لماذا أتهرب من بعض آيات القرآن؟

التهرب من بعض آيات القرآن غالبًا ما ينبع من مقاومة النفس للتغيير، ووساوس الشيطان، والتعلق بالدنيا، والخوف من المسؤولية. يمكن التغلب على هذه العقبات بالتدبر العميق وتزكية النفس والاستعاذة بالله، ليتبين بذلك عمق حكمة الآيات.

إجابة القرآن

لماذا أتهرب من بعض آيات القرآن؟

إن الشعور بالتهرب أو عدم الرغبة في التدبر العميق في بعض آيات القرآن الكريم هو تجربة قد يواجهها الكثير من سالكي طريق الحق والباحثين عن الحقيقة. هذا الأمر ليس بالضرورة علامة على ضعف الإيمان المطلق، بل هو انعكاس لتعقيدات النفس البشرية والتحديات الكامنة في مسار تزكية الذات. القرآن هو كلام الله؛ كلام لا يقتصر دوره على الهداية فحسب، بل هو أحيانًا مرآة تعكس لنا عيوبنا ونقائصنا. فعندما تتعارض آية مع ميولنا النفسية، أو عاداتنا الراسخة، أو حتى معتقداتنا الخاطئة، قد نقاومها لا شعوريًا أو نتهرب من مواجهتها بعمق. هذا التهرب يمكن أن يكون متجذرًا في عدة عوامل قرآنية ونفسية، والتي سنتناولها بالتفصيل. أحد الأسباب الرئيسية لهذه المقاومة يعود إلى فطرة وطبيعة النفس البشرية (النفس الأمارة بالسوء). فبطبيعتها، تميل النفس البشرية إلى الراحة، والملذات العاجلة، والتهرب من المسؤوليات والتحديات. القرآن الكريم، بصفته كلام الهداية الإلهية، يدعو الإنسان غالبًا إلى تزكية النفس، والتضحية، والعفو، ومواجهة هوى النفس، وقبول المسؤوليات تجاه الخالق والمخلوق. هذه الدعوات، التي تتعارض أحيانًا مع رغبات الإنسان النفسية، يمكن أن تؤدي إلى نوع من المقاومة الداخلية. على سبيل المثال، الآيات التي تشير إلى وجوب دفع الزكاة، أو النهي عن الغيبة، أو ضبط الغضب، أو الالتزام بحدود الله في العلاقات الاجتماعية والفردية، قد تبدو ثقيلة وغير محبذة للنفس التي اعتادت على حب المال، أو حرية الكلام المطلقة، أو التحرر من القيود. هذه الثقل لا ينبع من الآية نفسها، بل من ميل النفس للحفاظ على الوضع الراهن وتجنب التغيير. لقد نزل القرآن لتزكية النفوس، وهذه التزكية لا يمكن أن تتحقق دون تجاوز العقبات والتحديات. هذه المقاومة الأولية هي علامة على صراع داخلي، إذا ما صاحبه الوعي والثبات، يمكن أن يؤدي إلى نمو روحي وسمو. الإنسان في هذا المسار، يتصارع بين الميل إلى الملذات الدنيوية ونداء الملكوت، وهذا الصراع يظهر أحيانًا في صورة تهرب من الآيات التي تتحدى هذه الملذات. العامل الثاني هو وساوس الشيطان الرجيم. يسعى الشيطان دائمًا إلى إضلال الإنسان عن طريق الحق وإبعاده عن التدبر في القرآن والعمل به. فهو يزرع الشكوك في قلب الإنسان، أو يبالغ في تصوير صعوبات تطبيق الآيات، محاولًا إثناء الإنسان عن الارتباط العميق بكلام الله. فعندما تتحدث آية عن الجحيم، أو العقاب الإلهي، أو ضرورة الجهاد ضد النفس أو في سبيل الله، قد يصورها الشيطان بصورة مخيفة ومرهقة ليدفع الإنسان إلى التهرب منها. يمكنه أيضًا أن يزرع شعورًا بالعبثية أو عدم الصلة ببعض الآيات في الحياة اليومية، مما يمنعنا من التدبر فيها. هذه المكائد الشيطانية، إذا لم تُعرف بالبصيرة والوعي، يمكن أن تشكل حاجزًا خطيرًا في فهم القرآن والعمل به. الاستعاذة بالله من شر وسواسه (كما جاء في آيات سورة الناس الأخيرة) وتقوية الإيمان، هي مفتاح مواجهة هذا العامل. السبب الثالث هو حب الدنيا وملذاتها. يحذر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا الإنسان من فتنة الحياة الدنيا وزوالها، ويؤكد على أهمية الآخرة وجزاء الله. إذا غرق الإنسان في ملذات الدنيا وزينتها، وتعلق قلبه بالمال والجاه والمناصب والأولاد، فإن الآيات التي تدعوه إلى التخلي عن هذه التعلقات أو التضحية بها في سبيل الله ستكون ثقيلة وغير مستساغة بالنسبة له. سورة التوبة، الآية 24، تشير بوضوح إلى هذا الأمر: إذا كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اكتسبتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره. هذه الآية تبين أن تقديم الدنيا على الآخرة يمكن أن يمنع الإنسان من القبول الكامل للأحكام الإلهية ويدفعه إلى التهرب من الآيات التي تتحدى هذا الترتيب الخاطئ للأولويات. العامل الرابع هو الخوف من المسؤولية ومواجهة حقيقة الذات. القرآن كتاب يكشف حقائق الوجود الإنساني، وهدف الخلق، ومصير الإنسان. فالآيات التي تشير إلى مسؤوليات الإنسان تجاه الله، والمجتمع، وحتى نفسه، أو الآيات التي تتحدث صراحة عن عواقب الذنوب ونتائج الأعمال في الدنيا والآخرة، قد تكون ثقيلة ومخيفة للفرد الذي لا يرغب في مواجهة حقيقته الوجودية ومسؤولياته. هذا الخوف من قبول المسؤولية يمكن أن يؤدي إلى التهرب من تدبر هذه الآيات؛ لأن تدبرها يعني قبول عبء أكبر من المسؤولية وضرورة تغيير نمط الحياة. بالنسبة للبعض، الجهل أو التظاهر بالجهل هو وسيلة للفرار من هذا العبء الثقيل. لكن القرآن يدعو بوضوح إلى التفكر والتذكر. السبب الخامس، هو نقص الفهم العميق (التدبر) والسطحية. أحيانًا، لا تكون المشكلة في الآية نفسها، بل في فهمنا الناقص أو السطحي لها. فبدون الرجوع إلى التفاسير الموثوقة، ومعرفة أسباب النزول، وفهم الرسالة الكلية للقرآن، قد تبدو بعض الآيات، خاصة الآيات المتشابهة أو تلك التي تبدو صعبة للوهلة الأولى، غامضة أو حتى غير محبذة لنا. الآية 47:24 التي تسأل: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" تشير بوضوح إلى أهمية التدبر وإزالة الأقفال من القلوب. عدم التدبر الكافي يمكن أن يؤدي إلى سوء فهم، وبالتالي، التهرب من تلك الآيات. فبالتعمق والتفكير، تزول العديد من الغموض، وتتجلى الحكمة الكامنة في الآيات. للتغلب على هذه الحالة، هناك حلول قرآنية متعددة: 1. الاستعاذة بالله من الشيطان: قبل البدء في التلاوة والتدبر، اطلب من الله أن يحميك من وساوس الشيطان. 2. التدبر العميق والمستمر: اقترب من القرآن بقلب وعقل مفتوحين، وليس فقط باللسان. اسعَ لفهم معنى ورسالة الآيات، واستعن بالتفاسير الموثوقة. 3. تزكية النفس ومجاهدة الهوى: كلما طهرت النفس وقلت التعلقات الدنيوية، أصبح قبول كلام الحق أسهل. 4. الدعاء والاستعانة بالله: اطلب من الله أن يفتح قلبك لفهم آياته وقبولها. 5. التفكر في هدف القرآن ورحمته: تذكر أن القرآن كتاب هداية، ورحمة، وشفاء، وليس مجرد قائمة من الأوامر والنواهي. بهذا النهج، حتى الآيات التي تبدو صعبة ستتحول إلى مصادر للنمو والكمال. في النهاية، هذا التهرب أو التجنب الأولي يمكن أن يكون نقطة انطلاق لرحلة أعمق في فهم القرآن. هذا الصراع الداخلي هو فرصة لمعرفة الذات بشكل أفضل وتطهير القلب من العوائق. كلما تقدمنا في طريق تزكية النفس والتقرب إلى الله، انفتحت أقفال القلب، وأشرق نور الآيات الإلهية على قلوبنا وأرواحنا، وتحولت تلك الصعوبة الأولية إلى طمأنينة ويقين.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

