لماذا أقلّ من ذكر الله في حياتي؟

غفلة الإنسان عن ذكر الله غالبًا ما تنبع من الانشغال بالدنيا، ووساوس الشيطان، وقسوة القلب. للتغلب على ذلك، يجب على المرء أن يعطي الأولوية الواعية للذكر والعبادة، مستفيدًا من النعم الإلهية لتحقيق الطمأنينة الحقيقية.

إجابة القرآن

لماذا أقلّ من ذكر الله في حياتي؟

سؤالك هذا من أعمق الأسئلة وأكثرها جوهرية التي قد يواجهها الإنسان في رحلته الروحية. إنها طبيعة إنسانية أن تتغافل عقولنا عن ذكر خالق الوجود في زحمة الحياة اليومية وتعقيداتها. القرآن الكريم قد تناول هذه الظاهرة بجمال ودقة، وقدم حلولاً للتغلب عليها. مفهوم «الغفلة» في القرآن ليس بمعنى الكفر، بل يعني الإهمال وعدم الانتباه للحقيقة الوجودية والهدف الأسمى للحياة، وهي الحالة التي تجعل الإنسان يبتعد عن ذكر الله. أحد الأسباب الرئيسية لهذه الغفلة هو انجذاب الإنسان لزخارف الحياة الدنيا ومفاتنها. يحذر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا البشر من أن لا تلهيهم لذات هذا العالم الفاني وزينته عن هدف خلقهم الأصلي وذكر ربهم. المال والثروة، الأبناء، المناصب والجاه، الترفيه والتسلية، كلها يمكن أن تصبح أدوات للنسيان إذا تعلّق قلب الإنسان بها وأصبحت أولويته الرئيسية. في سورة المنافقون، الآية 9، يقول الله تعالى صراحة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾؛ أي: «يا أيها الذين آمنوا، لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون حقًا.» هذه الآية توضح بجلاء أن التعلق المفرط بأمور الدنيا هو من أكبر العوائق في سبيل ذكر الله. سبب آخر هو دور وساوس الشيطان. الشيطان هو عدو الإنسان المبين ويسعى دائمًا لإضلال الإنسان عن طريق الحق وذكر الله. إنه يزين المعاصي، ويكبر لذات الدنيا الفانية، ويخلق الخوف من المستقبل أو يوسوس بالآمال الطويلة، فيشغل الإنسان بنفسه لكي يبتعد عن الذكر والاهتمام بالله. يشير القرآن الكريم في آيات متعددة إلى خدع الشيطان ويحذر المؤمنين من أن يكونوا يقظين أمام وسوساته. إنه يحاول محو ذكر الله من قلب الإنسان ودفعه نحو النسيان. قسوة القلب هي أيضًا من الأسباب التي يشير إليها القرآن. تكرار الذنوب، الابتعاد عن مجالس الذكر والعلم، وعدم التفكر في آيات الله وعلامات قدرته في الخلق، يمكن أن يجعل قلب الإنسان قاسيًا وغليظًا. والقلب القاسي لا يعود قابلاً لنور الهداية وذكر الله. في سورة الزمر، الآية 22، يقول الله تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾؛ أي: «أفمن وسع الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه؟ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك في ضلال مبين.» هذه الآية توضح أن قسوة القلب هي عائق كبير لذكر الله. كما أن عواقب الغفلة عن ذكر الله قد بيّنها القرآن. فمن يعرض عن ذكر الله، تكون حياته ضيقة وصعبة، ويُحشر يوم القيامة أعمى. هذا الضيق والصعوبة لا يعنيان بالضرورة نقصًا ماديًا، بل يعنيان غياب السلام الداخلي، الشعور بالفراغ، التيه، وغياب البركة في الحياة. فذكر الله هو الذي يطمئن القلوب ويهدي إلى الصراط المستقيم. إذا سُلب هذا السلام من الإنسان، فلن يشعر بالسعادة حتى لو توفرت له جميع الإمكانيات المادية. للتغلب على هذا النسيان وتقوية ذكر الله في الحياة، يقدم القرآن حلولاً عملية: الخطوة الأولى والأهم هي «العزم» والإرادة الواعية. يجب على المرء أن يلزم نفسه بالذكر الدائم. «الذكر الكثير» هو أحد التوصيات الرئيسية في القرآن. يمكن أن يشمل هذا الذكر تلاوة القرآن، الصلوات الخمس بقلب خاشع، الدعاء والمناجاة، التسبيحات، وكل ما يذكر الإنسان بعظمة الله ورحمته. ثانيًا، «التفكر والتدبر» في الآيات الآفاقية والأنفسية، أي علامات الله في الخلق وفي وجود الإنسان نفسه. كل نظرة للطبيعة، وكل فكر في تعقيد الخلق، يمكن أن يكون نافذة نحو ذكر الله. ثالثًا، «الصحبة الصالحة» ومجالسة من هم أهل ذكر الله. فمصاحبة هؤلاء الأشخاص تدفع الإنسان نحو الخير وذكر الله وتبعده عن الغفلة. في سورة الكهف، الآية 28، يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾؛ أي: «واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تصرف عنهم عينيك لتبتغي زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره مفرطًا.» هذه الآية تؤكد على ضرورة مرافقة الذاكرين وأهل ذكر الله والابتعاد عن الغافلين. رابعًا، «التوبة والاستغفار المستمر». فتنقية القلب من أدران الذنوب تمهد الطريق لدخول النور الإلهي وذكر الله. خامسًا، «زيادة العلم والمعرفة» بالله وتعاليم الدين. فكلما تعمق علم الإنسان، ازداد حبه وشوقه لذكر الله. تذكر أن هذا الطريق يحتاج إلى صبر ومثابرة. إن الله مستعد دائمًا لقبول التائبين والباحثين عن الهداية، وبجهد واعٍ، يمكننا أن نجعل حضور الله أكثر وضوحًا في كل لحظة من حياتنا ونختبر السلام الحقيقي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري يعيش في مدينة شيراز، وقد كان كل وجوده مكرسًا لعمله وجمع المال. كانت الأيام تشغله لدرجة أنه بالكاد يجد وقتًا للصلاة أو ذكر الله. من الفجر حتى الغسق، كان في السوق، وتقضي الليالي غارقًا في الحسابات. في أحد الأيام، مر درويش عارف ومسن بجانب دكانه. قام التاجر، من باب العادة، بدعوة الدرويش للجلوس. جلس الدرويش بابتسامة لطيفة وسأل: «أيها التاجر الحكيم، أتعلم أين يكمن الكنز الحقيقي؟» أشار التاجر بفخر إلى دكانه المليء بالبضائع. قال الدرويش: «هذه كلها فانية. أنا أعرف كنزًا لا يسرقه لص، ولا يحرقه نار، ولا يهدمه سيل؛ ذلك الكنز هو سلام القلب الذي يأتي من ذكر الله وطاعته. أنت تبذل كل هذا الجهد لجمع مال الدنيا الزائل، فلماذا لا تخصص وقتًا لاكتساب كنز أبدي لا يفنى أبدًا؟» لامس كلام الدرويش قلب التاجر. غرق في التفكير، ومنذ ذلك الحين، إلى جانب سعيه لكسب العيش، خصص جزءًا من وقته لذكر الله والعبادة. لم يمض وقت طويل حتى أدرك التاجر أن سلامًا عميقًا قد فاض في داخله لم تستطع أي ثروة أن تشتريه، وأصبحت حياته أكثر بركة.

الأسئلة ذات الصلة