لماذا لا يشعر بعض الناس بالسعادة رغم إيمانهم؟

عدم سعادة بعض المؤمنين ينبع من سوء فهم للسعادة، والتعلق المفرط بالدنيا، وقلة الشكر، ونقص الصبر في الابتلاءات الإلهية. السعادة الحقيقية في الإسلام هي سكينة القلب الناتجة عن ذكر الله والتوكل والرضا بقضائه، وليست مجرد غياب المشاكل.

إجابة القرآن

لماذا لا يشعر بعض الناس بالسعادة رغم إيمانهم؟

إن التساؤل عن سبب عدم سعادة بعض المؤمنين هو سؤال عميق وأساسي، يتعلق بفهمنا لطبيعة الإيمان والسعادة في الإسلام. من منظور القرآن الكريم، الإيمان الحقيقي لا يمهد الطريق للسكينة والرضا القلبي فحسب، بل يمنح الفرد القدرة على الصمود والثبات في مواجهة تحديات الحياة. ومع ذلك، يُلاحظ أن بعض الأفراد، على الرغم من إعلان إيمانهم، لا ينعمون بالفرح والهدوء الداخلي. هناك عدة أسباب لهذه الظاهرة يمكن بحثها من منظور الآيات القرآنية. أحد الأسباب الرئيسية هو عدم الفهم الصحيح والكامل لمفهوم "السعادة" و"الفرح" في الإسلام. فكثيرون يظنون أن السعادة تكمن فقط في التخلص من مشاكل الدنيا، أو كسب الثروة، أو المكانة الاجتماعية، أو اللذات المادية الزائلة. في حين أن القرآن الكريم يرى السعادة الدائمة والحقيقية في الارتباط بالله والاطمئنان القلبي الناتج عن ذكره. آية 28 من سورة الرعد تصرح بذلك: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب). إذا كان الفرد يؤمن ولكن قلبه لا يطمئن بذكر الله، فربما لم يصل إيمانه إلى العمق المطلوب، وبقي مجرد قول وعقيدة نظرية، وليس إيماناً يتدفق في أفعاله وجميع جوانب حياته. هذا السلام الداخلي والرضا مستقلان عن تقلبات الحياة المادية. سبب آخر يمكن أن يكون التعلق الشديد بالدنيا ونسيان الآخرة. لقد حذر القرآن مرارًا من فتنة الحياة الدنيا ووصفها بأنها متاع قليل وزائل. عندما يربط الإنسان، حتى المؤمن، قلبه بالماديات الدنيوية، ويعلق سعادته بالنجاحات المادية أو بغياب المشاكل الدنيوية، فمن الطبيعي أن يصيبه الحزن والأسى مع كل تقلب أو خسارة. يقول الله تعالى في سورة الحديد الآية 20: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ۖ كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاما ۖ وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان ۚ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). إذا تعلق المؤمن بهذا المتاع المخادع، فإن سعادته ستزول مع زواله بمرور الوقت. عدم الشكر والتركيز على ما يُفتقد بدلاً مما هو موجود هو عامل مهم آخر. الإنسان الذي يركز دائمًا على النواقص والمشاكل بدلاً من رؤية النعم الإلهية العديدة، لا يستطيع تذوق طعم السعادة الحقيقية. يقول الله تعالى في سورة إبراهيم الآية 7: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (لئن شكرتم لأزيدنكم ۖ ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). الشكر يوجه نظرة الإنسان نحو الجوانب الإيجابية في الحياة ويجعله يرى نقاط الأمل والبركة حتى في الظروف الصعبة، ويكون ممتناً. عدم الصبر على المصائب والامتحانات الإلهية هو أيضاً من أسباب عدم السعادة المهمة. الحياة الدنيا مليئة بالاختبارات والابتلاءات. يقول القرآن الكريم في سورة البقرة الآية 155: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ۗ وبشر الصابرين). المؤمن الحقيقي هو من يتحلى بالصبر في هذه الابتلاءات ويدرك أن كل شيء من الله وفيه خير. اليأس من رحمة الله وعدم التوكل الكامل عليه يمكن أن يسلب السعادة من المؤمن. يسعى الشيطان دائماً لإيئاس الإنسان، وعلى المؤمن أن يتغلب على هذه الوساوس بالتوكل على الله والإيمان بقدرته. باختصار، السعادة الحقيقية في الإسلام ليست غياب المشاكل، بل هي امتلاك قلب مطمئن وراضٍ بقضاء الله. تنبع هذه السعادة من عمق الإيمان، والتوكل الكامل على الله، والشكر الدائم، والصبر على المصائب، والابتعاد عن التعلقات الدنيوية المفرطة. المؤمن الذي يعيش بهذه المبادئ سيجد مرساة للسكينة والرضا في قلبه، حتى وسط عواصف الحياة. وبالتالي، فإن عدم السعادة لدى بعض المؤمنين غالبًا ما ينبع من نقص في فهم أو تطبيق هذه الأبعاد الأعمق للإيمان، وليس مجرد غياب الاعتقاد الأولي. السعادة هي حالة روحية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة الروحية. إذا التزم الفرد بواجباته ومسؤولياته الدينية ولكنه يعاني من أمراض روحية مثل الحسد والكبر والغيبة، أو إذا كان يقارن نفسه باستمرار بالآخرين، فلن يحقق السلام والسعادة الحقيقية أبدًا. هذه الآفات، مثل السم، تسمم روح الإنسان وقلبه وتمنعه من تذوق الملذات الروحية. فالإيمان ليس مجرد اعتقاد ذهني؛ بل هو أسلوب حياة يؤثر على جميع أبعاد وجود الإنسان، من الأفكار والمشاعر إلى الأفعال والسلوكيات. وإذا لم يكن هذا التأثير كاملاً وشاملاً، فقد يُحرم الفرد، على الرغم من وصفه بـ 'المؤمن'، من ثمار الإيمان الحلوة، وهي الطمأنينة والسعادة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في كتاب گلستان لسعدي، هناك حكاية تقول: «كان درويشان يسافران معاً. أحدهما أقوى والآخر أضعف. كان القوي منهما يأكل قليلاً مما يرزقه كل ليلة، ويخبئ الباقي لليوم التالي. أما الدرويش الضعيف، فكان يأكل كل ما يأتيه في تلك الليلة نفسها، ويشكر الله، ويقول: غداً يوم آخر والرازق هو نفسه. كان الدرويش القوي دائماً يفكر في غده، وكان همّ الغد يمنعه من الاستمتاع بيومه، بينما كان الدرويش الضعيف، بتوكله الكامل على الله، ينعم بالسكينة والسعادة في كل لحظة. من يعلق قلبه بما عند الله لا يحزن أبداً، ومن يعلق قلبه بما في يده يعيش كل يوم في خوف من الفقدان.» هذه القصة تبين أن السعادة الحقيقية ليست في التجميع والاحتساب، بل في الثقة بالرازق والرضا بالقسمة؛ وهو درس يغفل عنه الكثير منا، حتى المؤمنون، أحياناً، فيربطون سعادتهم بهموم لا أساس لها.

الأسئلة ذات الصلة