الفتور تجاه القرآن غالبًا ما ينبع من التعلق بالدنيا، الغفلة عن ذكر الله، الذنوب، وساوس الشيطان، ونقص التدبر. للتغلب عليه، يجب الاستعاذة بالله، زيادة الذكر، التوبة، وقراءة القرآن بتأمل عميق.
الشعور بالفتور أو عدم الشغف تجاه القرآن الكريم هو تجربة شائعة ومفهومة للكثيرين في رحلتهم الروحية. من الأهمية بمكان أن ندرك أن الإيمان ليس حالة ثابتة؛ بل يتقلب ويعلو ويهبط، تمامًا مثل المد والجزر. قلوبنا أيضًا ليست جامدة؛ إنها ديناميكية ومعرضة لتأثيرات مختلفة. القرآن الكريم، بحكمته العميقة، يقدم رؤى لا تقدر بثمن حول الحالة البشرية والعوامل الكامنة التي قد تسهم في هذا الخمول الروحي أو الانفصال. غالبًا ما تنشأ هذه الحالة من اللامبالاة العاطفية أو الروحية من تفاعل معقد بين القوى الداخلية والخارجية، والتي يتناولها القرآن، بشكل مباشر أو غير مباشر. أحد الأسباب الرئيسية لهذا الشغف المتضائل هو التعلق المفرط بالحياة الدنيا الزائلة. يكرر القرآن مرارًا وتكرارًا تحذيره للمؤمنين من الانغماس المفرط في الملذات العابرة والممتلكات المادية والمطاردات الزائلة لهذه الحياة الفانية. عندما تبدأ هذه الطموحات الدنيوية - مثل السعي وراء الثروة، والمكانة الاجتماعية، والترفيه السطحي، أو مجرد الاعتراف الأرضي - في احتلال الجزء الأكبر من قلوبنا وعقولنا، فإنها حتمًا تطغى على واجباتنا الروحية وصلتنا الجوهرية بالخالق. يصف القرآن بوضوح هذه الحياة الدنيا بأنها مجرد "لهو ولعب" (الحديد: 20) مقارنة بالجزاء الدائم للآخرة. عندما تختل أولوياتنا، ونرفع عن غير قصد المكاسب المؤقتة فوق الحقائق الأبدية، فإن القرآن - الذي يخدم كدليلنا النهائي نحو ذلك العالم الأبدي - قد يبدأ للأسف في أن يبدو أقل جاذبية أو أقل أهمية أو حتى عبئًا. يعمل هذا التعلق الشديد بالدنيا كحجاب روحي، يحجب قدرة القلب على إدراك واستيعاب الحكمة العميقة، والعزاء الذي لا مثيل له، والنور الإلهي الذي ينبع من كلام الله المقدس. إنه يشبه محاولة سكب ماء عذب نقي في إناء ممتلئ بالفعل بسائل عكر؛ ببساطة لا يوجد مساحة كافية لماء الهداية الإلهية ليدخل ويتغلغل. عامل آخر مهم يساهم في هذا الفتور الروحي هو الغفلة وقلة ذكر الله. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على الأهمية القصوى لذكر الله المستمر والواعي. هذا الذكر المستمر، سواء من خلال الصلوات الرسمية، أو الدعاء القلبي، أو ببساطة من خلال التأمل الواعي في آيات الله الكونية، هو وسيلة حيوية للحفاظ على القلب نابضًا، حيًا، ومتقبلاً روحيًا. عندما نهمل هذه الممارسة الحيوية، ونسمح لأنفسنا بنسيان الله وآياته الإلهية، فإن قلوبنا تكون عرضة للقسوة. القلب القاسي، للأسف، يصبح أقل استجابة وأقل حساسية للهمسات اللطيفة والرسائل العميقة للقرآن. يحذر القرآن نفسه من أن أولئك الذين يعرضون عن ذكر الله قد يواجهون حياة ضيقة أو صعبة (معيشة ضنكًا) (طه: 124). هذا الضيق ليس مجرد مادي؛ إنه روحي بالأساس، مما يؤدي إلى شعور عام بالفراغ والانفصال والاضطراب الداخلي. وبالتالي، فإن الانخراط في القرآن في مثل هذه الحالة يمكن أن يبدو وكأنه عمل شاق بدلاً من كونه مصدرًا منعشًا للفرح والسلام والغذائي الروحي. كلما سمحنا لذكر الله أن يتلاشى من وعينا اليومي، كلما شعرنا بالقرآن - كلامه المباشر والحي - بعيدًا وغير ملموس. يمكن أن ينبع هذا النسيان الشامل من مصادر لا حصر لها: الجداول اليومية المفرطة المطالبة، أو