مقاومة النصيحة الدينية تنبع من الكبر، الغفلة، اتباع الهوى، الجهل، والتجارب السلبية السابقة. التغلب عليها يتطلب التواضع، التفكر، مجاهدة النفس، وطلب العلم لفتح القلب للهداية.
إن الشعور بالدفاعية أو المقاومة تجاه النصيحة الدينية هو ظاهرة إنسانية عميقة الجذور في علم النفس والطبيعة البشرية. القرآن الكريم، ببصيرته العميقة في أحوال الإنسان الداخلية، لا يشير مباشرة إلى مصطلح «الدفاعية»، ولكنه يتناول الحالات والدوافع التي يمكن أن تؤدي إلى هذه المقاومة. فهم هذه الجذور هو الخطوة الأولى للتغلب على هذا الشعور وفتح القلب نحو الهداية الإلهية. أحد أهم أسباب هذه المقاومة هو «الكبر» أو التكبر والتعالي. فالإنسان الذي يعاني من الكبر يرى نفسه أعلى من أن يحتاج إلى نصيحة من الآخرين، حتى لو كانت من الله ورسوله. هذه الحالة هي نفسها التي منعت إبليس من السجود لآدم وأبعدته عن رحمة الله. في القرآن، يشير الله مرارًا وتكرارًا إلى مصير المتكبرين ويوضح أنهم يُحرمون من فهم آيات الله. قلب المتكبر ينغلق على الحقيقة، ولا يمكن لنور الهداية أن يخترقه. تخيل إنسانًا يرى نفسه عالمًا مطلقًا، كيف يمكنه أن يقبل معرفة من شخص يدعوه إلى شيء لم يصل إليه بعد؟ هذه العقبة النفسية تشكل سدًا منيعًا أمام قبول النصيحة الدينية. سبب آخر هو «الغفلة» أو عدم الوعي والإهمال لحقيقة الحياة. ففي كثير من الأحيان، يغرق الإنسان في الأمور الدنيوية والملذات الزائلة بحيث لا يجد فرصة للتأمل في المعنى الأعمق للوجود وهدف الخلق. النصيحة الدينية غالبًا ما تذكر بالهدف الأساسي للحياة، وهو العبودية والعودة إلى الله. فالشخص الذي يعيش في غفلة يرى هذه التذكيرات مزعجة لملذاته وانشغالاته، وبالتالي، بدلًا من القبول، يقاومها. هذه الحالة تشبه المريض الذي يرفض سماع تعليمات الطبيب بالامتناع عن بعض الأمور والعلاج، بسبب رغبته في الاستمرار في عاداته غير الصحية. يحذر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا الإنسان من الغفلة ويدعوه إلى التفكر في آيات الله وعلامات قدرة الله في الآفاق والأنفس، حتى يستيقظ من نوم الغفلة. في الحقيقة، النصيحة الدينية هي محاولة لإيقاظ الإنسان من هذه الغفلة، والمقاومة لها هي نوع من الإصرار على البقاء في هذه الحالة من عدم الوعي. «اتباع الهوى» والميول الداخلية هو سبب آخر للشعور بالدفاعية. تدعو العديد من التعاليم الدينية الإنسان إلى التحكم في رغباته النفسية، والالتزام بالحدود، والامتناع عن الملذات المحرمة. إذا كان الفرد معتادًا على اتباع أهوائه وتفضيل الملذات الفورية على السعادة الأخروية، فمن الطبيعي أن يشعر بالضيق والمقاومة تجاه النصيحة التي تدعوه إلى التقييد وضبط النفس. النفس الأمارة بالسوء تأمر الإنسان بالشر باستمرار وتتمرد على كل ما يمنعها من الملذات العابرة. يحذر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا من خطر اتباع الهوى ويعتبره مضلًا عن طريق الحق. مواجهة هذه الميول تتطلب جهادًا أكبر، والشعور بالدفاعية تجاه النصيحة هو في الواقع نوع من الاستسلام لأهواء النفس. