لماذا لا أشعر بالرضا عندما أقوم بفعل خير؟

مشاعرنا بعد أعمال الخير تعتمد على نيتنا وتوقعاتنا. يؤكد القرآن على الإخلاص، وأداء الأعمال لوجه الله فقط، لا للمشاعر العابرة أو مدح الناس. الثواب الحقيقي عند الله، ويؤدي إلى سكينة دائمة، حتى لو لم يتحقق شعور جيد فوري.

إجابة القرآن

لماذا لا أشعر بالرضا عندما أقوم بفعل خير؟

السؤال الذي طرحته، "لماذا لا أشعر بالرضا عندما أقوم بفعل خير؟" هو سؤال عميق ومثير للتفكير، ويتناول أحد الجوانب الدقيقة للروح الإنسانية وعلاقتها بالأعمال الصالحة. أولاً وقبل كل شيء، يجب أن ندرك أن المشاعر الإنسانية، خاصة استجابةً لأعمالنا، يمكن أن تكون معقدة، ومتغيرة، وغير متوقعة في بعض الأحيان. على الرغم من أن القرآن الكريم لم يتناول مباشرة موضوع "عدم الشعور بالرضا" بعد القيام بفعل خير، إلا أنه يضع مبادئ أساسية تساعدنا بشكل كبير في فهم هذه الظاهرة وكيفية التعامل معها. تركز هذه المبادئ في المقام الأول على النية، والإخلاص، والهدف النهائي من أداء الأعمال الصالحة، ويمكن أن يؤدي فهمها إلى استبدال المشاعر العابرة بسكينة عميقة وأكثر ديمومة. أهمية النية الصادقة والإخلاص في العمل: أساس وبناء كل عمل خير في الإسلام هو النية الصادقة. يؤكد القرآن مراراً وتكراراً أن أعمالنا يجب أن تكون فقط لكسب رضا الله، وليس لكسب إعجاب الناس، أو تحقيق الشهرة، أو الحصول على مكافآت مادية فورية، أو حتى مجرد "شعور جيد" فوري داخلي. في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى بوضوح: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ". توضح هذه الآية بشكل جلي أن المحور الأساسي للعبادة والأعمال الصالحة هو الإخلاص. إذا كانت نيتنا نقية وخالصة لوجه الله، فإن نتيجة العمل - سواء كانت دنيوية أو أخروية - تكون عند الله، ويجب ألا تكون مشاعرنا هي المعيار الأساسي لنجاح العمل أو قبوله أو قيمته. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون عدم الشعور بالرضا إشارة إلى أن عقلنا الباطن كان يسعى وراء مكافأة بخلاف رضا الله، أو ربما تذكيرًا لنا بأن لا نعتمد على المشاعر العابرة، بل أن نركز على المبادئ الثابتة التي وضعها الله لنا. تجنب الرياء والسمعة وتأثيرهما على السلام الداخلي: مفهوم أساسي آخر في القرآن هو تجنب الرياء (إظهار العمل لجذب انتباه الآخرين) والسمعة (أداء العمل ليُسمع به ويكتسب شهرة). هذه آفة الأعمال الصالحة التي يمكن أن تبطل أجر العمل ومكافأته، بل وتحرم الإنسان من السلام الداخلي الحقيقي. في سورة البقرة، الآية 264، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ". توضح هذه الآية أن حتى عملًا خيرًا عظيمًا مثل الصدقة، إذا رافقته نية الرياء، يصبح باطلاً. عندما يتم العمل فقط ليُرى من قبل الناس، فإن الاعتماد على ردود أفعالهم يصبح أمرًا حتميًا؛ فإذا كان رد الفعل إيجابيًا، فقد ينشأ شعور جيد، ولكن إذا كان غائبًا أو سلبيًا، فسيتبعه شعور سيء. لذلك، إذا لم تشعر بالرضا بعد عمل الخير، فقد يكون هذا تحذيراً داخلياً بضرورة مراجعة نيتك والتأكد من أن عملك خالص لوجه الله. عندما لا نتوقع مدحًا دنيوياً أو شعورًا جيدًا فوريًا، فإن عدم تلقي ذلك لا يخيب أملنا أو يحزننا، لأننا نتطلع إلى مكافأة حقيقية وأكثر ديمومة. الثواب الحقيقي عند الله وطبيعته: يعلمنا القرآن أن الثواب الحقيقي للأعمال الصالحة عند الله، وقد لا يتجلى هذا الثواب في شكل شعور فوري وعابر، بل في شكل سكينة داخلية عميقة، أو بركات غير محسوسة في الحياة، أو الأهم من ذلك، في ثواب الآخرة. في سورة الإنسان، الآية 9، نقرأ: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا". تجسد هذه الآية قمة الإخلاص والتجرد في أداء الأعمال الخيرية. عندما يؤدي الإنسان عملاً لله دون أي توقع، حتى دون توقع شعور شخصي جيد أو شكر من الناس، فإن هذا هو قمة العبودية والتسليم. الشعور الجيد الحقيقي والمستمر هو الطمأنينة التي تنبع من رضا الله، وليس من رضا النفس أو الرغبات العابرة. قد لا تظهر هذه الطمأنينة فوراً بعد العمل، ولكنها تتوطد في نفس الإنسان مع مرور الوقت وازدياد التقوى واليقين والتوكل على وعود الله. هذا السلام الداخلي أعمق بكثير وأكثر ديمومة من أي شعور ممتع لحظي. أسباب محتملة لعدم الشعور بالرضا وحلول قرآنية: يمكن أن تؤدي عدة أسباب إلى غياب الشعور بالرضا بعد عمل الخير، وغالباً ما تنبع من فهم خاطئ للنية أو المكافأة: 1. توقع المكافأة الفورية والمادية: أحياناً، نتوقع لا شعورياً رؤية مكافأة فورية أو تأثير إيجابي في حياتنا أو مشاعرنا بعد عمل الخير. عندما لا يحدث ذلك، نشعر بالإحباط. 