لماذا أشعر أحيانًا أن الله بعيد جدًا؟

الشعور بالبعد عن الله غالبًا ما ينبع من الغفلة، الذنوب، أو تحديات الحياة، وليس من بعد حقيقي لله. يمكن التغلب على هذا الشعور وإدراك القرب الإلهي من خلال الذكر والدعاء والتوبة.

إجابة القرآن

لماذا أشعر أحيانًا أن الله بعيد جدًا؟

الشعور بالبعد عن الله تجربة يواجهها الكثيرون في رحلتهم الروحية. هذا الشعور لا يعني بالضرورة أن الله بعيد، بل هو بالأحرى انعكاس لحالتنا الداخلية ومدى اتصالنا به. يؤكد القرآن الكريم بوضوح أن الله قريب منا دائمًا، أقرب إلينا من حبل الوريد. في سورة ق، الآية 16، نقرأ: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد). هذه الآية تدل بشكل قاطع على حضور الله الدائم وإحاطته الكاملة بوجودنا. لذلك، إذا شعرنا بالبعد، فإن هذا الشعور غالبًا ما ينبع من عوامل داخلية وخارجية تمنعنا من إدراك هذا القرب المتأصل. أحد الأسباب الرئيسية لهذا الشعور بالبعد هو الغفلة ونسيان ذكر الله. الحياة اليومية، بما فيها من مشاغل وهموم وملاهي، تصرف أذهاننا عن ذكر الله. عندما يتركز اهتمامنا بالكامل على الأمور الدنيوية، والرغبات المادية، والطموحات، يتلاشى الاتصال القلبي بالخالق تدريجياً. يقول القرآن في سورة الرعد، الآية 28: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). هذه الآية توضح بجلاء أن الطمأنينة والقرب من الله مرهونان بذكره. والابتعاد عن الذكر يعني الابتعاد عن مصدر الطمأنينة والقرب. عامل آخر هو ارتكاب الذنوب والتقصير في أداء الواجبات الدينية. الذنوب تعمل كحجاب أو حاجز بين الإنسان وربه. وكلما زادت الذنوب وقلت التوبة، ازداد هذا الحجاب سمكًا، وتكثف الشعور بالبعد. في الواقع، ليس الذنب نفسه هو الذي يبعدنا عن الله، بل إهمال التوبة والعودة إليه هو الذي يخلق هذه الفجوة. لقد أكد القرآن مرارًا وتكرارًا على التوبة والعودة إلى الله. في سورة الزمر، الآية 53، يقول: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم). هذه الآية تبين أن باب التوبة مفتوح دائمًا، واليأس من رحمة الله هو بحد ذاته ذنب عظيم. أحيانًا، يمكن أن تزيد الابتلاءات والمحن من هذا الشعور بالبعد. عندما يواجه الإنسان صعوبات ومشاكل، قد يظن خطأً أن الله قد نسيه أو تركه وشأنه. ومع ذلك، يؤكد القرآن مرارًا أن الابتلاءات جزء لا يتجزأ من الحياة، وهي مصممة لاختبار وتطهير إيمان الإنسان. في سورة البقرة، الآية 155، نقرأ: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين). هذه اللحظات هي فرص لزيادة القرب من الله من خلال الصبر والدعاء والتوكل. إذا لجأنا إليه بدلاً من الشكوى خلال هذه الأوقات، فسندرك أنه لم يتخلَ عنا حتى في أصعب الظروف. كما أن عدم المعرفة الكافية بصفات الله يمكن أن يسهم في هذا الشعور بالبعد. إذا نظرنا إلى الله على أنه مجرد قوة معاقبة وتغافلنا عن صفات رحمته ولطفه ومغفرته ورزقه، فمن الطبيعي أن نشعر بالبعد عنه. الفهم الصحيح لصفات الله يساعدنا على رؤية الله ليس فقط كحاكم قدير، بل كصديق ومعين وملجأ لنا. هذا الفهم العميق هو الذي يحيي شعور القرب والأنس به في قلوبنا. للتغلب على هذا الشعور بالبعد واستعادة القرب من الله، يقدم القرآن لنا العديد من السبل العملية. الخطوة الأولى هي زيادة ذكر الله في جميع الأوقات: من خلال الصلاة، والدعاء، وتلاوة القرآن، وحتى الذكر اللساني طوال اليوم. ثانيًا، التوبة والاستغفار المستمر لتطهير القلب من شوائب الذنوب. ثالثًا، التفكر والتدبر في آيات القرآن وعلامات الله في الكون لنفهم عظمته ورحمته بشكل أفضل. رابعًا، أداء الأعمال الصالحة وخدمة الخلق، مما يؤدي إلى رضا الله وزيادة النور الروحي في القلب. خامسًا، الصبر والثبات في مواجهة الصعوبات والاعتماد الكامل على الحكمة الإلهية وراء جميع الأحداث. في النهاية، يجب أن نعلم أن الله تعالى دائمًا ينتظر عودة عباده، ويكفي أن نخطو خطوة واحدة نحوه ليخطو هو خطوات عديدة نحو. هذا الشعور بالبعد قد يكون بمثابة إنذار لإعادة تقييم مسار حياتنا وتقوية علاقتنا بمصدر الوجود، حتى نذوق حلاوة القرب الإلهي مرة أخرى.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في روضة سعدي (گلستان سعدي) يروى أن درويشًا فقيرًا ومريضًا كان يشكو باستمرار من البعد والغفلة. كان يعتقد أن الله غافل عن حاله وقد تركه لشأنه. في أحد الأيام، التقى بحكيم وباح له عما في قلبه. ابتسم الحكيم وقال: «أيها الدرويش، إذا كان الماء في الإبريق وأنت عطشان، فهل الإبريق بعيد عنك أم أنك سحبت يدك عن الإبريق؟» فكر الدرويش لحظة وأجاب: «لقد سحبت يدي.» قال الحكيم: «هكذا حالك مع خالقك. إنه قريب دائمًا، وإبريق رحمته ممتلئ. لكن أحيانًا تكون عيوننا محجبة بالغفلة وأيدينا بالذنب، مما يمنعنا من استقاء ماء المعرفة. طهر قلبك من صدأ الدنيا وارفع يديك بالدعاء، فسترى أنه أقرب من أي نداء.» اطمأن الدرويش لهذه النصيحة والتفت إلى الذكر والتوبة، وسرعان ما شعر بسلام الله وقربه في أعماق روحه.

الأسئلة ذات الصلة