لماذا أشعر أحيانًا بعدم الدافع لفعل الخير؟

ينبع نقص الدافعية للخير غالبًا من وساوس الشيطان، التعلق بالدنيا، والغفلة عن ذكر الله. وتشمل العلاجات القرآنية الذكر والصبر والصلاة والتوبة وجهاد النفس لاستعادة السلام والدافعية الروحية.

إجابة القرآن

لماذا أشعر أحيانًا بعدم الدافع لفعل الخير؟

الشعور بعدم الدافعية تجاه فعل الخير وأداء العبادات، هو تجربة إنسانية، بل وتحدي يواجهه العديد من المؤمنين في مسيرة حياتهم. هذه الحالة، التي تُسمى أحيانًا بالفتور أو الكسل الروحي، لها أسباب وحلول متعددة من منظور القرآن الكريم، والتي يمكن أن تساعدنا على فهم هذا الشعور والتغلب عليه. إن القرآن، بصفته كتاب هداية لجميع جوانب حياة الإنسان، قد أولى اهتمامًا دقيقًا للجوانب الروحية والنفسية للبشر، وقدم مسارات لتحقيق السلام الداخلي والنشاط الروحي. أحد أهم الأسباب التي يشير إليها القرآن هو وساوس الشيطان. إن الشيطان هو العدو اللدود للإنسان ويسعى دائمًا لإبعاده عن طريق الحق والخير. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 268: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"، أي: "الشيطان يوعدكم الفقر ويأمركم بالبخل والكفر، والله يوعدكم مغفرة منه لذنوبكم ورزقًا في الدنيا والآخرة". هذه الآية تُظهر كيف يمنع الشيطان الإنسان من التحرك نحو الخير من خلال تخويفه من عواقب الأعمال الصالحة الدنيوية، أو من خلال تزيين الذنوب والكسل. يمكن أن تظهر هذه الوساوس في شكل شعور بالتعب أو الضجر أو التسويف في فعل الخير. سبب آخر هو التعلق المفرط بالحياة الدنيا والغفلة عن الآخرة. يحذر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا الإنسان من أن يفتتن ببريق الدنيا وينسى الغاية الأساسية من خلقه. في سورة الحديد، الآية 20، نقرأ: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ". هذه الآية تشبه الحياة الدنيا باللعب واللهو والزينة والتفاخر، والتي في النهاية تتلاشى. عندما يكرس الإنسان كل اهتماماته ومساعيه للدنيا، تقل دوافعه للأعمال الأخروية والخيرية، لأنه يرى المكافآت الأخروية بعيدة وغير ملموسة. كما أن الغفلة نفسها، أي نسيان ذكر الله والهدف الأساسي من الحياة، يمكن أن تكون عاملاً مهمًا في عدم الدافعية. يذكر القرآن الكريم في سورة الأعراف، الآية 179، أن الذين لهم قلوب لا يفقهون بها، وأعين لا يبصرون بها، وآذان لا يسمعون بها (أي الغافلون)، هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً. الغفلة تخلق حجابًا على القلب، يمنع إدراك اللذة الروحية والدافعية لفعل الخير. يقدم القرآن الكريم العديد من الحلول العملية والروحية لمواجهة هذا الشعور بعدم الدافعية. من أهم هذه الحلول، الذكر الدائم لله تعالى. في سورة الرعد، الآية 28، يقول الله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"، أي: "الذين صدَّقوا بالله ورسوله، واستقرت قلوبهم بذكر الله وطاعته؛ ألا بذكر الله وحده تطمئن القلوب وتسكن". ذكر الله لا يجلب الطمأنينة فحسب، بل يوفر أيضًا الدافع والطاقة اللازمة لأداء العبادات والأعمال الصالحة. عندما يرى الإنسان نفسه دائمًا في حضرة الله، فإنه يقل شعوره بالكسل والتراخي. