لماذا أشعر أحيانًا بعدم الجدوى في الليل؟

الشعور بعدم الجدوى فرصة لإعادة تقييم الهدف الحقيقي للحياة: عبودية الله. ذكر الله واللجوء إليه عبر الصلاة والصبر يجلبان السكينة للقلوب، وكل عمل صالح له قيمة عند الله.

إجابة القرآن

لماذا أشعر أحيانًا بعدم الجدوى في الليل؟

إن الشعور بعدم الجدوى، خاصة في هدوء الليل وسكونه، هو تجربة يواجهها الكثير من الناس في مراحل مختلفة من حياتهم. يمكن أن ينبع هذا الشعور من عوامل مختلفة، تتراوح بين الإرهاق الشديد وضغوط الحياة اليومية، وصولاً إلى الاحتياجات الروحية والمعنوية الأعمق التي قد تكون قد ضاعت في صخب النهار. من منظور القرآن الكريم، هذه المشاعر، وإن كانت صعبة، يمكن أن تكون فرصة للتأمل العميق في معنى الحياة ومكانة الإنسان في الوجود. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على حقيقة أن الحياة الدنيا زائلة ومؤقتة، وأن الهدف الأساسي للإنسان هو العبودية والقرب من الله؛ ليس مجرد تحقيق النجاحات المادية أو الإشباعات الدنيوية الزائلة. عندما ينسى الإنسان هدفه الأساسي من الخلق أو يربط قيمته فقط بالإنجازات الخارجية، فقد يتسلل إليه شعور بالفراغ أو عدم الجدوى في لحظات الوحدة والصمت. هذا الشعور ليس مؤشرًا على عدم القيمة، بل يمكن أن يكون بمثابة جرس إنذار لإعادة تقييم الأولويات والعودة إلى المصدر الحقيقي للسكينة. يصرح القرآن الكريم بوضوح أن الإنسان خُلق لغاية نبيلة. ففي سورة الذاريات، الآية 56، يقول تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ». هذه الآية الأساسية تحدد الغاية الوجودية للإنسان وهي العبودية والعبادة لله. والعبادة هنا لا تعني فقط أداء الفرائض الدينية، بل تشمل جميع جوانب حياة الإنسان التي تتم بنية إلهية وفي سبيل مرضاة الله؛ من العمل والجهد اليومي إلى خدمة الخلق وحتى لحظات الفكر والتأمل. عندما نجعل هذه الغاية النبيلة سارية في حياتنا، يكتسب كل عمل، مهما كان صغيرًا، معنى عميقًا، ويصبح الشعور بعدم الجدوى بلا معنى، لأن كل لحظة من الحياة يمكن أن تكون تجليًا للعبادة والعبودية. الليل، بسكونه وهدوئه، يوفر بيئة مناسبة لهذا التأمل وتذكر الغاية الأساسية. في هذا الوقت، يمكن للإنسان أن يخلو بنفسه، يضع الأصوات الخارجية جانبًا، ويستمع إلى الصوت الداخلي الذي يدعوه نحو خالقه. من أنجع الطرق للتغلب على شعور عدم الجدوى هو ذكر الله. ففي سورة الرعد، الآية 28، يقول تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». هذه الآية تؤكد بقوة على قدرة ذكر الله في تسكين القلق والهموم الداخلية. في ظلام الليل، حيث قد يميل العقل أكثر نحو الأفكار السلبية، يكون ذكر الله كالنور الذي يضيء القلب ويعيد إليه الشعور بالسكينة والغاية. يمكن أن يكون هذا الذكر من خلال تلاوة القرآن، أو التسبيح، أو الصلاة والدعاء. صلاة الليل والمناجاة في جوف الليل توفر فرصة لا تقدر بثمن للتواصل العميق مع خالق الكون وتفريغ القلب من كل حزن ويأس. عندما يقف الإنسان بخضوع أمام عظمة ربه ويناجيه، يشعر بأنه ليس وحده، ويمتلئ كيانه كله بالمعنى والغاية. هذا الاتصال يعيد إلى الإنسان إحساسه بالانتماء والقيمة. كذلك، يعلمنا القرآن أن الحياة هي مسرح للاختبار والامتحان، وأن كل إنسان سيواجه تحديات وصعوبات. ففي سورة البقرة، الآية 155، نقرأ: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ». يمكن أن يكون الشعور بعدم الجدوى أحد أشكال هذه الاختبارات. الصبر والمثابرة في مواجهة هذه المشاعر، والسعي لتغيير النظرة إلى الحياة وإيجاد معناها الإلهي فيها، هو نوع من الجهاد النفسي. كل جهد يبذل للتقرب من الله، حتى لو بدا صغيرًا، هو عظيم في نظره. في سورة النساء، الآية 124، يقول تعالى: «وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا». تشير هذه الآية إلى أن لا عمل صالح، ولا نية، ولا جهد لتحسين الحالة الروحية، سيكون بلا ثمر. الله يجازي حتى على أصغر الأعمال الصالحة، ويعرف كل فرد بكل وجوده وجهوده. لذلك، لا مكان للشعور بعدم الجدوى عند مواجهة العظمة الإلهية والهدفية الخلق. للتغلب على هذا الشعور، يمكن للمرء أن يلجأ في الليل إلى أعمال تقرب القلب من الله. التأمل في آيات الله في الآفاق والأنفس، تدبر القرآن، التوبة والاستغفار، وطلب العون من الله من خلال الدعاء والصلاة (كما ورد في سورة البقرة، الآية 45: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ» - واستعينوا بالصبر والصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)، كلها يمكن أن تساعد الإنسان على التحرر من قبضة هذا الشعور. لنتذكر أن الله أرحم من أن يخلق عبده بلا هدف أو بلا قيمة. كل إنسان، بكل نقائصه وعيوبه، له قيمة عند الله، ويمكنه، بالعودة إليه، أن يجد المعنى الحقيقي لوجوده ويمتلئ بالنور الإلهي. في النهاية، الليالي هي فرص لاستعادة الذات، وتقوية الإيمان، وتجديد العهد مع الرب، وليست وقتًا للغرق في أفكار اليأس.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

جاء في گلستان سعدي أن درويشًا، على الرغم من ملابسه البالية وبيته المتواضع، كان قلبه مليئًا بالسلام. وفي ليلة من الليالي، مر عليه شيخ القرية، الذي كان من الأغنياء، وكان يعاني من الأرق في سريره الناعم، قلقًا من ألف فكر وهمّ. سأل الشيخ الدرويش: «يا درويش، ما شأنك تنام هكذا هادئًا ومطمئنًا، بينما أنا، مع كل هذه الثروة، لا أجد لحظة راحة؟» أجاب الدرويش: «يا سيدي الكريم، لم أضع قلبي في رهن شيء، بل سلمت قلبي لخالق الوجود. كل ما أملك منه، وكل ما لا أملك، أعلم أنه من حكمته. لهذا السبب، في الليل والنهار، لست حزينًا على ما أملك ولا مضطربًا مما لا أملك. راحة قلبي تأتي من أنني أرى نفسي في طريق عبادة الله، وأعلم أن كل خطوة أتخذها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، لها قيمة في حضرته. أنت أيضًا، إذا حررت قلبك من تعلقات الدنيا وتوجهت إلى خالقك، ستمتلئ لياليك بالسلام وكيانك بالمعنى، متحررًا من أي شعور بعدم الجدوى.»

الأسئلة ذات الصلة