لماذا أشعر باليأس على الرغم من إيماني؟

اليأس رغم الإيمان، غالباً ما ينبع من الابتلاءات الإلهية، أو إهمال ذكر الله، أو التعلق المفرط بالدنيا. يقدم القرآن حلولاً مثل الصبر والذكر والتوبة والشكر للتغلب على هذه الحالة، مما يقود القلب إلى الطمأنينة الحقيقية.

إجابة القرآن

لماذا أشعر باليأس على الرغم من إيماني؟

الشعور باليأس أو نوع من الفتور الروحي، وهي حالة تُعرف في الفارسية بـ 'دل‌مردگی'، هو أمر شائع، حتى بين أولئك الذين يمتلكون إيماناً قوياً. القرآن الكريم لا يصف هذه الحالة مباشرة بـ 'اليأس' بالمعنى النفسي الحديث، ولكنه يتناول بوضوح الحالات الروحية للإنسان، تحديات الحياة، وسبل التغلب على الحزن واليأس. غالباً ما تنبع هذه الحالات من مزيج من العوامل الداخلية والخارجية التي تتحدى إيماننا وتتطلب فهماً أعمق للتعاليم القرآنية لتجاوزها. يُعلمنا القرآن أن الدنيا دار ابتلاء، وحياة المؤمن مليئة بالاختبارات. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 155: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾. هذه الآية توضح بجلاء أن الابتلاءات جزء لا يتجزأ من مسار الحياة الإيمانية. يمكن أن تكون هذه الابتلاءات مالية، أو جسدية، أو نفسية، أو حتى فقدان أحباء. الهدف من هذه الابتلاءات ليس العقاب، بل رفع الدرجات، وتطهير الذنوب، وتقوية الإيمان. قد يحدث اليأس في هذه المراحل بسبب ثقل الابتلاء أو عدم فهم الحكمة الإلهية. في مثل هذه الظروف، يوصي القرآن بالصبر والثبات، فالله مع الصابرين، وإن مع العسر يسرا. هذا الفهم بأن كل شدة تحمل حكمة خفية يمكن أن يساعد في تقليل اليأس ويعطي نظرة متفائلة للمستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد العوامل الرئيسية للسكينة ورفع اليأس هو ذكر الله. يوضح القرآن الكريم بوضوح أن اطمئنان القلوب يكون بذكر الله. في سورة الرعد، الآية 28 يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. على الرغم من أننا نؤمن، قد نغفل في الممارسة عن ذكر الله أو يكون ذكرنا مجرد لفظ لا يصل إلى أعماق القلب. يمكن أن يكون اليأس علامة على أن قلبنا قد حُرم من غذائه الأساسي وهو ذكر الله. تلاوة القرآن بتدبر، والذكر الدائم، والصلاة بقلب خاشع، والدعاء الخالص، كلها طرق لملء هذا الفراغ الروحي وتجديد القوى الإيمانية. نسيان الهدف الأساسي للحياة والانغماس في أمور الدنيا يمكن أن يؤدي أيضاً إلى اليأس. يشير القرآن مراراً إلى الطبيعة الفانية للدنيا وأهمية الآخرة. في سورة الحديد، الآية 20 يقول تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. إذا كانت كل همومنا ومشاغلنا هي الدنيا ونجاحاتها الزائلة، وتعلقت قلوبنا بممتلكاتنا، فإن أي فشل أو خسارة يمكن أن تصيبنا بيأس شديد. هنا يأتي تذكيرنا بحقيقة الدنيا والتركيز على الأهداف الأخروية ليغير نظرتنا ويجلب لنا سلاماً داخلياً أعمق. بالإضافة إلى ذلك، فإن الذنوب والتقصيرات يمكن أن تثقل كاهل الإنسان وتسبب له ضيقاً ويأساً. كل ذنب، حتى لو كان صغيراً، يترك أثراً على الروح والنفس. يؤكد القرآن بشدة على أهمية التوبة والاستغفار. العودة إلى الله وطلب المغفرة منه، لا تمحو الذنوب فحسب، بل ترفع حملاً ثقيلاً عن الروح وتعيد النضارة والحيوية إلى القلب. أحياناً يكون اليأس ناتجاً عن نقص الشكر. عندما يركز الإنسان على ما ينقصه ويغفل عن نعم الله التي لا تحصى، يسيطر عليه شعور بالنقص وعدم الرضا. يقول القرآن الكريم في سورة إبراهيم، الآية 7: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. الشكر لا يزيد النعم فحسب، بل يغير نظرة الإنسان لتصبح إيجابية ويحرره من قيود اليأس. في الختام، يجب القول إن الإيمان درع ضد اليأس المطلق، لكنه لا يعني نفي المشاعر السلبية تماماً. بل الإيمان يمنحنا الأدوات والحلول لمواجهة هذه المشاعر، وإدارتها، وتجاوزها. تشمل هذه الأدوات الصبر، والصلاة، وتلاوة القرآن، وذكر الله، والتوبة، والشكر، والتفكر في الحكمة الإلهية. هذه كلها أعمدة يمكن أن تحافظ على قلب المؤمن في مواجهة تقلبات الحياة، وفي النهاية، يحقق السكينة والاطمئنان الحقيقيين. يمكن أن يكون اليأس تذكيراً بأننا بحاجة إلى تعميق علاقتنا بالله والعودة إليه. هذا بحد ذاته فرصة للنمو الروحي وتقوية الإيمان. دعونا نتذكر أن الله لا يترك عباده أبداً في الشدائد، ودائماً ما يضع لهم مخرجاً منها، بشرط أن نتمسك نحن أيضاً بحبل الله، ونتقدم بالتوكل والأمل.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر مؤمن وصالح فقد فجأة كل ثروته بسبب حوادث الدهر. امتلأ قلبه بالحزن والأسى، وجلس في زاوية يتنهد بعمق. جاءه صديقه، وكان رجلاً حكيماً وعارفاً، فواساه وقال: «يا أخي، لقد عشتَ عمراً من فضل الله وكرمه، والآن وقد كتب القضاء عليك هذا الحال، فلِمَ تشعر باليأس؟ ألا تعلم أن الدنيا مجرد ممر، وأن ما يبقى حقاً هو ذكر الله والعمل الصالح؟» أجاب التاجر: «يا رفيق، لدي إيمان، لكن قلبي لا يطيق خسارة كل هذا.» ابتسم الحكيم وقال: «أليس روحك أغلى من مالك، وقد حفظ الله روحك سالمة معافاة؟ أليست صحة الجسد وطمأنينة القلب كنزاً أثمن من كل الدنيا؟» عند سماع هذه الكلمات، استعاد التاجر وعيه، وسجد، وتاب من غفلته. أدرك أنه حتى في أصعب اللحظات، يمكن للإنسان أن يجد السلام الحقيقي بذكر الله والشكر على ما بقي لديه. ومنذ ذلك الحين، بدأ حياة جديدة بقلب أكثر هدوءاً وإيماناً أعمق، ولم يعد اليأس يزوره أبداً، فقد تعلم أن كل ما يأتي من الحبيب خير.

الأسئلة ذات الصلة