لماذا أشعر بالقلق عندما تسير الأمور على ما يرام؟

الشعور بالقلق رغم الرخاء قد ينبع من ضعف التوكل على الله، التعلق المفرط بالدنيا، قلة الشكر، ونقص ذكر الله. الحل يكمن في تقوية الإيمان، ممارسة الشكر، وزيادة ذكر الله لتحقيق السلام الداخلي.

إجابة القرآن

لماذا أشعر بالقلق عندما تسير الأمور على ما يرام؟

يا أخي أو أختي الكريمة، سؤالك هذا يتناول إحدى أعمق التجارب الإنسانية التي يمر بها الكثير منا، حتى في ذروة نجاحات الحياة وطمأنينتها الظاهرية. إن هذا الشعور بالقلق أو التوتر، على الرغم من أن كل شيء يسير على ما يرام ظاهرياً، يمكن أن يكون علامة على احتياجات روحية ونفسية أعمق تناولها القرآن الكريم بجمال وإتقان. دعنا نتأمل هذا الموضوع معاً من منظور الآيات الإلهية لنكتشف جذور هذا الشعور ونجد سبلاً لتحقيق السكينة الحقيقية. أحد أهم الأسباب التي تجعل الإنسان يشعر بالقلق رغم الرفاهية والراحة، قد ينبع من نقص أو ضعف في "التوكل على الله". يدعونا القرآن الكريم مراراً وتكراراً إلى التوكل الحقيقي والكامل على الله. فعندما نعتمد في حياتنا بشكل أساسي على الأسباب والنجاحات الدنيوية فقط، نظل دائماً قلقين من فقدانها؛ نخشى أن تزول هذه النعم، أو تتغير الظروف، أو أن تحدث أمور خارجة عن سيطرتنا. هذا القلق طبيعي، فالإنسان بطبيعته ضعيف، والقوة الحقيقية لله تعالى وحده. عندما يكون إيماننا وتوكلنا على الله قويين، ونعلم أن كل شيء بيده، وأنه يعلم خيرنا ومصلحتنا أكثر من أي أحد، يقل هذا الشعور بالتعلق والخوف من الفقدان. يقول الله تعالى في القرآن: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 51). هذه الآية تطمئننا بأن لا شيء يحدث إلا بإذن الله، وإذا كان توكلنا حقيقياً، اطمأن قلبنا. العامل الثاني هو "الغفلة عن طبيعة الدنيا الفانية والتعلق المفرط بها". يؤكد القرآن الكريم مراراً وتكراراً أن الحياة الدنيا ليست إلا لعباً ولهواً ومتاعاً قليلاً، وأن الدار الحقيقية هي الآخرة. فعندما يركز الإنسان كل همّه وجهده على جمع وحفظ متاع الدنيا، ويغفل عن الهدف الأساسي من خلقه ومصيره الأبدي، فإنه حتى في ذروة نجاحاته الدنيوية، يشعر بفراغ وقلق داخلي يسيطر عليه. هذا القلق ينبع من أن الإنسان في أعماقه يعلم أن هذه المسرات ليست دائمة وأنه سيتركها في النهاية. يقول الله تعالى في سورة الحديد الآية 20: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. هذه الآية تساعدنا على اكتساب رؤية صحيحة للحياة الدنيا، ولا ندع التعلق المفرط بها يسلب منا سلامنا الداخلي. السبب الثالث هو "عدم كفاية الشكر والالتفات إلى النعم". أحياناً، في خضم النعم الوفيرة، بدلاً من التركيز على الشكر والامتنان لما يملك، يصبح الإنسان لا شعورياً قلقاً من فقدانها، أو يبحث باستمرار عما لا يملك. هذا الكفران بالنعم، ولو كان داخلياً وغير واعٍ، يمكن أن يؤدي إلى سلب الطمأنينة. يقول الله تعالى في سورة إبراهيم الآية 7: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. الشكر لا يزيد النعم فحسب، بل يملأ القلب بالرضا والقناعة، ويقلل من المخاوف والقلق غير المبرر. الرابع وربما الأهم في معالجة هذا النوع من القلق هو "ذكر الله". يوضح القرآن الكريم صراحة أن الطمأنينة الحقيقية للقلوب لا تكون إلا بذكر الله. ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28). عندما لا يغفل الإنسان عن ذكر الله حتى في ذروة نجاحاته الدنيوية، فإنه يقيم صلة لا تنفصم بمصدر السلام الأبدي. هذا الذكر يمكن أن يشمل الصلاة، تلاوة القرآن، الدعاء، التسبيح، وأي عمل يذكر القلب بالله. ذكر الله يجعل الإنسان يخرج من التركيز المحض على الدنيا ويوجه نظره نحو الأبدية وقدرة الله اللامتناهية، وبالتالي يتلاشى الخوف من الفقدان والقلق من المستقبل. وأخيراً، قد يكون هذا الشعور بالقلق "امتحاناً إلهياً". فالراحة والرخاء، مثل الشدائد، هي ابتلاءات من الله ليختبر مدى شكر الإنسان، صبره على النعم، ومدى تعلقه بالدنيا. في سورة الحديد الآية 23، يقول الله: ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. هذه الآية تعلمنا أن نحافظ على توازننا العاطفي، سواء في أوقات الشدائد والخسائر، أو في أوقات الراحة واستقبال النعم. فلا نحزن كثيراً على ما فاتنا، ولا نفرح كثيراً بما أوتينا بغرور وتكبر. هذا التوازن والاعتدال في المشاعر علامة على كمال الإيمان والتوكل، وهو بحد ذاته يمنع القلق غير المبرر. إذاً، هذا القلق الذي تشعر به هو فرصة للتأمل العميق في علاقتك بالله، وإعادة تقييم مدى تعلقك بالدنيا، وتعزيز الأبعاد الروحية في حياتك. بزيادة التوكل، والمداومة على ذكر الله، وتعزيز روح الشكر، والفهم الصحيح لطبيعة الدنيا والآخرة، يمكنك تحويل هذا القلق إلى سلام دائم وطمأنينة عميقة. هذه الطمأنينة هي هبة من الله تملأ قلوب المؤمنين بالسكينة في جميع الظروف، سواء في الشدة أو الرخاء.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