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون «الجهل» وعدم الوعي بعمق وحكمة التعاليم الدينية عاملًا في المقاومة. في بعض الأحيان، يتصور الفرد أن التعاليم الدينية هي مجرد مجموعة من الأوامر والنواهي التي تقيد حريته، بينما في الواقع، صُممت هذه التعاليم لتحقيق السعادة الحقيقية وتحرير الإنسان من القيود النفسية. عندما لا يدرك المرء حكمة وفلسفة الأحكام، قد ينظر إليها بسطحية وغير كاملة، ويشعر أن هذه النصائح غير منطقية أو حتى ضارة. يشير الله في القرآن الكريم إلى أهمية العلم والمعرفة ولا يسوي بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون. البحث عن العلم والتفكير في آيات الله يمكن أن يساعد في تنوير القلب وإزالة الجهل. أحيانًا، يمكن أن تكون «التجارب السلبية السابقة» مع الأشخاص المتدينين أو الأساليب الخاطئة في إعطاء النصيحة سببًا لهذا الشعور بالدفاعية. إذا كان الفرد قد واجه في الماضي أشخاصًا نصحوه بقسوة أو بغطرسة أو بدون حكمة، فقد تخلق هذه التجارب السلبية حاجزًا نفسيًا ضد أي نصيحة دينية، حتى لو جاءت من شخص مخلص ومهتم. هذا يدل على أن أسلوب إعطاء النصيحة له أهمية قصوى. يدعو القرآن الكريم الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى اللين والرحمة في دعوة الناس، ويذكر أنه لو كان فظًا غليظ القلب لانفضوا من حوله. لذا، على الرغم من أن هذا السبب لا يرتبط مباشرة بمحتوى الدين، فإن تأثيره على كيفية قبول النصيحة لا يمكن إنكاره. أخيرًا، تلعب «الوساوس الشيطانية» دورًا هامًا أيضًا. فالشيطان يتربص دائمًا لإبعاد الإنسان عن طريق الحق. يحاول منع الناس من قبول الهداية الإلهية من خلال خلق الشكوك، والإغراء، وبث الخوف من القيود، وغرس شعور بالاستغناء عن الله. إن الشعور بالدفاعية تجاه النصيحة الدينية يمكن أن يكون أحد النتائج الناجحة لوساوس الشيطان، حيث يهدف إلى تعمية قلب الإنسان عن نور الحقيقة. يحذر الله مرارًا وتكرارًا في القرآن من اتباع خطوات الشيطان ويعتبره عدوًا مبينًا للإنسان. للتغلب على هذا الشعور بالمقاومة، يقدم القرآن حلولًا: «التواضع» أمام الحق، «التفكر» والتدبر في آيات الله، «جهاد النفس» للتحكم في الأهواء، «طلب العلم» لإزالة الجهل و«الاستعاذة» من شر الوساوس الشيطانية. إن قبول النصيحة الدينية يعني الاستسلام للحق وفتح القلب لنور الهداية الذي يؤدي في النهاية إلى السكينة، والنمو الروحي، والسعادة الأبدية. بدلًا من اعتبار النصيحة هجومًا أو قيدًا، يمكن اعتبارها هدية من التعاطف والإرشاد نحو الخير.
في قديم الزمان، كان هناك ملك يتمتع بمستشارين حكماء. وكان أحد هؤلاء المستشارين ينصحه باستمرار بالعدل والإنصاف وتجنب الأنانية. الملك، الذي كان يتملكه أحيانًا غرور السلطة، كان يعبس في البداية عند سماع هذه النصائح، ويقول لنفسه: «أنا أعرف أمور مملكتي جيدًا ولا أحتاج إلى مثل هذه الكلمات!» ولكن المستشار، بلطف وثبات، كان يكرر نصائحه، ليس بقسوة بل بحكمة وأمثلة لطيفة. في أحد الأيام، واجه الملك مشكلة عظيمة لم يجد لها حلًا. في تلك الليلة، بقلب مضطرب، تذكر كلمات المستشار الذي دعاه مرارًا إلى التواضع والاستماع إلى نصيحة أهل الحكمة. قال لنفسه: «ربما هذه المرة، منعني كبريائي عن الطريق الصحيح.» في صباح اليوم التالي، استدعى الملك المستشار واستمع إلى كلماته بقلب مفتوح. قدم المستشار بهدوء حلًا حكيمًا كان قد غاب عن عيني الملك. بعد حل المشكلة، أدرك الملك أن مقاومته للنصيحة لم تكن بسبب الحكمة بل بسبب الغرور، ومنذ ذلك الحين، أصغى بقلب واعٍ لكل نصيحة صادقة، وحقق سلامًا ونجاحًا أكبر. نعم، أصبح قلب الملك كحديقة روتها أمطار النصيحة فأثمرت.