الإنسان أكثر من فهم أسماء الله وصفاته، أصبحت حياته أكثر غنى ومعنى. هذه المعرفة تحرره من التعلقات المادية والفانية في الدنيا، وتقوده نحو هدف أسمى. في الختام، المعنى الحقيقي للحياة من منظور القرآن هو «الوصول إلى لقاء الله» و«رضوانه». هذه الدنيا هي مكان الزرع والآخرة هي مكان الحصاد. الهدف الأسمى للمؤمن هو دخول الجنة والتمتع بنعم الله الأبدية، التي هي نتيجة لأعماله الصالحة وحياته الهادفة في الدنيا. لكن الأسمى من نعم الجنة هو رضا الله وسعادته، الذي يعتبر أعظم نجاح وفلاح للإنسان. الحياة القرآنية هي حياة تكون كل لحظة فيها مصحوبة بذكر الله، والنوايا الحسنة، والأعمال الصالحة، حتى يتمكن الإنسان من اجتياز الاختبار الإلهي بنجاح والعودة إلى خالقه، محققًا الخلاص الأبدي. يمنح هذا المنظور حياة الإنسان عمقًا واتجاهًا ودافعًا لا ينتهي، وينقذه من الفراغ والارتباك، ويمنحه سلامًا وطمأنينة قلبية.
في كتاب «گلستان» لسعدي، يُروى أن ملكًا عادلاً كان لديه خادم مخلص. ذات يوم، قال الملك للغلام: "لقد خدمتني عمرًا، وبإخلاص شديد، جمعت كل ما أملك. فقل لي الآن، ماذا جمعت من هذا العمر التقي لنفسك في الغد الأبدي؟" فأجاب الغلام بتواضع: "يا أيها الملك، كل ما جُمع في هذه الدنيا كان فانيًا وزائلاً. لكنني تعلمت أن المعنى الحقيقي للحياة ليس في جمع الثروة، بل في كسب رضا الخالق. كل يوم خدمت فيه الناس بنية خالصة، وكل ليلة جلست فيها لذكر الله، جعلت منها زادًا لطريقي إلى الآخرة. الثروة الحقيقية هي الأعمال الصالحة التي لا تفنى أبدًا، ورضا الرب كنز لا يزول." سُرّ الملك كثيرًا من كلام الغلام وأدرك أنه قد فهم المعنى الحقيقي للحياة؛ وأن الحياة مزرعة لزرع الآخرة وفرصة للعبادة والإحسان.