لماذا يتعرض المحسنون للسخرية أحيانًا؟

يكشف القرآن أن السخرية من المحسنين تنبع أساسًا من الكبر والجهل والخوف من التغيير لدى الأشرار. هذه السخرية اختبار للمؤمنين وعلامة على مرض الساخرين الروحي، ويجب مواجهتها بالصبر والتوكل على الله.

إجابة القرآن

لماذا يتعرض المحسنون للسخرية أحيانًا؟

يتناول القرآن الكريم ظاهرة السخرية من المحسنين وأهل الحق بتوسع وبتكرار كبير، خاصة في قصص الأنبياء وتفاعلاتهم مع مجتمعاتهم. إنه موضوع متكرر يُظهر أن أولئك الذين يتمسكون بالحق والعدل والبر غالبًا ما يواجهون السخرية والاستهزاء من أولئك الذين يرفضون الهداية الإلهية أو الذين غارقون في الغطرسة والجهل والشهوات الدنيوية. هذه السخرية ليست ظاهرة جديدة؛ بل تُقدم على أنها جزء لا يتجزأ من اختبار الإيمان ورد فعل مميز من أولئك الذين قست قلوبهم تجاه الحقيقة. أحد الأسباب الرئيسية لهذه السخرية، كما يبرز القرآن، ينبع من **الكفر والغطرسة (الكبر)**. غالبًا ما يمتلك الساخرون إنكارًا عميقًا لآيات الله ورسالاته، بالإضافة إلى شعور متضخم بالغرور. إنهم يرون المحسنين، خاصة الأنبياء، ضعفاء، حمقى، أو ضالين لالتزامهم بمبادئ تتعارض مع مطامعهم الدنيوية. على سبيل المثال، فرعون، في غطرسته، سخر من النبي موسى ورسالته، معتبرًا إياها مجرد سحر أو وهم (القرآن 28:38؛ 43:52-53). وبالمثل، سخر مشركو مكة من النبي محمد، مشككين في نبوته ومستهزئين بدعوته إلى التوحيد والصلاح الأخلاقي. كانوا يقولون: “أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ” (القرآن 21:36) أو يتهمونه بالجنون أو السحر. غالبًا ما تنشأ هذه السخرية لأن الساخرين يرون إخلاص المحسن وتفانيه كتهديد لنمط حياتهم القائم، والذي غالبًا ما يكون فاسدًا، أو لمكانتهم الاجتماعية والاقتصادية. سخريتهم هي آلية دفاعية، محاولة للتقليل من شأن وتشويه سمعة ما لا يمكنهم دحضه فكريًا أو روحيًا. عامل مهم آخر هو **الجهل والفهم السطحي للحقيقة**. فالعديد من الساخرين يفتقرون إلى عمق البصيرة لفهم الحكمة العميقة والغرض الإلهي وراء أعمال المحسن ومعتقداته. إنهم يحكمون بناءً على المظاهر الخارجية، أو المكاسب الدنيوية، أو الأعراف الاجتماعية التقليدية، ويفشلون في إدراك القيمة الأبدية للصلاح. يروي القرآن كيف سخر قوم نوح منه بينما كان يبني الفلك، معتبرين ذلك مجهودًا عبثيًا على أرض جافة (القرآن 11:38). كانت ضحكاتهم واستهزائهم نابعة من إدراكهم المحدود، غير قادرين على فهم الأمر الإلهي والطوفان الوشيك. هذا يوضح أن السخرية غالبًا ما تنشأ من نظرة عالمية ضيقة ومادية لا يمكنها استيعاب الحقائق الروحية أو العواقب الإلهية. علاوة على ذلك، فإن **الخوف من التغيير وتحدي الوضع الراهن** يثير السخرية. فالأنبياء والمحسنون، بطبيعتهم، يدعون إلى تحول اجتماعي وأخلاقي جذري. إنهم يتحدون الأنظمة الفاسدة، والممارسات القمعية، والالتزام الأعمى بالتقاليد الأجدادية. هذا التحدي يهدد المصالح، وهياكل السلطة، والروتين المريح لأولئك الذين يستفيدون من النظام القائم. يلجأ النخبة والأقوياء، خوفًا