لماذا ينجح بعض الناس على الرغم من ذنوبهم العديدة؟

في القرآن الكريم، نجد أن الله سبحانه وتعالى يوجه أنظاره إلى البشر، موضحاً أن هذه الحياة مليئة بالتحديات والصعوبات. تواجه البشرية تحديات متنوعة يمكن أن تقود بعض الأفراد إلى الانحراف عن الطريق الصحيح. ولكن في وسط هذه الصعوبات، يوجد دائماً بصيص من الأمل، وهو فرصة التوبة والعودة إلى الله، سبحانه وتعالى. تشدد العديد من الآيات القرآنية على أهمية التوبة وتبرز رحمة الله الواسعة في قبول ابن آدم الذي يخطئ ويرجع إلي الله. وفي سورة الزمر، الآية 53، يقول الله تعالى: "يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنتُمُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۚ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ." تشير هذه الآية إلى أن الله تعالى يفتح أبواب التوبة أمام عباده، ويدعوهم دائماً إلى الإيمان به وتقواه. كما تظهر الآية أيضاً أن الذين يحسنون في حياتهم الدنيا سوف ينعمون بحسن العاقبة، وأن صبرهم سيكافأ بمكافأة عظيمة، دون حساب. التوبة في الإسلام ليست مجرد استغفار أو قول كلمات، بل هي إقرار بالذنب، ورغبة حقيقية للتغيير، وعزيمة على عدم العودة للخطأ. ومن هنا يظهر المعنى العميق للتوبة وكيف أنها تأني بالبركة في حياة الفرد. فهي ليست فقط وسيلة لغفران الذنوب، بل هي أيضا طريق للنجاح والهدوء النفسي. إضافة إلى ذلك، نجد في سورة البقرة، الآية 286، قول الله تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا." هنا، يوضح الله تعالى أن كل إنسان له قدرات محدودة، وأنه لا يُطلب منه ما يتجاوز طاقته. هذه الآية تعتبر دعوة مباشرة للمسلمين للتقبل بأنهم قد يواجهون أوقاتاً صعبة، بل وقد يقعون في الذنوب، لكن الله سبحانه وتعالى لا يتوقع منهم الكمال، بل يتوقع منهم السعي لتحسين أنفسهم. هذه الآيات تسلط الضوء على أن الله سبحانه وتعالى دائماً لديه رحمة كبيرة وسعة في قبول التائبين. وهذا يعني أن حتى أولئك الذين ارتكبوا ذنوباً كثيرة، إذا سعوا بصدق للتوبة، يمكن أن يحظوا بمكانة كبيرة عند الله. الرحمة الإلهية لا تقتصر على القلة من الناس الذين يعيشون حياة خالية من الخطايا، بل تشمل كل هؤلاء الذين يسعون لنيل رحمة رب العالمين. إن الحراك الروحي الذي يحققه الإنسان عندما يسعى للتوبة هو طريق إلى النجاح ليس فقط في الآخرة، بل في هذه الحياة الدنيا أيضاً. الشخص الذي يسعى للتوبة ويعود إلى الله يكون قد بدأ مرحلة جديدة في حياته، مرحلة يتسلح فيها بالإيمان والثقة لتحمل التحديات التي تواجهه. علاوة على ذلك، النجاح في الإسلام لا يعني مجرد عدم الارتكاب للأخطاء أو عدم الذنوب، بل يتطلب الجهد المستمر في السعي نحو الكمال وتحقيق الذات. النجاح يعني العزيمة على التعويض عن الأخطاء، وتحقيق التغيير الإيجابي في النفس. هذا بالتالي يؤثر بشكل إيجابي على الفرد والمجتمع ككل. نحن في هذا الزمن نرى الكثير من الأشخاص الذين يواجهون تحديات حقيقية في حياتهم. قد يكون الدافع وراء تقديس الجهود لإرضاء الله، ويكون سبباً في استمداد القوة من الإيمان. العديد من هؤلاء الأفراد نجحوا في التحول للأفضل بعد أن أدركوا خطاياهم ورغبتهم في التغيير. وهذه التجارب تبين بوضوح كيف أن العودة إلى الله يمكن أن تكون سبباً في تغيير الحياة. كذلك يمكن أن نستشهد بأحاديث نبويّة تؤكد معاني التوبة والرحمة. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضاعه". وبهذا نجد أن الفرح الذي يعيشه الله عند عودة عبده المُخطئ إلى صراطه المستقيم هو أعظم من أي نوع من أنواع السعادة البشرية. إذن، مزيج من الصبر، والإيمان، والتوبة يمكن أن يفتح الأبواب أمام الأفراد للنجاح في حياتهم. وفي النهاية، النجاح لا يعني الخلو من الخطايا بل يتلخص في النزاهة، والجهد، والرغبة في تحسين الذات وطلب المغفرة. بالنهاية، علينا أن نعلم أن الخطأ جزء من طبيعة البشر، ولكن كيف نتعامل مع هذه الأخطاء ونعود إلى الله هو ما يصنع الفارق في حياتنا. فالله تعالى دائماً قريبٌ من عباده ويمتلك رحمةً واسعةً، ولا ينظر إلى الذنوب ولكن ينظر إلى القلوب، وما تحمله من نية. لذلك، فلنجعل جهودنا دائماً في السعي نحو الله وتقبّل رحمته، ولنسعى نحو النجاح الحقيقي الذي لا يقتصر على هذه الدنيا بل يمتد إلى الآخرة.