قد تحدث نتائج سيئة رغم النوايا الحسنة بسبب الحكمة الإلهية، أو الابتلاء، أو محدودية فهمنا، أو الحاجة إلى بذل المزيد من الجهد والتدبير. التوكل على الله والتعلم من التجارب أمر أساسي.
هذا سؤال عميق وذو معنى، يواجهه الكثير من الناس في حياتهم ويتساءلون: "رغم أن نيتي كانت حسنة وقلبي كان ينبض بالخير، فلماذا يتخذ القدر مسارًا آخر وتنتج عنه نتائج غير مرغوبة؟" الإجابة على هذا السؤال تكمن جذورها عميقًا في تعاليم القرآن الكريم وتتطلب فهمًا شاملاً لفلسفة الخلق، ومكانة الإنسان في الوجود، ودور القدر الإلهي إلى جانب الجهد البشري. يبين القرآن الكريم هذا الأمر بجمال، موضحًا أن الكون مبني على حكمة عظيمة، وكل حدث، حتى ما يبدو لنا سيئًا في الظاهر، يحمل أبعادًا خفية من الخير ودروسًا لنمونا وكمالنا. أحد أهم المفاهيم القرآنية في هذا الصدد هو مفهوم "القدر الإلهي". يذكر الله تعالى في آيات عديدة أن كل شيء مسجل ومقدر في اللوح المحفوظ. ففي سورة الحديد الآية 22 يقول: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ". هذه الآية تشير إلى أن الله عليم بكل الأمور منذ الأزل وقد قدرها. لكن هذا لا يعني نفي اختيار الإنسان. فالإنسان مختار ومسؤول عن أعماله. العلاقة بين القدر والاختيار معقدة؛ فقد قدر الله المصير العام، ولكن في إطار ذلك، منح الإنسان القدرة على الاختيار والاجتهاد. أحيانًا تكون النتائج غير المرغوبة في الواقع جزءًا من القدر الإلهي لاختبار صبرنا وإيماننا وصمودنا. يصرح القرآن بوضوح أن الدنيا دار اختبار وامتحان. ففي سورة العنكبوت الآيتين 2 و 3 يقول الله: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ". هذه الاختبارات تظهر أحيانًا في صورة نتائج سلبية أو عدم تحقيق الأهداف المرجوة، حتى مع وجود النية الحسنة. ليس الهدف من هذه الاختبارات مجرد العقاب، بل هو تقوية الإيمان، وتطهير الذنوب، ورفع المقامات، وإظهار حقيقة الإنسان الداخلية. ما نصفه بـ"النتيجة السيئة" قد يكون في الحقيقة بذرة خير ستؤتي ثمارها في المستقبل القريب أو البعيد، وتجلب لنا منافع لم نكن قادرين على إدراكها في تلك اللحظة. سبب آخر قرآني لهذه الحالة هو محدودية فهم الإنسان وعلمه. ففي سورة البقرة الآية 216 يقول الله: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". هذه الآية المحورية توجه بصرنا نحو حكمة أعلى. نحن نصنف النتائج على أنها "جيدة" أو "سيئة" بناءً على منظورنا المحدود ومعاييرنا الدنيوية، في حين أن الله، بعلمه اللامتناهي، يعلم جميع أبعاد وعواقب الأمور. قد ينقذنا فشل ظاهري من خطر أكبر، أو يفتح لنا آفاقًا لفرص أفضل لم نكن لنواجهها أبدًا لو كنا قد حققنا هدفنا الأولي. علاوة على ذلك، يجب الانتباه إلى أن النية الحسنة شرط لازم، لكنها قد لا تكون كافية أحيانًا. يؤكد القرآن بشدة على "العمل الصالح" و"السعي". ففي سورة الرعد الآية 11 جاء: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". تشير هذه الآية إلى أهمية الجهد، والتخطيط السليم، والمشورة، واستخدام الأسباب والوسائل الدنيوية إلى جانب التوكل على الله. أحيانًا تكون نيتنا حسنة، ولكن طريقتنا في تنفيذ العمل ناقصة أو خاطئة. قد يؤدي نقص المعرفة الكافية، أو العجلة، أو عدم التشاور، أو إهمال التفاصيل العملية إلى نتائج غير مرغوبة. الإسلام دين العقل والتدبير، ويحثنا على استغلال جميع قدراتنا العقلية والجسدية. فالنية الطيبة يجب أن تقترن بتخطيط محكم وعمل صحيح. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون النتائج السلبية انعكاسًا لأعمالنا الماضية، حتى لو كانت نيتنا الحالية حسنة. ففي سورة النساء الآية 79 يقول القرآن: "مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ". تشير هذه الآية إلى أن أعمالنا، سواء كانت حسنة أو سيئة، لها عواقب وتداعيات في حياتنا. أحيانًا، قد تكون للذنوب والتقصيرات السابقة، حتى لو تبنا منها، آثار باقية تظهر في الوقت الحاضر. وهذا قد يكون أيضًا نوعًا من التطهير والتكفير عن الأخطاء الماضية. في الختام، إن مواجهة النتائج غير المرغوبة هي فرصة للنمو الروحي وتقوية التوكل. يعلمنا القرآن أن نصبر على المصائب ونرضى بقضاء الله. الإيمان بالقدر لا يعني الكسل وعدم السعي، بل يعني إيجاد الطمأنينة أمام الأمور الخارجة عن إرادتنا وسيطرتنا. عندما نجتهد بنية حسنة ولا تتحقق النتيجة المرجوة، يجب علينا بالصبر والتفكير أن نسعى لفهم الحكمة الإلهية، ونتعلم من أخطائنا، ونواصل طريقنا بتوكل كامل على الله. هذه التجارب، إذا نظرنا إليها بعين الإيمان، ليست "سيئة" فحسب، بل هي درجات للصعود الروحي وبلوغ مراتب أعلى عند الله تعالى.
يُحكى أنه في قديم الزمان، عزم رجل تقي وذو نية حسنة على السفر في رحلة روحية. انطلق وقلبه مليء بالخير وعازمًا على كسب رضا الله. في منتصف الطريق، وصل إلى نهر هائج. كانت نيته حسنة بأن يبني جسرًا لمساعدة المسافرين، ولكن بسبب ضعف في الحسابات أو جهل في فن البناء، انهار الجسر، مما تسبب في إزعاج بعض المارة. شعر الرجل بالأسى والحيرة وقال لنفسه: "لماذا لم أرَ سوى الفشل رغم نيتي الطيبة؟" في تلك اللحظة، مر شيخ حكيم وقال: "يا شاب، النية الطيبة تاج الرأس، ولكن التدبير السليم هو عمود العمل. أحيانًا، بانهيار الجسر، يحذرك الله من خطر أكبر على الضفة الأخرى من النهر، كنت ستقع فيه لو اكتمل الجسر. الحكمة الإلهية تتجاوز فهمنا، ويجب أن نتعلم الدروس حتى من الإخفاقات." أخذ الرجل التقي بنصيحة الشيخ، وعلم أن النية الصادقة يجب أن تكون مصحوبة بالحكمة والتدبير، وبالرضا بالقضاء، وأن الله يخفي الخير حتى خلف المظاهر المريرة.