تدفق هائل من الأفكار المشتتة، أو ببساطة نقص في الجهد الواعي والمتعمد لدمج الإيمان بسلاسة في كل جانب من جوانك حياتنا. علاوة على ذلك، لا يمكن إغفال تأثير الذنوب المتراكم كحاجز للاتصال الروحي. فالذنوب، سواء كانت تعتبر كبائر أو صغائر، لها تأثير تدريجي ولكنه قوي: فهي يمكن أن تُظلم القلب تدريجيًا وتقيم حاجزًا هائلاً بين الفرد والنور الإلهي. عندما يصر الإنسان على ارتكاب الذنوب دون توبة صادقة، تتأثر نقاء القلب، مما يجعله أقل تقبلاً لكلمات القرآن النقية والمضيئة. إنه يشبه عملية تراكم الصدأ البطيئة على مرآة مصقولة؛ كلما زاد الصدأ المتراكم، أصبحت الصورة المنعكسة أقل وضوحًا وأكثر تشويشًا. الحلاوة المتأصلة للإيمان ووضوح فهم القرآن تتضاءل حتمًا، بل تُحجب، بسبب الشوائب التي تدخلها الذنوب إلى القلب الروحي. يتحدث القرآن، في حكمته العميقة، عن قلوب "مختومة" (ختم الله على قلوبهم) (البقرة: 7) أو "مغلفة" (في قلوبهم مرض) (البقرة: 10) بسبب ارتكابهم الخاطئ المستمر والعنيد. هذا الختم أو التغليف ليس عقوبة تعسفية، بل هو نتيجة طبيعية وحتمية غالبًا لاختيار الانحراف المتكرر عن طريق الاستقامة والطاعة الإلهية. لذا، فإن التوبة الصادقة والنابعة من القلب هي ممارسة روحية لا غنى عنها لتطهير القلب وتنقيه نواياه واستعادة قدرته الفطرية على تقبل رسائل القرآن العميقة وقوته التحويلية. التدخل الشيطاني، أو "الوسواس،" يلعب أيضًا دورًا هامًا وخبيثًا في تعزيز الخمول الروحي. يُصور الشيطان في القرآن بلا لبس على أنه عدو مبين لا يكل ولا يمل في عمله لصرف المؤمنين عن الصراط المستقيم. إنه يزرع الشكوك بمهارة، ويغذي الكسل، ويشجع التسويف، ويصنع عددًا لا يحصى من المشتتات، وكلها مصممة لجعل من الصعب للغاية على الفرد الانخراط في القرآن بالتقوى والتركيز والصدق اللازمين. إنه يوسوس بأفكار خبيثة تجعل القرآن يبدو غير ممتع، أو معقدًا بشكل مفرط، أو غير ذي صلة تمامًا بحياة المرء اليومية. بدلاً من ذلك، قد يقصف العقل بسيل لا يتوقف من الهموم والمخاوف الدنيوية بالضبط في اللحظة التي ينوي فيها المرء التقاط القرآن أو التأمل في آياته. يحذرنا القرآن صراحة وتكرارًا من الشيطان كـ "عدو مبين" ويقدم تعليمات واضحة لطلب اللجوء الفوري إلى الله من وساوسه الخادعة ومكائده الخبيثة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). يمكن أن تكون هذه الوساوس الشيطانية دقيقة للغاية، وتتجلى في شكل رغبة مفاجئة وغير مبررة في فحص الهاتف الذكي، أو بداية شعور طاغٍ بالإرهاق غير المبرر، أو وابل لا يتوقف من الأفكار المشتتة التي تشتت التركيز كلما حاول المرء الانخراط في النص المقدس. أخيرًا، يعتبر نقص التأمل العميق (التدبر) والفهم العميق عاملاً حاسمًا آخر يساهم في فقدان الاهتمام. إذا اكتفى المرء بتلاوة القرآن ميكانيكيًا، دون التفكير بجدية في معانيه العميقة، أو التأمل في دروسه الخالدة، أو السعي الجاد لتطبيق حكمته الإلهية على واقع حياته اليومية، فإن فعل التلاوة يمكن أن يتحول للأسف إلى مجرد أداء طقسي، يخلو إلى حد كبير من أي تأثير روحي تحويلي. فالقرآن مقصود إلهيًا أن يكون دليلًا حيًا ونبضًا، ومصدرًا لا ينضب من النور الروحي، والشفاء العميق، والهداية المطلقة. إذا تعاملنا معه بسطحية، فإن قوته الهائلة والتحويلية تظل للأسف غير مستغلة. يوجه القرآن نفسه دعوة مباشرة، يحث المؤمنين على "التدبر في آياته" (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد: 