لماذا أشعر أحيانًا بضعف في إيماني عندما أرى إيمان الآخرين؟

الشعور بضعف الإيمان عند رؤية الآخرين طبيعي، وينبع من المقارنة، وتقلب الإيمان، والابتلاء الإلهي. يؤكد القرآن على فردية الإيمان وأهمية ذكر الله، والعمل الصالح المخلص، وتدبر الآيات لتقوية المرء داخليًا بدلاً من المقارنات الخارجية.

إجابة القرآن

لماذا أشعر أحيانًا بضعف في إيماني عندما أرى إيمان الآخرين؟

إن الشعور بالضعف في الإيمان، خاصة عندما ينظر الإنسان إلى الإيمان الراسخ والأعمال الصالحة للآخرين، هو ظاهرة شائعة وإنسانية يمر بها الكثير من المؤمنين. هذا الشعور يمكن أن ينبع من جوانب متعددة؛ أحيانًا يكون نتيجة لمقارنة النفس بالآخرين في مسار العبادة بشكل لا إرادي، وأحيانًا أخرى ناتجًا عن عدم فهم طبيعة الإيمان الديناميكية وتقلباته، وقد يكون في بعض الأحيان نتيجة للوساوس الشيطانية التي تهدف إلى تثبيط العزيمة وإبعاد الإنسان عن مسار العبودية والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. القرآن الكريم، ببصيرته العميقة في النفس البشرية وحقيقة الإيمان، يقدم حلولاً شاملة وإرشادات عملية لفهم هذا الشعور وإدارته، ويساعد المؤمنين على الثبات على طريق التوحيد والتقرب إلى الله، وبالتالي يجدون الطمأنينة الحقيقية في قلوبهم. النقطة الأولى والأساسية التي يؤكد عليها القرآن الكريم هي فردية الإيمان ومسؤولية كل شخص على حدة. في سورة الأنعام، الآية ١٦٤، يقول الله تعالى: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ» (ولا تحمل نفسٌ مذنبةٌ ذنبَ نفسٍ أخرى). هذه الآية الجوهرية تطرح مبدأً بالغ الأهمية في النظام الاعتقادي الإسلامي: حساب كل شخص مع ربه مستقل وفردي، ولا أحد مسؤول عن أعمال أو إيمان الآخر. الإيمان، في جوهره، رحلة شخصية يجب على كل نفس أن تخوضها وتسعى لإكمالها بجهدها وإخلاصها ومجاهدتها الخاصة. مقارنة النفس بالآخرين في هذا المسار المتعرج يمكن أن تؤدي إلى آفتين عظيمتين ومدمرتين. الأولى، الحسد والغيرة مما يملكه الآخر أو يقوم به من أعمال، وهذا يمكن أن يمرض القلب، وينزع البركة من الطاعات، ويزيل الطمأنينة الداخلية. والثانية، اليأس والقنوط من الذات ومن مسار العبودية، اعتقادًا خاطئًا بأنه لا يمكن أبدًا الوصول إلى مستوى إيمان وكمال الآخرين. القرآن يحذرنا من الوقوع في هذه الفخاخ الروحية، ويوصينا بأن نرفع أبصارنا عن إنجازات الآخرين أو حالاتهم الروحية، وبدلاً من ذلك، نركز بقلوبنا كلها على إصلاح وتزكية أنفسنا. الإيمان الحقيقي لا يكمن في المظاهر الخارجية، التي غالبًا ما نرى منها السطح فقط، بل يتجذر في عمق القلب وصدق العلاقة الحميمة مع الله. ربما ما نراه من إيمان الآخرين ليس إلا جزءًا صغيرًا من حقيقة وجودهم، ونحن غالبًا ما نكون غافلين عن صراعاتهم الداخلية، وأخطائهم الشخصية، أو حتى نفاقهم الخفي (إذا كان موجودًا). لذلك، هذه المقارنات دائمًا ما تكون ناقصة ومضللة. النقطة الثانية هي فهم الطبيعة الديناميكية والمتغيرة والمتنامية للإيمان. الإيمان، تمامًا كالشجرة المزدهرة، يحتاج إلى سقاية مستمرة، وضوء كافٍ، ورعاية دقيقة لينمو، ويقوى ساقه، وتتعمق جذوره، وفي النهاية يؤتي ثماره. في سورة الفتح، الآية ٤، يقول القرآن الكريم بكلمات رائعة: «هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ» (هو الذي أنزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم). هذه الآية توضح بجلاء أن الإيمان ليس ثابتًا أو جامدًا؛ بل يمتلك القدرة على الزيادة والنقصان والتقلب. قد يشعر الإنسان في يوم بقوة عظيمة، وقرب غير مسبوق من الله، وانتعاش روحي، بينما في أيام أخرى قد يواجه تحديات، وشكوكًا، أو وساوس قد تولد شعورًا بالضعف في الإيمان. هذه التقلبات جزء طبيعي وحتمي من مسار النمو الروحي والاختبار الإلهي، ويجب ألا تكون سببًا لليأس أو الإحباط بأي حال من الأحوال. بل إن هذه اللحظات هي فرص ثمينة للمراجعة الذاتية، وطلب المغفرة (الاستغفار) عن التقصير، ومضاعفة الجهود للتقرب إلى الله. الهدف الأساسي ليس الوصول إلى 'نقطة نهاية' ثابتة أو كمال مطلق في الإيمان، بل الثبات على 'مساره'، والسعي الدائم نحو التقدم والارتقاء الروحي، والتحرك نحو مرضاة الله. النقطة الثالثة هي الحكمة الإلهية الكامنة في ابتلاء واختبار العباد، والتي تكشف أبعادًا مختلفة للإيمان. في سورة العنكبوت، الآيتين ٢ و ٣، يقول الله تعالى: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)). هذه الآيات العميقة تعلمنا أن الحياة مليئة بالامتحانات والابتلاءات، وأن الإيمان الحقيقي يتشكل، ويتقوى، ويثبت في خضم هذه الاختبارات. أحيانًا، يكون الشعور بالضعف في الإيمان بحد ذاته اختبارًا عميقًا من الله، مصممًا ليحث الإنسان على التعمق في ذاته، وتحديد نقاط ضعفه ومواطن قصوره، وتحفيزه لبذل جهود مكثفة لتقويتها. رؤية الإيمان القوي لدى الآخرين يمكن أن تكون أيضًا اختبارًا دقيقًا؛ هل ستقودنا هذه الملاحظة إلى الحسد واليأس من رحمة الله، أم ستلهمنا للسعي بجد أكبر في عبادتنا، وتزكية أنفسنا، وزيادة التوكل على الله؟ القرآن يؤكد بشدة أن الغرض من هذه الابتلاءات هو إظهار صدق الإيمان الباطني أو كذبه، وليس مجرد إحداث المشقة والصعوبة. كل مشقة هي درس، وكل ضعف هو فرصة للنمو. تتخلص الحلول القرآنية لتقوية الإيمان والتغلب على هذا الشعور بالضعف في عدة محاور رئيسية، وكلها تتطلب العزيمة والمواظبة: 1. المداومة على ذكر الله: كما يؤكد القرآن في سورة الرعد، الآية ٢٨: «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). ذكر الله، سواء باللسان (تلاوة القرآن، الدعاء، قول الأذكار والتسبيحات) أو بالقلب (التفكر في آيات الله، التأمل في النعم، الانتباه للحضور الإلهي)، هو مصدر عظيم للقوة الروحية، وثبات القلب، ومضاد فعال لمشاعر الضعف والقلق. عندما يطمئن القلب بذكر الله، تتلاشى وساوس المقارنة واليأس والحسد تدريجيًا وتفسح المجال للطمانينة والتوكل. 2. التركيز على العمل الصالح والإخلاص في النية: بدلاً من الانغماس في مقارنات لا تثمر، ركز على أداء الأعمال الصالحة بنية خالصة، لوجه الله وحده. حتى الأعمال الصغيرة، إذا كانت مستمرة ومخلصة، لها تأثير عميق في تثبيت الإيمان ونموه. الله لا ينظر إلى كمية العمل، بل إلى جودته والنية النقية التي تكمن وراءه. هذا التركيز على الداخل والنية يحول الانتباه عن الخارج والآخرين. 