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الصبر والصلاة ركنين أساسيين لطلب العون من الله. في سورة البقرة، الآية 153، نقرأ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، أي: "يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله! استعينوا في أموركم كلها بالصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة، وبالصلاة التي تنهاكم عن الفحشاء والمنكر؛ إن الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه". الصلاة هي صلة مباشرة بالخالق وتُقوي الطاقة الروحية للإنسان. أما الصبر فيعني الثبات على الحق والمقاومة ضد المشاكل والوساوس؛ وهذا يشمل الصبر على أداء الطاعات وترك المعاصي. كما أن التفكر والتدبر في الآيات الإلهية وعلامات قدرة الله في الخلق، من العوامل الأخرى التي يمكن أن تزيد من دافعية الإنسان. عندما يدرك الإنسان عظمة الوجود وحكمة الله، يزداد شوقه ورغبته في العبادة وفعل الخير. وكذلك، فإن التوبة والاستغفار المستمر، ينقي القلب من صدأ الذنوب ويفتح الطريق لتلقي الفيوضات الإلهية وزيادة الدافعية. أخيرًا، يؤكد القرآن على ضرورة جهاد النفس ومكافحة الميول السلبية الداخلية. في سورة العنكبوت، الآية 69، نقرأ: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"، أي: "والذين جاهدوا أعداءهم من الكفار، أو جاهدوا أنفسهم بإخلاص العبادة لله، لنرشدنهم إلى طرق الخير والتوفيق، وإن الله لمع المحسنين بعونه وتوفيقه ونصرته". وهذا الجهاد يشمل أيضًا السعي للتغلب على الكسل والتراخي وعدم الدافعية. بالإرادة والجهد المستمر، يمكن التغلب على هذه الحالة وتذوق حلاوة فعل الخير والقرب من الله. لذا، إذا شعرنا أحيانًا بعدم الدافعية تجاه الخير، يجب أن ننظر في داخلنا، ونحدد أسباب ذلك، وبالاعتماد على توجيهات القرآن الكريم، نستعين بذكر الله والصبر والصلاة والتوبة، لاستعادة حماسنا وشوقنا لخدمة الخالق ومخلوقاته. هذا المسار هو رحلة دائمة تتطلب اهتمامًا وجهدًا مستمرين.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، في مدينة يغمرها الخير، عاش رجل يُدعى "فرهاد"، كان طيب القلب ونواياه حسنة، لكن الكسل كان يتغلب عليه أحيانًا، مما يمنعه من فعل الخير. في أحد الأيام، ذهب إلى حكيم ومعلم حكيم وشكا له حاله. قال الحكيم بابتسامة لطيفة: "يا فرهاد! لا تظن أن الماء الراكد يبقى نقيًا وعذبًا. فكما يفسد الماء وتفوح منه رائحة كريهة، كذلك القلب إذا لم يجرِ في سبيل الخير والسعي، فإنه يعكر صفوه، ويهجره الدافع." وتابع الحكيم: "هل رأيت طائرًا لا يستخدم جناحيه ويأمل أن يطير؟" هز فرهاد رأسه. فقال الحكيم: "إذن انهض وافرد أجنحة الهمة وذكر الله. كل عمل صالح يبدأ بذكره، هو كبذرة خفية تُزرع في أرض القلب، فتتحول إلى شجرة مثمرة ظلها راحة وثمرها حلو. حتى أصغر خطوة في طريق الخير، تنير القلب وتضفي نورًا على الحياة." عندما سمع فرهاد هذه الكلمات، أشرق قلبه وفهم أن الدافع كالنار التي يجب أن تُوقد باستمرار بحطب الذكر والعمل الصالح. ومنذ ذلك الحين، كلما شعر بالتراخي، تذكر كلمات الحكيم، وبعون الله وبجهد ولو بسيط، كان يطرد عنه عدم الدافعية ويتذوق حلاوة أداء الواجب ومساعدة الخلق. حقًا، "من ترك الدنيا وأقبل على الحق، وجد الراحة."

الأسئلة ذات الصلة