من فقدان نفوذهم، إلى السخرية والافتراء والاضطهاد لتشويه الرسالة وحامليها. يهدفون إلى عزل المحسنين وردع الآخرين عن اتباع طريقهم بجعلهم يبدون سخيفين أو مهمشين. وهذا واضح في الروايات القرآنية حيث عارض رؤساء وقادة الأمم المختلفة أنبياءهم بشدة من خلال السخرية والتخويف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يغذي **الحسد والحقد** السخرية أيضًا. أحيانًا، يسخر الأفراد من المحسنين ليس بسبب إنكار حقيقي، بل بسبب استياء خفي أو غيرة من نقائهم، أو سلامهم الداخلي، أو الاحترام الذي ينالونه من الآخرين. ولعدم قدرتهم على محاكاة فضيلتهم، يلجأون إلى الحط من شأنهم. يصف القرآن كيف كان الكفار يتغامزون سخرية عندما يمر المؤمنون، وعند عودتهم إلى أهلهم، كانوا يفعلون ذلك بمرح (القرآن 83:29-32). غالبًا ما ينبع هذا السلوك من مرض روحي عميق، حيث يصبح الخير نفسه هدفًا لسوء نيتهم. يقدم القرآن الكريم **مواساة وتوجيهات عميقة** لأولئك الذين يتعرضون للسخرية بسبب أعمالهم الصالحة. يؤكد للمؤمنين باستمرار أن هذه السخرية هي نمط شائع في الصراع بين الحق والباطل، ويجب ألا تثنيهم. يذكّر الله النبي محمد: “وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” (القرآن 6:10). هذا التأكيد الإلهي يؤكد أن السخرية لا جدوى منها في النهاية وتدمر الساخرين أنفسهم، وستكون نهايتهم وخيمة. يعلّم القرآن المؤمنين أن يستجيبوا بالصبر والثبات والاعتماد المطلق على الله. وينصح بالابتعاد عن الجدال العقيم مع الساخرين وبدلاً من ذلك، يدعو إلى الإعراض عنهم والتركيز على طريق البر (القرآن 25:63؛ 6:68). في الختام، يكشف القرآن أن السخرية من المحسنين هي عرض لمرض الساخرين الروحي ورفضهم للهداية الإلهية. إنها اختبار للمؤمنين، ووسيلة لتطهير صفوفهم وتقوية عزيمتهم. المقياس الحقيقي للشخص ليس في آراء العالم الزائلة، بل في التزامه الثابت بالله وأوامره. يعد القرآن بأن النصر النهائي للمحسنين، وسيواجه الساخرون عواقب أفعالهم في هذه الحياة وفي الآخرة. لذلك، يُشجع المحسنون على الثبات، مع العلم أن أجرهم عند الله، وهو أسمى بكثير من أي مدح أو إدانة دنيوية. هذا المنظور الإلهي يحول السخرية من مصدر للإحباط إلى تأكيد على أنهم على الطريق الصحيح، فالحق لطالما استُهزئ به من قبل الباطل.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في أحد الأيام، مرّ درويش يرتدي ثيابًا مرقعة ولكن بقلب مضيء، بجانب قصر فخم. رآه صاحب القصر، وهو رجل غني ومتكبر، وسخر منه قائلًا: 'يا درويش، ماذا تملك في هذه الدنيا لتتعلق به؟ كل ما لديك هو ثوب بالٍ وبطن خاوٍ!' ابتسم الدرويش وأجاب بنبرة هادئة: 'يا صديقي، ما أملكه هو سلام القلب الذي لا تجده في قصرك. وما لا أملكه هو الحزن على فقده، الذي يجعلك قلقًا. فانظر من هو في الفقر الحقيقي.' خجل الرجل الغني من هذا الرد الحكيم وتأمل في عظمة الدرويش وحقيقة كلامه. ففي بعض الأحيان، لا ترى عين الدنيا العمياء سوى الظاهر وتبقى جاهلة بالجوهر؛ ولكن الحقيقة دائمًا تجد طريقها.

الأسئلة ذات الصلة