لماذا لا أشعر بالسكينة رغم عبادتي؟

السكينة الحقيقية تتجاوز العبادات الظاهرية؛ تنبع من الذكر الدائم لله، والأعمال الصالحة، والتوكل عليه، والصبر، والشكر. هذه الطمأنينة تكمن في علاقة قلبية عميقة وصادقة مع الله، تشمل كل جوانب الحياة وتؤمّن الروح.

إجابة القرآن

لماذا لا أشعر بالسكينة رغم عبادتي؟

الشعور بعدم السكينة والاطمئنان رغم أداء العبادات هو تجربة شائعة وعميقة يواجهها العديد من المؤمنين الصادقين. من منظور القرآن الكريم، السكينة هي حالة تتجاوز مجرد أداء الطقوس الظاهرية؛ إنها نتيجة علاقة عميقة وصادقة وشاملة مع الله تعالى، تشمل جميع جوانب حياة الإنسان. يعلمنا القرآن أن العبادة ليست مجرد مجموعة من الأفعال، بل هي أسلوب حياة وحالة قلبية متجذرة في المعرفة والتوكل والتسليم لله. إذا لم تتحقق هذه السكينة في القلب، فقد يكون ذلك مؤشرًا على أن علاقتنا بالله لم تصل بعد إلى العمق والشمول المطلوبين، أو أن هناك عوائق في هذا الطريق يجب تحديدها وإزالتها. من أهم الآيات القرآنية في هذا الصدد هي الآية 28 من سورة الرعد التي تقول: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). هذه الآية تمنحنا المفتاح الأساسي: السكينة الحقيقية للقلب لا تأتي بمجرد أداء الأعمال، بل من خلال "ذكر الله". وذكر الله هنا لا يعني فقط تكرار الأوراد والأذكار، بل يعني حضور الله الدائم في وعي الإنسان ووجدانه. هذا الحضور يشمل تذكر قوته ورحمته وحكمته وعدله في كل لحظة من لحظات الحياة. عندما يعلم الإنسان أن الله حاضر ومراقب في كل قرار، وفي كل تحدٍّ، وفي كل نعمة، ويتوكل عليه، فإن قلبه يجد السكينة. قد تكون عباداتنا قد وصلت إلى حد أداء الواجب فقط، ولكنها لم تصل بعد إلى "الذكر القلبي" و"الحضور الدائم". عندما يكون القلب في ذكر دائم لله، تتلاشى المخاوف والهموم والاضطرابات الدنيوية، لأن الإنسان يعلم أن كل ما يحدث هو ضمن إطار القدر والحكمة الإلهية. بالإضافة إلى الذكر، يؤكد القرآن على التقوى والأعمال الصالحة كأسس للسكينة. ففي سورة النحل، الآية 97، يقول تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). "الحياة الطيبة" هي في الواقع تلك السكينة والرضا الداخلي الذي ينبع من التناغم مع الفطرة الإلهية والعمل بأوامره. هذا يعني أن مجرد أداء الصلاة والصيام لا يكفي؛ بل يجب أن تكون حياتنا في جميع أبعادها – من العلاقات مع الآخرين، والأعمال التجارية، والأخلاق، وطريقة مواجهة المشاكل – مبنية أيضًا على المبادئ القرآنية والسنة النبوية. إذا ارتكبنا ذنبًا، أو ضيعنا حقوق الآخرين، أو كنا غير عادلين في علاقاتنا، فقد تسلبنا هذه العوامل السكينة، حتى لو كنا نؤدي عباداتنا الظاهرية. قلب الإنسان هو بيت الله، والذنوب كالملوثات التي تنجسه وتمنع دخول نور السكينة الإلهية. مسألة التوكل والصبر لها دور حيوي أيضًا في اكتساب السكينة. فكثير من الاضطرابات تنبع من القلق بشأن المستقبل، أو الخوف من الفشل، أو الحسرة على الماضي. القرآن يعلم المؤمنين أن بعد بذل الجهد والتدبير، يجب عليهم تسليم أمورهم لله (التوكل). في سورة الطلاق، الآية 3، نقرأ: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (ومن يتوكل على الله فهو حسبه). هذا التوكل يرفع عن الإنسان عبء الهموم الثقيلة ويربطه بمصدر لا ينضب من القوة والحكمة. كذلك، الصبر في مواجهة المصائب والتحديات، والشكر على النعم، هما ركنان أساسيان للسكينة. سورة البقرة، الآيات 155-157، توضح بجمال هذه الحقيقة أن الابتلاءات جزء من الحياة وأن جزاء الصابرين هو الهداية والرحمة والمغفرة الإلهية، وكلها تؤدي إلى السكينة الداخلية. ربما يكون عدم سكينة نفوسنا ناتجًا عن اليأس في مواجهة الصعوبات أو نكران الجميل في مواجهة النعم. بالإضافة إلى ذلك، الإخلاص في العبادة مهم جدًا. إذا أُديت العبادات للرياء، أو لجذب انتباه الآخرين، أو لمجرد العادة، فإنها ستكون خالية من الروحانية الحقيقية ولن تجلب السكينة الحقيقية. تأتي السكينة من الفهم العميق لحقيقة أن جميع أعمالنا هي فقط لرضا الله. وأخيرًا، أحيانًا يكون عدم السكينة نابعًا من أمراض نفسية تتطلب اهتمامًا وحتى مساعدة متخصصة. دين الإسلام لا يتعارض أبدًا مع اللجوء إلى المتخصصين من أجل الصحة الجسدية والنفسية، بل يشجع على ذلك. في نهاية المطاف، السكينة هي هبة إلهية تُمنح للقلوب المستعدة والنقية؛ قلوب تذكر الله في كل حال، تؤدي واجباتها، تتوكل على الله، تصبر في الشدائد وتشكر على النعم، وتتجنب الذنوب وتتوب منها. هذا المسار هو رحلة دائمة نحو "النفس المطمئنة" المشار إليها في سورة الفجر، الآيات 27-30: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي" (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي). هذه السكينة هي الغاية والهدف الأسمى للحياة الإيمانية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً ثريًا ذهب يومًا إلى عارف وقال: "يا شيخ، أنا أصلي وأصوم وأتصدق، ولكن لا أجد السكينة في قلبي، ودائماً ما أقلق بشأن أمور الدنيا." فتبسّم العارف وقال: "يا بني، أنت تسقي نفسك من الخارج، لكن جذورك جافة. هل رأيت شجرة تُغسل أغصانها بالماء بينما تبقى جذورها في التربة جافة ولا تُثمر؟ السكينة تأتي من السقي الداخلي؛ من فصل القلب عن التعلقات الدنيوية وربطه بذكر الحق. عندما يهدأ قلبك، حينها ستذوق الثمرة الحلوة للعبادة." أدرك الرجل أن العبادة ليست مجرد ظاهر، بل هي رباط قلبي دائم مع الخالق، ومنه تتدفق السكينة الحقيقية.

الأسئلة ذات الصلة