يمكن أن ينبع الاشمئزاز من الذات من الأخطاء، وساوس الشيطان، أو نقص الأمل في رحمة الله. يقدم القرآن علاجات من خلال التوبة، وذكر الله، والأعمال الصالحة، مؤكداً أنه لا ينبغي لأحد أن ييأس من رحمة الله الواسعة.
الشعور بالاشمئزاز من الذات أو تدني احترام الذات هو تجربة إنسانية عميقة يمكن أن تنشأ من مصادر متعددة. على الرغم من أن القرآن الكريم لا يستخدم مصطلح "الاشمئزاز من الذات" بشكل مباشر، إلا أنه يتناول بشكل شامل المفاهيم التي تفسر هذا الشعور ويقدم علاجات قوية للتغلب عليه. يمكن تتبع جذور هذا الشعور من خلال عدة أبعاد من التعاليم القرآنية، ويمكن العثور على علاجه أيضًا ضمن هذه التوجيهات الإلهية نفسها. أحد الأسباب الرئيسية هو الوعي بالعيوب الشخصية والذنوب. فالبشر، بطبيعتهم، عرضة لارتكاب الأخطاء، وعندما يصبح الشخص واعيًا بأفعاله أو يشعر بأنه قد قصر في الالتزام بالمعايير الأخلاقية والإلهية، فقد يواجه شكلاً من أشكال لوم الذات والاشمئزاز. هذا الشعور، إذا تم توجيهه بشكل مناسب، يمكن أن يكون مؤشرًا على "النفس اللوامة"، التي يقسم بها القرآن في سورة القيامة: "ولا أقسم بالنفس اللوامة" (سورة القيامة، الآية 2). تمثل النفس اللوامة الضمير المستيقظ الذي يوبخ الشخص على أخطائه. إذا كان هذا اللوم الذاتي بناءً، يمكن أن يدفع الفرد نحو التوبة والإصلاح. ومع ذلك، إذا أصبح مفرطًا ومصحوبًا باليأس، فقد يؤدي إلى كراهية الذات العميقة، مما يمنع الشخص من المضي قدمًا نحو الخلاص. عامل مهم آخر يمكن أن يغذي هذا الشعور هو وساوس الشيطان. يسعى الشيطان باستمرار إلى تحويل البشرية عن طريق الصلاح، وإحدى أدواته الأساسية هي غرس اليأس والشعور بالدونية. يحاول المبالغة في أخطاء الشخص وماضيه، مما يفقدهم الأمل في الرحمة الإلهية ويدفعهم نحو اليأس وكراهية الذات. يذكر القرآن مرارًا وتكرارًا دور الشيطان في إغواء البشر ويحذر المؤمنين من التهاون في مكره. إذا وقع المرء فريسة لهذه الوساوس واعتبر نفسه لا يستحق المغفرة والرحمة، فسوف يبدأ تدريجيًا في كراهية نفسه ويفقد القدرة على تحسين الذات. هذا يتناقض تمامًا مع التعاليم القرآنية، التي تدعو البشرية إلى التوبة والأمل في رحمة الله التي لا حدود لها. لمواجهة هذه المشاعر السلبية، يقدم القرآن الكريم حلولًا قوية للغاية. العلاج الأول والأكثر أهمية هو التوبة والعودة إلى الله. يذكر الله صراحة في القرآن أنه لا يوجد ذنب عظيم لدرجة لا يغفر، بشرط أن تكون التوبة صادقة. في سورة الزمر، الآية 53، يقول الله: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم". تفتح هذه الآية بابًا للأمل لأولئك الذين يكرهون أنفسهم بسبب ذنوبهم، مؤكدة لهم أن حتى أعظم التجاوزات قابلة للمغفرة بالتوبة الصادقة. هذا الأمل في الرحمة الإلهية هو القوة الدافعة الرئيسية للخروج من هوة اليأس وكراهية الذات. ذكر الله هو حل آخر يقدمه القرآن