ذات يوم، ذهب درويش إلى أستاذ حكيم، شاكيًا له ضيق صدره، فكلما حاول التدبر في كلام الله، ضاق صدره من بعض الآيات وأدار وجهه عنها. فقال له الأستاذ: "في كل ليلة، شق حجرًا صلبًا بيدك." قاوم الدرويش في البداية قائلًا: "يا أستاذ، هذا عمل شاق وعديم الفائدة!" ولكن الأستاذ أجاب بلطف: "افعل ما أقوله، وفي النهاية سترى." بدأ الدرويش، على مضض وتعب، يعمل على ذلك الحجر كل ليلة. مرت الأيام، واستمر هو كل ليلة يتأوه ويقوم بهذا العمل بدون رغبة، لأنه كان يعتقد أن هذا العناء لا طائل منه. ولكن في إحدى الليالي، أثناء جهده، فجأة خرجت قطرة ماء باردة من قلب الحجر! دهش الدرويش من هذا الحدث، وعاد إلى أستاذه بفرح وشوق. ابتسم الأستاذ وقال: "يا درويش، في قلب كل مشقة، يكمن كنز مخبأ. لقد كنت تتهرب من صعوبة هذا العمل، بينما هذا الجهد والمثابرة بالذات كشف عن حقيقة خفية. آيات الله كذلك؛ قد تبدو ظاهرها صعبًا وتفر منها النفس، ولكن في عمقها، تجري ينابيع الحكمة والسكينة والنور الإلهي التي لا تتجلى إلا بالاجتهاد، والثبات، والتدبر من صميم القلب. هذه الصعوبة الأولية، هي الباب إلى بحر من المعرفة يتطلب مفتاح الصبر والجهد."

الأسئلة ذات الصلة