لماذا أشعر أحيانًا بالرغبة في التخلي عن الله؟

الشعور بالرغبة في التخلي عن الله تجربة إنسانية ناتجة عن الابتلاءات الإلهية، وساوس الشيطان، الغفلة عن ذكر الله، أو الضعف البشري. يقدم القرآن حلولاً مثل الصبر والصلاة والتوبة وذكر الله للتغلب على هذا الشعور وتعميق العلاقة مع الخالق.

إجابة القرآن

لماذا أشعر أحيانًا بالرغبة في التخلي عن الله؟

إن الشعور بالنفور الروحي أو الرغبة في التخلي عن الأمور الدينية، وحتى عن الله، هو تجربة يواجهها الكثيرون من البشر طوال حياتهم. ورغم أن هذا الشعور قد يبدو مقلقًا ويدل على ضعف الإيمان، إلا أنه من منظور القرآن الكريم ظاهرة إنسانية بحتة لها جذور متعددة، وقد قُدمت لها حلول واضحة لمواجهتها. فالقرآن لا يرى هذا الشعور نهاية للطريق، بل يراه أحيانًا مرحلة من النمو الروحي، أو اختبارًا إلهيًا، أو نتيجة للإهمال والوسوسة، وهو ما يمكن التغلب عليه بالفهم الصحيح والجهد لتعميق العلاقة مع الله. الجذور القرآنية لهذا الشعور: 1. الابتلاءات والاختبارات الإلهية: حياة الدنيا، بحسب تعاليم القرآن، هي دار امتحان واختبار. فالله يمتحن الناس بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، ليميز الصادقين من الكاذبين، والصابرين من الجزعين. في سورة البقرة، الآية 155، يقول تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين). عندما يجد الإنسان نفسه في خضم هذه الصعوبات ولا يرى مخرجًا، أو عندما تطول المشاكل وتزداد قسوتها، قد يصاب باليأس والقنوط. هذا اليأس قد يدفعه أحيانًا إلى التفكير بأن التخلي عن التوكل على الله والتخلي عن كل شيء هو الحل الأسهل. في هذه اللحظات، قد ينبع شعور الابتعاد عن الله أو الرغبة في اللامبالاة الروحية من عدم الفهم الصحيح للحكمة الإلهية الكامنة وراء هذه البلايا. قد يسأل الإنسان نفسه: "إذا كان هناك إله رحيم، فلماذا يفرض علي كل هذا الألم؟" هذا السؤال، وإن بدا طبيعيًا، فإن إجابته تكمن في طبيعة الدنيا الفانية، التي لم تُصمم لتكون جنة أو مكانًا للراحة الأبدية، بل معبرًا للنمو الروحي والكمال الإنساني. 2. وساوس الشيطان: الشيطان هو العدو اللدود للإنسان، وهدفه الأساسي هو إضلاله وإبعاده عن طريق الحق وذكر الله. فبوساوسه الخبيثة، يضخم المشاكل، ويقلل من شأن الخيرات والألطاف الإلهية، ويضعف علاقة الإنسان بربه. يسعى الشيطان لدفع الإنسان نحو الغفلة والإنكار واللامبالاة، وحتى الكفر. سورة الناس (الآيات 1-6) تشير بوضوح إلى هذا الموسوس الخناس: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَٰهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ" (قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس). لذا، عندما تتسلل الرغبة في التخلي عن الله إلى قلوبنا، فإن جزءًا كبيرًا منها قد يكون نابعًا من مكائد الشيطان الذي يريد أن يمنعنا من المصدر الحقيقي للسكينة والقوة، وهو ذكر الله. 3. الغفلة والبعد عن ذكر الله: يؤكد القرآن الكريم بشدة على ذكر الله، ويصفه بأنه مصدر الطمأنينة والراحة للقلوب. ففي سورة الرعد، الآية 28، نقرأ: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِْكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). عندما يغفل الإنسان عن ذكر الله ويصبح كل تركيزه على الأمور المادية والدنيوية، يصبح قلبه قاسيًا وفارغًا. هذا البعد عن الروحانية يمكن أن يؤدي تدريجيًا إلى شعور باللامبالاة ثم الرغبة في التخلي عن الله. فالروح الإنسانية تحتاج إلى غذاء روحي، وإهمالها، مثل الجوع الجسدي، يؤدي إلى ضعف ومرض روحي، ينتهي بالخمول واللامبالاة تجاه حقائق الوجود. 