24). عندما نبذل الجهد لفهم السياق التاريخي (أسباب النزول)، والأوامر والنواهي الإلهية، والقصص الملهمة للأنبياء والأمم، والنسيج الغني من الاستعارات والأمثال، فإن القرآن ينبض بالحياة حقًا، ويتحدث مباشرة إلى أعماق قلوبنا ويُشعل حتمًا حماسنا وحبنا له. هذا الانخراط العميق يستلزم جهدًا: تخصيص الوقت لدراسة التفاسير الموثوقة، وبذل جهد لتعلم اللغة العربية، أو على الأقل، قراءة ترجمات عالية الجودة باستمرار بعقل منفتح ومتقبل وقلب متواضع ومشتاق. للتغلب بفعالية على هذه الحالة الصعبة من الفتور الروحي، يقدم القرآن نفسه خارطة طريق واضحة ورحيمة: 1. الاستعاذة بالله: ابدأ كل تفاعل مع القرآن وكل مسعى روحي بطلب حماية الله بصدق من وساوس الشيطان، كما أمر في سورة النحل (16:98): "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". 2. زيادة الذكر: ابذل جهدًا واعيًا وثابتًا في ذكر الله على مدار يومك، واجعله جزءًا من مهامك اليومية ولحظات التأمل. "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28). 3. التوبة الصادقة: توجه إلى الله بتواضع وصدق بتوبة نصوح عن أي ذنوب ارتكبتها، مدركًا أن "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة: 222). 4. تعميق الفهم (التدبر): تعامل مع القرآن بعقل نشط ومتأمل، سعيًا ليس فقط لقراءة الكلمات ولكن لفهم رسائلها العميقة وكيف تنطبق مباشرة على حياتك. استخدم الترجمات الموثوقة والتفاسير، واحضر الدروس التي تسهل هذا الانخراط الأعمق. 5. تحديد أولويات الآخرة: أعد تقييم أولويات حياتك بوعي، مع إعطاء وزن أكبر ومستمر للمكافآت الأبدية ورضا الله على المكاسب المؤقتة والزائلة لهذه الدنيا. "وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ" (الأعلى: 17). 6. الصبر والمثابرة: أدرك أن النمو الروحي هو رحلة مستمرة، محفوفة بصعودها وهبوطها الحتمي. ازرع الصبر والثبات في جهودك، حتى عندما لا يكون الحماس الأولي ملموسًا دائمًا. ثق بثبات في وعد الله بأنه سيفتح قلوب أولئك الذين يسعون بصدق في سبيله. "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت: 69). من خلال معالجة هذه القضايا الروحية الكامنة بصدق وثبات، واعتماد لا يتزعزع على الله، يمكن للمرء بلا شك أن يعيد إحياء الحب العميق والحماس النابض بالحياة للقرآن، وبالتالي يختبر نوره الشافي والموجه في أقصى درجاته. فالقرآن، بعد كل شيء، هو اتصال مباشر وحميم من خالقنا الرحمن؛ رعاية هذه العلاقة الإلهية وحمايتها أمر بالغ الأهمية لسلامة الفرد الروحية الشاملة وخلاصه النهائي.
يحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك عابد يذهب كل يوم إلى بستان جميل ويزرع زهرة زكية الرائحة في إناء، ولكنه لا يسقيها أبدًا. وذات يوم، سأله شيخ حكيم: "يا فتى، لماذا تذبل هذه الزهرة الجميلة؟" فأجاب العابد: "لا أعلم، كل يوم أحضر زهرة جديدة، ولكنها تذبل." فقال الشيخ بابتسامة: "يا للعجب! لديك إناء وزهرة، ولكنك غافل عن الماء. كيف تتوقع أن تنمو الزهرة بلا ماء وتراب؟" هذه الحكاية تشبه حال القلب الذي يغفل عن القرآن. فالقرآن كالزهرة المليئة بعطر الحكمة والرحمة، والقلب كالوعاء الذي يجب أن يحويها. ولكن إذا لم نسق القلب بماء الذكر والتوبة، ولم نطهره من غبار التعلق بالدنيا، فإن تلك الزهرة من الحكمة والنور تذبل ويبقى القلب محرومًا. فشرط محبة كلام الله هو المداومة والرعاية، لا مجرد امتلاكه.