غالبًا ما تنشأ الصورة المخيفة للدين عن سوء الفهم، أو الأفعال المتطرفة من قبل الأفراد والجماعات، أو نقص الفهم العميق لتعاليم القرآن الأساسية. في الواقع، يؤكد القرآن على الرحمة والعدل واليسر والحرية في الإيمان، ويهدف إلى توجيه البشرية نحو السلام والسكينة.
إن الإحساس بأن صورة مخيفة للدين قد ترسخت في ذهن الإنسان هو ظاهرة شائعة يواجهها الكثير من الأفراد على مدار حياتهم. هذا الإحساس غالبًا ما ينشأ ليس بسبب جوهر الدين وطبيعته الحقيقية، بل بسبب عوامل خارجية، أو فهم خاطئ، أو تجارب سلبية، أو الأفعال غير الصحيحة لبعض الأفراد والجماعات الذين يدّعون تمثيل الدين. القرآن الكريم، وهو المصدر الأساسي والنقي للإسلام، يقدم صورة مختلفة تمامًا عما قد يكون قد رسخ في أذهان البعض كدين مخيف. في الواقع، رسالة القرآن كلها رحمة، وسكينة، وعدل، ويسر، وليست مشقة ورعبًا. أحد الأسباب الرئيسية لتكوين هذه الصورة هو السلوك المتطرف والأعمال العنيفة لبعض الجماعات التي، باسم الدين، تقوم بأفعال لا تمت بصلة إلى تعاليم الإسلام الأساسية. يدين القرآن الكريم بوضوح العنف، وقتل الأبرياء، والإكراه في الدين. لقد وصف الله تعالى نفسه في آيات عديدة بـ "الرحمن" و "الرحيم"؛ وهي صفات تظهر في بداية كل سورة تقريبًا من سور القرآن، مما يدل على جوهر الرحمة الإلهية. يقوم دين الإسلام على الحب، والشفقة، ونشر السلام والخير. لقد بُعث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) "رحمة للعالمين" (الأنبياء: ۱۰۷)، وهذا بحد ذاته يشير إلى الطبيعة العالمية والإنسانية لرسالته. لم يكن الدين أبدًا وسيلة لنشر الرعب أو فرض المعتقدات بالقوة. الآية الشهيرة "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة: ۲۵۶) توضح بجلاء أن الإيمان يقوم على حرية الإنسان واختياره، ولا يمكن إجبار أحد على التدين. هذه الآية ترسي أساس حرية المعتقد في الإسلام، وتنفي أي شكل من أشكال الإكراه أو الإجبار. عامل آخر يمكن أن يساهم في هذا التصور هو التفسيرات الخاطئة والمتشددة للنصوص الدينية. فبعض الأفراد أو التيارات، بدلاً من التركيز على روح الدين الميسرة، والرحيمة، والمتوازنة، يركزون فقط على الجوانب العقابية، والقواعد الصارمة، والتفاصيل الفقهية التي قد تسبب الإحباط والخوف. في حين أن القرآن يؤكد على التيسير ورفع الحرج: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة: ۱۸۵). تبين هذه الآية أن الغرض من الأحكام الإلهية هو تسهيل حياة الإنسان وتوجيهه نحو الكمال، وليس فرض أعباء ثقيلة لا تطاق. أحيانًا، تسهم التجارب الشخصية للأفراد مع المتدينين أو المجتمعات الدينية في تكوين هذا التصور. فإذا واجه شخص أفرادًا يحملون اسم الدين ولكنهم ليسوا أخلاقيين، أو عادلين، أو لطيفين، أو إذا واجه قوانين تبدو له غير عادلة أو خانقة (بينما قد لا يكون هناك فهم صحيح لها)، فقد يستنتج أن الدين نفسه مخيف أو غير سار. ولكن يجب الانتباه إلى أن أفعال الأفراد لا تمثل الدين بأكمله؛ فالدين من جهة دليل للحياة، ومن جهة أخرى مجموعة من المبادئ الأخلاقية والسلوكية التي تساعد الإنسان على تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة. القرآن الكريم مليء بالتعاليم حول العدل، والإحسان، والسلام، والبر، والصدق، والوفاء بالعهد، واحترام الآخرين. إن هدف الدين هو توجيه الإنسان نحو النور، والنقاء، والسكينة. الخوف من الله في القرآن يشير إلى الخوف من الغضب الإلهي بسبب العصيان وتجاوز حدود الله، وهذا الخوف يدفع الإنسان نحو التقوى (اجتناب الذنوب والسعي لمرضاة الله) وتصحيح الذات. هذا الخوف هو خوف بناء ورافع للروح، يمنع الإنسان من ارتكاب الذنوب ويوجهه نحو اكتساب الفضائل والكمالات، وليس خوفًا مشلولًا يعيق النمو والسكينة. هذا النوع من الخوف، في الحقيقة، هو نوع من الخشوع والاحترام العميق للعظمة الإلهية، مصحوبًا بالحب والأمل. المؤمن الحقيقي يتوازن دائمًا بين الخوف والرجاء؛ فمن ناحية يخشى العقاب الإلهي، ومن ناحية أخرى يضع أمله في رحمته ومغفرته. للتغلب على هذه الصورة المخيفة، الحل الرئيسي هو اكتساب المعرفة والفهم العميق والصحيح من المصادر الأصلية للدين، أي القرآن الكريم. إن دراسة وتدبر آيات القرآن بعقل منفتح وباحث يمكن أن يزيل العديد من سوء الفهم. كما أن الرجوع إلى العلماء الربانيين والمفكرين الذين لديهم فهم شامل ومتوازن للدين يمكن أن يكون مفيدًا. فالدين في جوهره ليس مخيفًا على الإطلاق، بل هو ملاذ ومصدر للسلام والأمان النفسي للإنسان. عندما يدرك الإنسان حقيقة الدين ويرى كيف يوجهه نحو النقاء والخير والصلاح، فإن تلك الصورة المخيفة ستتلاشى وتحل محلها صورة من الرحمة، والهداية، والسكينة.
يُروى أن أحد قضاة عصره كان شديد الحزم والعبوس في أحكامه، حتى أن كل من يدخل قاعة محكمته، حتى لو كان بريئًا، كان يرتجف خوفًا من هيبته وغضبه. كان الناس يتناقلون فيما بينهم، قائلين: "هذا القاضي يرى العدل من خلال الخوف والترهيب، ويحكم بسوط التهديد." ذات يوم، قال له عالم حكيم: "يا قاضي! طريق العدل لا يُفتح بالتهديد، بل بالنور والرأفة. فما فائدة أن يخاف الناس منك، لا من الظلم والخطأ؟ إن الخوف من الله يفتح الطريق نحو النور والتقوى، لا الخوف من عبده الذي هو عرضة للخطأ." توقف القاضي لحظة وتأمل، أدرك ربما أن سلوكه الخشن ومظهره الصارم لم يجعلا الدين محبوبًا فحسب، بل خلقا صورة مخيفة عنه. وفهم أن جوهر الدين هو المحبة والرحمة، لا العنف والرعب.