تنشأ التوقعات المفرطة من الله من محدودية فهم الإنسان للحكمة الإلهية، ونقص الصبر والتوكل، وإهمال الشكر. يكمن السلام الحقيقي في قبول قضاء الله والثقة بتدبيره، فهو أعلم بما هو خير لنا حقًا.
الشعور بأننا نتوقع الكثير من الله أحيانًا هو تجربة إنسانية شائعة، وتعود جذورها إلى عوامل مختلفة، الكثير منها تم استكشافه بدقة في التعاليم القرآنية. هذه التوقعات العالية تنبع عادة من فهمنا الناقص للحكمة الإلهية اللامتناهية، وطبيعة هذا العالم كساحة اختبار، ودورنا كعباد. القرآن الكريم، بنظرته العميقة إلى فطرة الإنسان وعلاقته بالخالق، يقدم حلولاً لإدارة هذه التوقعات والوصول إلى السلام الداخلي والرضا. أحد الأسباب الرئيسية لهذا النوع من التوقعات هو محدودية الإدراك والبصيرة البشرية مقارنة بعلم الله وحكمته المطلقة. نحن نرى جزءًا صغيرًا فقط من الحقيقة، وبناءً على هذا المنظور المحدود، نحكم ونشكل آمالاً لأنفسنا. بينما الله، سبحانه وتعالى، عالم بكل الجوانب الخفية والظاهرة، وبالخير والشر النهائي لكل ظاهرة. يقول القرآن في سورة البقرة، الآية 216: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". هذه الآية توضح بجلاء أن إدراكنا للخير والشر غالبًا ما يختلف عن الحقيقة النهائية. بحكمته اللانهائية، قد يحجب الله تعالى عنا أحيانًا ما نتمناه بشدة، لأنه يعلم أن ذلك ليس في مصلحتنا الحقيقية، أو قد يضرنا. هذه الحكمة تشمل أيضًا تأخير استجابة الدعوات؛ فقد يكون من مصلحتنا أن يُستجاب لدعائنا في وقت آخر، أو أن الله قد أعد لنا خيرًا أعظم، سواء في هذه الدنيا أو في الآخرة. سبب آخر هو نقص الصبر والتوكل على القضاء الإلهي. الطبيعة البشرية عجولة وتميل إلى تحقيق الرغبات بسرعة. عندما ندعو ولا نرى النتيجة المرجوة فورًا، قد نشعر بأن توقعاتنا لم تُلبَ أو حتى أننا قد تُجاهلنا. ومع ذلك، يؤكد القرآن بشدة على فضيلة الصبر، ويعتبرها مفتاح حل العديد من المشاكل وطريقًا للوصول إلى معية الله. في سورة البقرة، الآية 153، يقول الله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". الصبر يعني قبول أن لكل شيء وقته المحدد والتسليم لإرادة الله، حتى عندما لا تتوافق هذه الإرادة مع رغباتنا. أما التوكل، فيعني الثقة القلبية بأن الله هو خير مدبر للأمور، وأنه لا يحرم عباده الصالحين من الخير أبدًا. هذه الثقة تساعدنا على التحرر من القلق غير الضروري والعثور على السلام الداخلي بدلاً من التوقعات المفرطة. علاوة على ذلك، الدنيا بطبيعتها دار ابتلاء واختبار. يؤكد الله في القرآن مرارًا وتكرارًا أنه يختبر الناس بالصعوبات، والمخاوف، والجوع، والنقص، ليُقاس إيمانهم ويرتقوا إلى مراتب أعلى. توقع أن تسير الحياة دائمًا وفقًا لرغباتنا وأن نحصل على كل ما نريده فورًا، يتناقض مع فلسفة الاختبار الإلهي. هذه الاختبارات ليست لتعذيب الإنسان، بل لنموه وتطوره الروحي. عندما نتوقع من الله أن يمهد لنا كل طريق الحياة، فإننا في الواقع نغفل عن فلسفة وجودنا ذاتها. فهم أن الصعوبات والحرمان يمكن أن تكون نعمًا خفية وفرصة للتقرب إلى الله، يساعدنا على تعديل توقعاتنا والتعلم من كل ما يحدث. بالإضافة إلى ذلك، فإن إهمال الشكر يمكن أن يؤدي إلى توقعات مفرطة. عندما يركز الإنسان على ما ينقصه بدلاً من إحصاء نعم الله التي لا تُحصى، ويركز على النواقص والرغبات غير المحققة، تتزايد لديه مشاعر عدم الرضا والتوقعات المتزايدة. يقول الله في سورة إبراهيم، الآية 7: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ". الشكر لا يفتح أبوابًا لمزيد من النعم فحسب، بل يغير نظرة الإنسان للحياة، وينقله من حالة التوقع المستمر إلى حالة الرضا والقناعة. التركيز على ما لدينا بدلاً من ما لا نملك، يهدئ القلب ويثري الروح. في الختام، إن التوقع المفرط من الله ينشأ أحيانًا من فهم خاطئ لمكانتنا ودورنا كعباد ومكانة الله كرب. نحن كمخلوقات، يجب أن نطلب من خالقنا بكل تواضع وأدب، وفي الوقت نفسه، أن نثق ثقة كاملة بعلمه المطلق وحكمته اللامتناهية. هذا لا يعني التوقف عن الدعاء والطلب، بل يعني الأدب في الطلب والتسليم في الاستجابة. يجب أن يكون الدعاء مصحوبًا بالتسليم والرضا، وليس بالإلحاح والمساومة الذي يؤدي إلى عدم الرضا والتوقعات غير المناسبة. لنتذكر أن الله أرحم من أن يترك عباده وحدهم أو يحجب عنهم الخير، ولكن عطاءه دائمًا يكون وفقًا لحكمته ومصلحتنا، وليس بالضرورة وفقًا لرغباتنا وآمالنا اللحظية. بفهم هذه النقاط، يمكننا بناء علاقة أعمق، وأكثر هدوءًا، وتوازنًا مع خالق الكون، ونتحرر من فخ التوقعات المفرطة.
في يوم من الأيام، كان درويش ورع وصافي القلب معتزلاً في خلوة جبلية. وكلما وجد حاجة في قلبه، كان يرفع يديه بالدعاء إلى الله ويطلب مطلباً. ذات ليلة، هطلت أمطار غزيرة، وبدأ السيل يتدفق نحو كوخه الصغير. دعا الدرويش بقلب مضطرب قائلاً: "يا ربي، احمِ كوخي هذا من ضرر هذا السيل!" لكن السيل تقدم بلا رحمة. ففكر الدرويش في نفسه: "ربما توقعي في غير محله، وهذه حكمتك." في تلك الليلة، رأى في منامه صوتًا يقول له: "يا درويش، تطلب منا أن نُبعد عنك ما يبدو لك ضرراً، بينما أحيانًا في صميم هذه الصعوبات يكمن فرج خفي. لو لم يجرف السيل كوخك، لما ظهر ينبوع الماء الصافي الذي كان مختبئًا خلف تلك الصخرة، وكنت ستحرم من نعمته." استيقظ الدرويش؛ كان السيل قد انحسر، وظهر ينبوع صافٍ خلف كوخه. أدرك أن التوقعات يجب أن تكون مصحوبة بالاستسلام والرضا، وأن الله أعلم بما هو خير لعباده، حتى لو لم تتحقق رغباتنا ظاهرياً. ومنذ ذلك الحين، عاش بقلب أهدأ وتوكل أكبر، راضيًا بكل ما يأتيه من الحق.