4. الطبيعة البشرية وضعفاتها: الإنسان، بطبيعة خلقه، عجول وغير صبور، وأحيانًا كفور. فعند مواجهة الصعوبات، يصاب باليأس بسرعة، وفي أوقات الرخاء، قد ينسى الله. هذه الضعفات الفطرية، التي أشار إليها القرآن أيضًا، يمكن أن تساهم في الرغبة في "التخلي" عن الله. ففي سورة المعارج (الآيات 19-21) يقول تعالى: "إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا" (إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا). تشير هذه الآيات إلى أن هذه المشاعر (اليأس، عدم الصبر) متجذرة في الطبيعة البشرية، ويجب التغلب عليها بالممارسة الإيمانية المستمرة وزيادة القدرة الروحية لمواجهة التحديات. الحلول القرآنية للتغلب على هذا الشعور: 1. اللجوء إلى الله والاستعانة بالصبر والصلاة: في اللحظات التي يسيطر علينا فيها الشعور بالنفور من الله أو الرغبة في الهرب منه، يقدم القرآن لنا حلولاً عملية. أهمها اللجوء إلى الله والاستعانة بالصبر والصلاة. فهذان هما الركنان الأساسيان للمقاومة الروحية وتقوية العلاقة مع الرب. الصلاة هي فرصة للتواصل المباشر وغير الوسيط مع الخالق، الذي يمكن أن يطهر القلب من الاضطرابات ويمنح السكينة الحقيقية. والصبر أيضًا يساعد الإنسان على مقاومة الوساوس والمشاكل واليأس، ويغير نظرته إلى الصعوبات. ففي سورة البقرة، الآية 153، جاء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين). 2. الاستغفار والتوبة: باب العودة إلى الله والتوبة لا يغلق أبدًا، حتى لو شعر الإنسان بذنب عظيم أو ببعد هائل. فالله يصف نفسه في القرآن بأنه الغفور الرحيم، ويدعو عباده إلى المغفرة، حتى أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم. ففي سورة الزمر، الآية 53، يقول تعالى بآية تبعث على أمل عظيم: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم). هذه الآية تؤكد أن الرحمة الإلهية لا حدود لها، وأن التوبة والاستغفار لا يمحوان الذنوب فحسب، بل يجلبان شعورًا بالخفة والأمل والقرب المتجدد من الله. 3. التدبر في آيات القرآن والعلامات الإلهية: قراءة وفهم والتفكير في آيات القرآن الكريم ومراقبة علامات قوة الله وحكمته ورحمته في الخلق يمكن أن يقوي الإيمان ويزيل الشكوك. هذا العمل يذكر الإنسان بأن الله حاضر دائمًا وقادر على كل شيء. التفكير في عظمة الخلق يجعل الإنسان متواضعًا أمام قوة الله المطلقة، ويدرك أن الاعتماد على هذه القوة هو السبيل الوحيد للسكينة الحقيقية والخلاص. 4. صحبة الصالحين وتجنب البيئات السلبية: يشير القرآن إلى أهمية مجالسة الصالحين وتجنب المجالس التي تغفل الإنسان عن ذكر الله. فالتواجد بين المؤمنين، والاستماع إلى الكلمات الحكيمة، والمشاركة في الأنشطة الروحية، يمكن أن يعيد الطاقة الإيجابية والأمل إلى الإنسان ويجعله ثابتًا على طريق العبادة. يمكن أن يكون التواصل مع أولئك الذين استسلموا لله بمثابة دعم للروح المتعبة واليائسة. في الختام، فإن هذا الشعور بالرغبة في "التخلي" عن الله هو نداء داخلي قد ينبع من عوامل متعددة. ولكن المهم هو أن نرى هذا الشعور كفرصة لإعادة تقييم علاقتنا مع الخالق. يعلمنا القرآن الكريم أن الله قريب، ورحيم، ومستعد دائمًا لقبول عباده. هذه الرحلة مليئة بالاختبارات، ولكن بالتوكل والصبر والدعاء والعودة إلى ذكره، يمكن التغلب على كل وسوسة ويأس، والوصول إلى السكينة الحقيقية. هذه المشاعر هي جسور يمكن أن تقودنا إلى فهم أعمق للتوحيد وعلاقتنا بالخالق، إذا عبرناها ببصيرة وصبر. في كل مرة يتسلل هذا الشعور إلى الإنسان، فإنه في الواقع فرصة لتقوية أسس اعتقاده واللجوء بشكل أعمق إلى الله. هذه مرحلة طبيعية من الرحلة الروحية يمر بها الكثيرون، وبإرشادات القرآن يمكن تجاوزها بسلام والخروج أقوى من ذي قبل. فالله لا يترك عباده أبدًا، ويفتح لهم دائمًا باب العودة والتوبة. إن توحيد الله ورحمته ومغفرته هو ما يبقي الأمل حيًا في قلوب عباده حتى في أصعب اللحظات، ويدعوهم للعودة إليه.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

صرخ درويش ذات يوم في السوق: "يا إلهي، لقد ضاق صدري من هذا العالم المليء بالآلام والأحزان؛ أتمنى أن أتخلى عن كل شيء!" فمر به عارف حكيم وقال: "يا صديقي، هذا الشعور ألم مألوف. إن صرفت قلبك عنه، فمن ستطلب؟ من هو ملك العالم إلا هو، وفي كنفه تجد السلام؟ تذكر ما قاله السعدي: 'إذا تحرك سيف العالم من مكانه، فلن يقطع عرقًا إلا بإرادة الله.' أحيانًا، تغلفنا المغريات والمصاعب بشدة لدرجة أننا نتخيل أنه لا مفر سوى الاستسلام. ولكن اصبر! انظر إلى السماء، فالمُعطي هو هو، ومُسكّن القلوب هو هو. لعل خيرًا مخبأً في هذا القلق يعيدك إليه هو نفسه. فالبعد عنه ليس حلاً، بل ألم آخر. العودة إليه هي الملاذ." فلما سمع الدرويش هذا، وجد السكينة وأدرك أن العلاج ليس في التخلي، بل في اللجوء إلى الملك المطلق.

الأسئلة ذات الصلة