2. عدم كفاية الإخلاص في النية: قد يكون هناك أثر خفي للرياء، أو حب الظهور، أو السعي وراء انتباه الناس ومدحهم في أعماق نيتنا، مما يمنع ظهور الطمأنينة الحقيقية والمتعة الروحية. 3. الثواب الإلهي المخفي: الثواب الإلهي ليس دائماً مادياً أو محسوساً؛ العديد منه يتجلى في شكل بركات روحية، ودفع للبلاء، وتيسير للأمور، أو سكينة قلبية، والتي قد لا تكون محسوسة على الفور. 4. الابتلاء الإلهي: قد يبتلي الله عباده ليقيس مدى إخلاصهم وثباتهم في فعل الخير، حتى لو لم ينتج عن ذلك شعور فوري بالرضا. هذه الابتلاءات تهدف إلى رفع درجة إيمان الإنسان وتقواه. 5. الذنوب الأخرى وإهمال الواجبات: في بعض الأحيان، يمكن أن يكون ثقل الذنوب الأخرى أو إهمال الواجبات الإلهية الأخرى حجاباً يمنع من إدراك المتعة الروحية لعمل الخير. 6. المشكلات الصحية النفسية/الجسدية: أحياناً، ينبع غياب المشاعر الجيدة من مشاكل صحية نفسية أو جسدية لا علاقة لها بطبيعة العمل الخيري نفسه وتحتاج إلى اهتمام وعلاج متخصص. لمواجهة هذا التحدي، يقدم القرآن حلولاً عملية وروحية: * مراجعة النية: قبل أي عمل، أخلص نيتك لله. تخيل أنه لا أحد غير الله يرى عملك، ولا تهمك أي مكافأة سوى رضاه. * الصبر والمثابرة: كن صبوراً في أداء الأعمال الصالحة ولا تتوقع مكافآت دنيوية فورية أو مشاعر عابرة. الثواب الأساسي والدائم في الآخرة. * التفكر في آيات الثواب الإلهي: انتبه أكثر لآيات القرآن التي تتحدث عن ثواب الآخرة وعظمة الأعمال الصالحة لوجه الله. هذا التأمل يساعدك على تحويل تركيزك من النتائج الدنيوية إلى النتائج الأخروية والدائمة. * تزكية النفس ومجاهدتها: جاهد نفسك التي تميل إلى الظهور والمدح والمكافأة الفورية، ودربها على طلب رضا الله وحده. * التوكل على الله: فوّض أمر عملك إلى الله، وكن واثقاً بأن الله قد أعد أفضل الثواب للأعمال الخالصة ولا يضيع أجر المحسنين. السلام الحقيقي يكمن في التوكل والتسليم للإرادة الإلهية. في الختام، المهم هو أن تستمر في طريق فعل الخير، حتى لو لم يأتيك شعور جيد فوري. قيمة العمل تكمن في إخلاصه وقربه من الله، وليس في مشاعرنا العابرة والمتغيرة. الطمأنينة الحقيقية تكمن في التسليم الكامل للإرادة الإلهية والقيام بما أمر به. هذه الطمأنينة، التي تنتج عن الطاعة والثقة بالرب، أعمق بكثير وأكثر ديمومة من أي شعور جيد ينتج عن الإقرار أو المكافأة الدنيوية، وتجلب قلباً مطمئناً وراضياً.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في إحدى الديار، عاش رجلان متجاوران: أحدهما درويش بقلب منير، والآخر رجل ثري يسعى للشهرة. كان الرجل الثري، كلما قام بعمل خير، يبتغي الثناء والشكر من الناس. وإذا لم يثنِ عليه أحد، كان يشعر بالضيق ويندم على فعله، لأنه كان ينتظر مكافأة بخلاف الرضا الداخلي. أما الدرويش، بعيداً عن أعين الناس، فكلما قام بعمل خير ومد يد العون لمحتاج، كان يجلس في زاوية ويتأمل فقط في رضا ربه. لم يكن ينتظر شكراً ولا ثناءً. وعندما سُئل: "لماذا مع كل إحسانك هذا، لا تطلب أبدًا مدحًا من أحد، وعلى الرغم من أنك لا ترى ظاهريًا أي أجر أو تقدير من الناس، لا تزال تفعل الخير بحماس؟" أجاب: "أنا أطلب الثمرة التي تنمو في بستان رضا الحق، لا الورقة اليابسة التي تذبل على غصن ثناء الخلق. الشعور الجيد الذي تبحثون عنه، هو كعبير الزهرة الذي يزول سريعاً؛ أما طمأنينة القلب التي تأتي من الإخلاص، فهي كجذور الشجرة التي تبقى ثابتة في أعماق التربة وتعطي ثماراً خالدة. أنا راضٍ برؤية وجه الحبيب، لا بسماع صوت الغرباء." وهكذا كان الدرويش، على الرغم من المصاعب الظاهرية، يمتلك قلباً مليئاً بالسكينة ويتذوق الطعم الحقيقي للاطمئنان، بينما كان الرجل الثري، على الرغم من جميع أعماله التي تبدو خيرة، مضطرباً من الداخل ولم يتذوق أبداً جوهر السلام الحقيقي.

الأسئلة ذات الصلة