يستبدل القرآن الكريم الحاجة إلى تأييد الآخرين بالتوكل على الله والإخلاص في النية. العزة الحقيقية تأتي من الله وحده، ويجب على المؤمن ألا يخشى لوم الناس في طريق الحق.
إن الشعور بالحاجة إلى تأييد الآخرين هو أحد التحديات العميقة التي يواجهها العديد من البشر في حياتهم. تعود هذه الرغبة إلى جذور مختلفة في النفس البشرية والمجتمع، وغالبًا ما ترتبط بمشاعر داخلية من عدم الكفاءة، أو الخوف من الرفض، أو الرغبة في القبول ضمن مجموعة اجتماعية. من منظور القرآن الكريم، يعود الجواب على هذا السؤال إلى فهم مكانة الإنسان، وهدف خلقه، ومفهوم الاعتماد الحقيقي (التوكل) على الله. يقدم القرآن، بنظرته العميقة والشاملة، حلولًا للتحرر من هذه القيود والوصول إلى السكينة والعزة النفسية الحقيقية، والتي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الاتصال بالمصدر الذي لا ينضب من القوة والحكمة، وهو الله تعالى. المبدأ الأول والأهم الذي يطرحه القرآن في هذا السياق هو مبدأ التوحيد والتوكل على الله. عندما يرى الإنسان وجوده كله أمام الله، ويقر بأن الله وحده هو القوة المطلقة ومصدر الخير والشر، يدرك أن التأييد الحقيقي والمستقر لا يأتي إلا منه. يقول تعالى في سورة الطلاق، الآية 3: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا). هذه الآية توضح بجلاء أنه متى ما أوكل الإنسان جميع أموره إلى الله ووثق به ثقة كاملة، فإن الله سيكون كافيه. غالبًا ما تنشأ الحاجة إلى تأييد الآخرين من شعور بالنقص وعدم الكفاءة؛ بينما يحل التوكل محل هذا الشعور بالثقة في القوة والكفاية الإلهية. عندما نعلم أن خالقنا هو خير حارس وداعم لنا، فإننا لم نعد بحاجة إلى السعي للحصول على رضا المخلوق. النقطة الثانية التي يشير إليها القرآن هي أهمية النية الخالصة (الإخلاص) في جميع الأعمال. في كثير من الأحيان، يسعى الناس للحصول على تأييد الآخرين لأنهم يريدون أن تُثنى أعمالهم، أو أن يكونوا في مأمن من النقد. يعلم القرآن المؤمنين أن يفعلوا كل شيء لوجه الله وحده. يقول تعالى في سورة الإنسان، الآية 9: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا" (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا). تبين هذه الآية أن نيتنا في الأعمال الصالحة يجب أن تكون فقط لنيل رضا الله، لا توقع مكافأة أو ثناء من الناس. عندما تصبح النية خالصة، يتحرر الشخص من قيود توقعات الناس وأحكامهم، ويجد سكينة القلب، لأن قيمة عمله لم تعد تعتمد على آراء الآخرين، بل على قبول الله. ويذكّر القرآن الإنسان أيضًا بأن العزة والذلة الحقيقيتين بيدي الله وحده. يقول تعالى في سورة آل عمران، الآية 26: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ ۖ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير). تعلمنا هذه الآية أن عزتنا وذلتنا ليست في أيدي الناس، ولا تعتمد على آرائهم. عندما تستقر هذه الحقيقة في قلب الإنسان، فإنه لم يعد يتوسل إلى المخلوقات للحصول على العزة والاحترام، ولا يخاف من الذل المحتمل في نظرهم، لأن المعيار الوحيد للعزة والقيمة هو نظر الله. علاوة على ذلك، يشجع القرآن المؤمنين على الثبات على الحق، حتى في مواجهة اللوم واللوم من الآخرين. تصف الآية 54 من سورة المائدة المؤمنين بأنهم: "...وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (...ولا يخافون لومة لائم. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم). تحمل هذه الآية رسالة قوية لمن يسعون لتأييد الآخرين: المؤمن الحقيقي هو من لا يخشى في طريق الحق وأداء الواجب لوم اللائمين وانتقاد الناس. هذا يدل على نضج روحي وإيماني يحرر الفرد من عبودية آراء الآخرين. عندما يتيقن الإنسان أن مساره موثق ومقبول عند الله، فإنه لن يقلق بعد ذلك من الأحكام السطحية والمتغيرة للناس. للتغلب على هذه الرغبة في تأييد الآخرين، يقدم القرآن أيضًا حلولًا عملية: تقوية العلاقة بالله من خلال الصلاة، والذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن؛ والتأمل في آيات الله وعظمة الخلق؛ وإدراك أن كل إنسان خُلق بكرامة وشرف خاصين من قبل الله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ - سورة التين، الآية 4). عندما يدرك الإنسان قيمته الحقيقية التي منحه إياها الله، فإنه لم يعد بحاجة إلى ختم تأييد الآخرين لإثبات وجوده وقيمته. هذا الوعي الذاتي الإلهي هو أساس احترام الذات الحقيقي. في النهاية، التغلب على الحاجة إلى تأييد الآخرين لا يعني اللامبالاة تجاه المجتمع أو التغذية الراجعة البناءة؛ بل يعني الاستقلال العاطفي والنفسي عن هذه التأييدات. يمكن للإنسان أن يستمع إلى النقد البناء، لكنه يزن قيمته وأعماله فقط في ميزان رضا الله. هذه الحرية الحقيقية تجلب سكينة لا مثيل لها، وتمكّن الشخص من العيش بثقة وصدق أكبر، وتحقيق أهداف إنسانية أسمى. يدعونا القرآن لإخراج معيار تقييم أعمالنا وشخصيتنا من أيدي البشر المتقلبة وغير المستقرة ووضعها في يدي قوة الله المطلقة والثابتة. هذا التحول الجوهري هو مفتاح السكينة الداخلية والقوة الروحية.
يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك ملك مغرم بمدح وإطراء حاشيته. كل يوم، كان مستشاروه يغدقون عليه كلمات الثناء العذبة والمبالغ فيها، وكان الملك ينتفخ فخرًا لسماعها. ذات يوم، زار الملك درويش زاهد ومنعزل، مشهور بحكمته وصدقه. سأله الملك: "يا درويش، ما الذي جعلك لا تتحدث عن فضائلنا وعظمتنا مثل الآخرين؟ هل استغنيت عن كرمنا، أم أنك لا ترانا جديرين بالثناء؟" فأجاب الدرويش بابتسامة هادئة: "أيها الملك، ثناء المخلوقين كالكتابة على الماء، يزول سريعًا. قلبي ممتلئ بذكر الحق تعالى، وليس فيه متسع لشغل نفسي بمدح الخلق. أقول لك الحق، لعل هذا الكلام يحررك من عبودية تأييد الخلق؛ لأن الرضا الوحيد الذي يدوم هو رضا الخالق، وليس ثناء الخلق الذي هو موجود اليوم وليس موجودًا غدًا." تأثر الملك بكلام الدرويش، ومنذ ذلك الحين، قلّ اهتمامه بالثناء وازداد تفكيره في رضا الله، ووجد في قلبه سكينة لم يجدها من قبل وسط كل المدائح.