لتهدئة القلوب وتبديد الأفكار السلبية. في سورة الرعد، الآية 28، يقول تعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب". عندما يكون الشخص منخرطًا باستمرار في ذكر الله، يمتلئ قلبه بالسكينة، فلا يترك مجالًا لوساوس الشيطان والتفكير السلبي عن الذات. يساعد الذكر الأفراد على إيجاد قيمتهم الحقيقية ليس في النجاحات أو الإخفاقات الدنيوية، بل في عبوديتهم لله وقربهم منه. هذا التحول في المنظور يغير بشكل أساسي نظرة المرء لنفسه، ويمنحه شعورًا بالقيمة والهدف. كما أن أداء الأعمال الصالحة يلعب دورًا حيويًا في تقوية احترام الذات والتغلب على كراهية الذات. عندما يخدم الفرد الآخرين، ويراعي الحقوق الإلهية والإنسانية، ويسلك طريق الصلاح، فإنه يشعر برضا داخلي يحل تدريجيًا محل مشاعر كراهية الذات. تعزز هذه الأعمال الصالحة تحسين الذات وتساعد المرء على التعلم من أخطاء الماضي، والسعي ليصبح شخصًا أفضل. يمنح الله أجرًا عظيمًا لمن يفعل الخير، وهذا بحد ذاته حافز للاستمرار في طريق الفضيلة والتغلب على المشاعر السلبية. أخيرًا، يعلمنا القرآن ألا نيأس من رحمة الله. اليأس من رحمة الله ذنب عظيم في حد ذاته، يرتكبه الكافرون فقط. كما جاء في سورة يوسف، الآية 87: "...ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون". هذه الرسالة المليئة بالأمل هي شريان الحياة لكل من وقع في براثن كراهية الذات. معرفة أن ربك يمنحك فرصة للعودة وأن خطاياك الماضية، مهما كانت عظيمة، لا تذكر مقارنة بمحيط رحمته، يمنحك القوة لقبول نفسك، والسعي لتحسينها، والشروع في حياة جديدة بأمل في مستقبل أفضل. وبالتالي، يمكن أن تكون كراهية الذات بمثابة علامة تحذير للعودة إلى الله وإيجاد السلام الحقيقي في عبادته. يقدم هذا المنظور القرآني طريقًا للتحرر من عبء لوم الذات غير المبرر ويؤدي إلى قبول الذات البناء والإيجابي.
يُروى أن رجلاً صالحًا، يُدعى حكيم، كلما تأمل في أفعاله ورأى عيوبه، كان قلبه يتألم ويكره نفسه. ذات يوم، كان يبكي في خلوته، متألمًا من وساوسه الداخلية. فقال له شيخٌ حكيم، علم بحاله: «يا بني، لا تدع الأخطاء الماضية والعيوب الحالية تؤذي روحك. إذا كان باب التوبة مفتوحًا، فلماذا لا تمر من خلاله وتسير نحو النور؟ لقد سمعت قصة ملك كان يعاني من كبريائه ويرى نفسه غير مستحق للرحمة الإلهية. لكن وزيرًا حكيمًا قال له: «يا أيها الملك، لو لم يغفر الله الذنوب، فمن كان سيُغفر له؟ التوبة بحر من الرحمة يطهر الشوائب». وجد الملك الطمأنينة في هذه الكلمات، وبتواضع وندم، عاد إلى الله، وعندها رأى أنه لم يعد يكره نفسه، بل أصبح يعشق العبودية. يا حكيم، توقف أنت أيضًا عن لوم نفسك، واسرع نحو الرحمة الإلهية، فإن تلك الرحمة تفوق أي عيب وتشفي القلوب المنكسرة». اطمأن حكيم لكلمات الشيخ، وبقلب منير، انشغل بذكر الله والتوبة، وأدرك أن قبول الذات الحقيقي يكمن في ظل الرحمة الإلهية.