3. تلاوة القرآن الكريم وتدبره بعمق: القرآن هو كلام الله الهادي وشفاء للقلوب. التلاوة المنتظمة لآياته، مصحوبة بالتدبر العميق في معانيها الجليلة، تقوي الارتباط القلبي بالخالق وتزيد بصيرة الإنسان بحقيقة الإيمان، وهدف الخلق، ومكانته في الوجود. الفهم العميق للرسائل الإلهية يمنع الشعور بالدونية، أو تثبيط العزيمة، أو اليأس أمام إيمان الآخرين، لأن الفرد يعرف المعيار الحقيقي. 4. الدعاء والاستعانة بالله بشكل مستمر: الإيمان نعمة إلهية ثمينة وهبة من الله، ويجب طلبها باستمرار من الله. طلب الثبات على الدين، وزيادة الإيمان، وإزالة الضعف من الله تعالى، هو علامة على التوكل والتواضع والثقة الكاملة بقدرته التي لا حدود لها. الدعاء هو الجسر الذي يربط الإنسان بمصدر القوة الذي لا ينضب. 5. مصاحبة الصالحين والعلماء (دون مقارنة ضارة): يوصي القرآن بمعاشرة الصالحين وأهل العلم والتقوى. الجلوس مع من يتمتعون بإيمان قوي ومعرفة عميقة يمكن أن يكون مصدر إلهام كبير، ويقوي الروح المعنوية، ويمنح الإنسان دافعًا. ومع ذلك، يجب الحذر من أن تؤدي هذه المعاشرة إلى مقارنات ضارة وحسد. استفد من تجاربهم ومعرفتهم، واطلب إرشادهم، لكن لا تقارن مسارك الفريد بمسارهم، لأن كل شخص يُختبر في طريقه الخاص. 6. معرفة النفس وتقبلها بتواضع: لكل إنسان نقاط قوة وضعف خاصة به. تقبل حقيقة أن لا أحد في هذا العالم كامل، بمن فيهم نحن أنفسنا، يساعد في تخفيف العبء النفسي للمقارنة. المهم هو السعي للتحسين المستمر، خطوة بخطوة، والتحرك في النهاية نحو مرضاة الله، وليس الوصول إلى كمال وهمي وغير واقعي بناءً على مقارنات مع الآخرين. هذا التواضع أمام الذات هو، في الواقع، تواضع أمام المشيئة الإلهية. في الختام، يرشدنا القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة الأساسية بأن الإيمان أمانة إلهية ثمينة من الله، وأن الجهد المبذول للحفاظ عليها وتقويتها هو جهاد مستمر، داخلي وشخصي. الشعور بالضعف من حين لآخر ليس علامة على ضعف دائم أو جوهري، بل هو تنبيه بناء للعودة إلى الذات، والتأمل الداخلي، واللجوء مرة أخرى إلى حصن ذكر الله القوي والمريح. بدلاً من الانشغال بإيمان الآخرين أو مظهر أعمالهم، وقياس أنفسنا بمعايير خارجية، يجب أن ننظر إلى دواخلنا ونسعى لزراعة بذور الإيمان في التربة الخصبة لقلوبنا. هذا المسار سيكون مباركًا، ومليئًا بالسكينة، ومليئًا بالنمو، لأن الإنسان يتعلم أن المعيار ونقطة المقارنة الحقيقية الوحيدة هي فقط مرضاة الله تعالى، وليس نظرات العباد أو أحكامهم أو أفعالهم. كل خطوة في هذا الطريق، حتى أصغرها، مسجلة ومثاب عليها عند الله، وفي الحقيقة، كل خطوة نحو الله هي خطوة نحو القوة والسلام الأبدي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

ذات يوم، حكى أحد أصحاب الحكماء أنه في شبابه، كان يمضي الليل كله في العبادة والذكر، بينما كان والده نائمًا بجانبه. ذات ليلة، قال لوالده: "يا أبي! كل هؤلاء الناس نائمون في غفلة، ولا يقوم أحد منهم لصلاة الليل. كأنهم أموات!" فأجابه والده: "يا بني! ليتك كنت نائمًا أنت أيضًا، بدلًا من أن تغتاب الناس وتمتنع عن سوء القول فيهم." هذه القصة الجميلة من روائع گلستان سعدي تذكرنا بألا نقارن أنفسنا بالآخرين أبدًا. وبدلاً من النظر إلى مظهر أعمالهم، يجب أن ننظر إلى دواخلنا، ونتواضع، ونسعى لإصلاح أنفسنا لكي تهدأ قلوبنا.

الأسئلة ذات الصلة