كان هناك ملك غني وقوي، جلس ذات يوم في قصره. وعلى الرغم من أنه يمتلك كل شيء، إلا أنه كان قلقاً باستمرار من فقدان شيء ما أو أن يغلبه منافس. كان يعيش في قلق دائم ولم يعرف السلام الحقيقي قط. في نفس المدينة، عاش درويش بسيط القلب لا يمتلك مالاً ولا مكانة، ولكنه كان دائماً مبتسماً وذو قلب مطمئن. تعجب الملك من حال الدرويش واستدعاه وسأله: "يا درويش، أنا بكل هذا الثراء والسلطة، أعيش دائماً في قلق وخوف، بينما أنت، على الرغم من حياتك البسيطة، سعيد وخالٍ من الهموم! ما سر هذا السلام؟" أجاب الدرويش بابتسامة لطيفة: "يا ملك، الفرق يكمن هنا؛ أنت قلق من فقدان الأشياء التي تملكها، أما أنا فليس لدي ما أفقده. قلبي متعلق بالله، فكل ما هو موجود منه، وكل ما ليس موجوداً فبسبب حكمته. التعلق بالدنيا هو جذر الهموم، والتخلي عنه هو نبع السلام." تأثر الملك كثيراً بكلمات الدرويش الحكيمة وأدرك أن السلام الحقيقي يكمن في الاستغناء عن الدنيا والتوكل على الله، وليس في امتلاكها.

الأسئلة ذات الصلة