الانحراف عن الهداية غالبًا ما يكون نتيجة غفلة عن تذكيرات الله، ووساوس الشيطان، والجهل بالحقائق الدينية.
إنّ الهداية هي أحد الأهداف الرئيسية التي يسعى المسلمون لتحقيقها في حياتهم، وهي المسار الذي يضمن تواصل الفرد مع خالقه ويدفعه للعيش بسلام وراحة نفسية. فالهداية هي الطريق المستقيم الذي يرسمه الله لعباده لتحقيق السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. لقد جاء القرآن الكريم ليرشد البشرية إلى سبل الهداية، ويبرز العديد من العناصر والأسباب المؤدية إلى الانحراف عن هذا الطريق. في هذا المقال، سنستعرض بعض هذه الأسباب كما وردت في الآيات القرآنية الكريمة، وسنوضح كيف يمكن للأفراد تجنب الانحراف والبقاء ملتزمين بالهداية الإلهية. أولاً: الغفلة كعائق أمام الهداية لقد أشار القرآن الكريم إلى الغفلة كأحد أهم العوامل التي تجعل الأفراد يفقدون وعيهم بتذكيرات الله وبركاته. في سورة المدثر، الآية 5، يقول الله تعالى: "وَذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا". تعكس هذه الآية أهمية الاتصال الدائم بالله تعالى، حيث أن غياب الوعي والتفكر في عظمة الله وآياته يمكن أن يبعد الإنسان عن مسار الهداية. فالشخص الذي لا يتحلى باليقظة والتركيز على ذكريات الله وعظمته قد يغرق في مشاغل الحياة اليومية دون أن يشعر، مما يؤدي إلى عدم الالتزام بالتعاليم الدينية. تعتبر الغفلة مشكلة ليست فردية فحسب، بل هي تحدٍ جماعي يواجه المجتمع بأسره. إن عدم تذكير الآخرين بأهمية الروحانيات ونشر ثقافة الذكر بين الناس يمكن أن يؤدي إلى تآكل القيم الأخلاقية والروحية، بل قد يخلق بيئة ملائمة للانحراف والضياع. لذا، يجب على الأفراد والمجتمعات تعزيز ثقافة الذكر والتذكير بأهمية الالتزام بتعاليم الإسلام للحفاظ على الهداية. ثانياً: الجهل حائل أمام الهداية بالإضافة إلى الغفلة، يأتي الجهل كعائق آخر يبعد الأشخاص عن الهداية. فقد قال الله تعالى في سورة الأنعام، الآية 125: "فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ". يتضح من هذه الآية أن الهداية تتطلب الفهم والمعرفة. فالفرد الذي يجهل تعاليم دينه يجد نفسه مضطربًا وغير مستعد للاتباع الصحيح. لذلك، يجب على الناس أن يسعوا جاهدين لاكتساب المعرفة الدينية، ويبحثوا عن التفاسير الصحيحة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية ليتمكنوا من تجنب الانحراف والانزلاق في المزالق. ثالثاً: الشيطان ودوره في الانحراف هناك أيضًا الشيطان، الذي يمكن اعتباره أحد أكبر الأعداء في حياة الإنسان. فهو عدو يتحين الفرص لنشر الفتن وإبعاد الأشخاص عن سبيل الهداية. كما ورد في سورة البقرة، الآية 168، يقول الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطَانِ". تشير هذه الآية إلى أهمية الحذر من الوساوس والأفكار السلبية التي يتسبب بها الشيطان في قلوب الناس. يجب على المؤمنين أن يكونوا واعين للمغريات التي قد تأتي تحت رعاية الشيطان، ولذا من الضروري عدم التردد في التوجه إلى الله وطلب الحماية منه. إن اتباع خطوات الشيطان يؤدي بالتأكيد إلى الابتعاد عن الهداية، كما يمكن أن يغرق الفرد في الشهوات والمعاصي. لذا، يجب على المسلم أن يسعى إلى التواصل مع الله من خلال العبادات والاستغفار، وتذكير نفسه باستمرار بواجباته نحو الله والنفس. من المهم أيضًا تعزيز مجتمع يناهض الغفلة وينشر الوعي والمعرفة، حتى نتمكن من إعادة الناس إلى الطريق الصحيح. رابعاً: أهمية التذكير والذكر لذا، يتعين على المجتمعات أن تساعد في نشر ثقافة الذكر وتعليم الجيل الجديد أهمية العلاقة مع الله. فالذكر يعدّ من أهم وسائل التوجيه والتقرب إلى الله. فعندما يعتاد الفرد على ذكر الله في جميع الأوقات، يصبح أكثر قربًا لله ويكتسب وعيًا بروحانياته. فالله تعالى يقول في سورة الرعد، الآية 28: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". هذه الآية توضح كيف أن ذكر الله يساعد في تهدئة النفوس وإعطائها السلام الداخلي، مما يجعل الفرد أكثر قدرة على مواجهة الصعوبات والتحديات. خامساً: تعزيز الوعي الديني في النهاية، يمكن القول إن الانحراف عن الهداية قد يكون ناتجًا عن مجموعة متنوعة من العوامل، من بينها الغفلة، الجهل، والوساوس الشيطانية. إذا ما تمكنا من التصدي لهذه العوامل، واستطعنا العودة إلى مسار الهداية، فإننا سنعيد القيم الروحية والأخلاقية التي تتلاشى في زماننا. ينبغي علينا أن نبذل جهدنا لتعزيز الوعي الديني، والتوسع في المعرفة، والحذر من تغرير الشيطان. فالطريق إلى الهداية يتطلب الإخلاص والجد في طلب الحق ومواجهة التحديات. وهذه السبل تعيد الهداية إلى قلوبنا وتضمن لنا حياة مليئة بالسكينة والسلام. فلنحرص على أن نكون دائمي السعي نحو الهداية، ولنتذكر أن الله دائمًا قريب ممن يدعوه.
في يوم من الأيام، كان رجل في السوق يتأمل لماذا يبتعد بعض الناس عن الهداية. لاحظ أن معظم الأفراد الذين ينحرفون هم أولئك الذين يغفلون عن الله ويستمعون إلى وساوس الشيطان. قرر أن يظل واعيًا لله في حياته وأن يقوي علاقته به يوميًا من خلال الدعاء وتلاوة آيات القرآن. مع مرور الوقت، شعر بمزيد من السلام والهداية في حياته.