لماذا تؤدي بعض أعمالي الصالحة إلى التكبر؟

ينبع التكبر بعد الأعمال الصالحة من فقدان الإخلاص ونسيان المصدر الإلهي للنعم والمقارنة الخاطئة. علاجه يكمن في تنمية الإخلاص والتواضع والشكر الدائم لله، لكي تصبح أعمالنا وسيلة للقرب والتواضع الأكبر.

إجابة القرآن

لماذا تؤدي بعض أعمالي الصالحة إلى التكبر؟

في رحلة العبودية والسعي للقرب من الله تعالى، يتعرض الإنسان باستمرار لتجارب وفتن داخلية متعددة. ومن أدق وأخطر هذه الآفات الباطنية هو "التكبر"، خاصة عندما تنبع هذه الصفة المذمومة من قلب الأعمال الصالحة والخيرة. هذه الظاهرة، التي قد تبدو متناقضة للوهلة الأولى، لها جذور نفسية وروحية عميقة، وقد تناولها القرآن الكريم بدقة متناهية. السؤال الأساسي هو: لماذا تتحول أعمالنا الحسنة وعباداتنا أحيانًا، بدلاً من أن تزرع بذور التواضع والخشوع في قلوبنا، إلى أرض خصبة لنمو الغرور والتعالي؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في فهمنا العميق لحقيقة النية، وجوهر العبودية الحقيقية أمام الرب، والمكانة المتواضعة للإنسان أمام العظمة الإلهية اللامتناهية. أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الأعمال الصالحة قد تؤدي إلى التكبر هو "فقدان الإخلاص الكامل". يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أهمية الإخلاص في جميع العبادات والأعمال. فعندما لا يكون عملنا الصالح خالصًا لوجه الله تعالى ورضاه، ويتخلله شيء من "الرياء" (التباهي والقيام بالعمل ليراه الناس ويمدحوه) أو "العُجب" (الإعجاب بالنفس والتلذذ بصلاحها وتوقع الثناء)، فإنه بدلاً من أن يجلب الثواب والقرب الإلهي، يؤدي لا شعورياً إلى أن يرى الفرد نفسه أفضل وأسمى من الآخرين ويتوقع المديح والتقدير. في سورة البينة الآية 5 يقول الله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" أي: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة". هذه الآية توضح بجلاء أن أساس الدين هو الإخلاص في العبودية، وأن أي عمل يفتقر إلى هذا العنصر الحيوي يكون عرضة للآفات الروحية. فالذي يؤدي عمله الخيري من أجل الناس، دون أن يدري، يقع في فخ هذا الظن بأنه أفضل من غيره، وهذا بحد ذاته بداية طريق التكبر. سبب آخر هو "نسيان المصدر الحقيقي للنعم والتوفيقات". الإنسان بطبيعته يميل إلى نسيان حقيقة أن كل توفيق، وكل قدرة على القيام بعمل صالح، وكل خير يصدر منه، وحتى القدرة على النية الصادقة، كلها من فضل الله تعالى وعنايته التي لا حدود لها. عندما يعتبر الإنسان نفسه الفاعل الأصلي وصاحب الإرادة الحقيقية في أداء الأعمال الصالحة، وبدلاً من شكر المنعم الحقيقي، ينسب هذه النجاحات بالكامل إلى قدراته وكفاءاته الشخصية، فإنه يصاب بـ "العُجب" (الإعجاب بالنفس) ثم "التكبر". هذا كان خطأ إبليس عندما اعتبر نفسه مخلوقًا من نار وأفضل من آدم الذي خُلق من طين، وبسبب هذا التكبر طُرد من رحمة الله. في سورة الأعراف الآية 12 نقرأ: "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" أي: "قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين". هذا مثال واضح على التكبر النابع من الشعور بالتفوق، الذي له جذور عميقة في نفس الإنسان. العامل الثالث هو "المقارنة الخاطئة بالآخرين". عندما يقارن الفرد أعماله الصالحة بتقصيرات الآخرين أو ضعفهم أو حتى ذنوبهم، ويرى نفسه في ميزان الشهوات النفسية أفضل منهم، فإن بذرة التكبر تُزرع في قلبه. القرآن الكريم ينهى بشدة عن السخرية والتحقير والحكم على الآخرين. ففي سورة الحجرات الآية 11 يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" أي: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون". هذه الآية تبين أهمية النظرة المتواضعة للآخرين والابتعاد عن الحكم والتحقير. "الجهل بحقيقة العبودية" هو أيضًا من العوامل المساهمة. العبودية تعني أقصى درجات التواضع، والتسليم، والخضوع أمام العظمة الإلهية الأزلية. فكل عمل صالح هو مجرد أداء لواجب؛ واجب أوجبه الخالق على المخلوق، وعليه يُجازى المخلوق، وليس منّة على الله أو على الخلق. يتناقض التكبر تعارضًا واضحًا مع جوهر العبودية. فمن يعتبر نفسه عبدًا حقيقيًا لله، يرى نفسه دائمًا فقيرًا ومحتاجًا إلى عتبة الله، ولا يجد الكبر مكانًا في قلبه أبدًا. مخاطر التكبر خطيرة ومدمرة للغاية. فالله تعالى لا يحب المتكبرين، وهذا ما أكدت عليه آيات عديدة (مثل سورة لقمان الآية 18: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" وسورة النحل الآية 23: "إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ"). التكبر حجاب سميك بين الإنسان والحقيقة، ويمنعه من قبول الهداية والحق. كما أن التكبر يمكن أن يبطل القيمة الروحية للأعمال، بل قد يؤدي إلى إحباطها وضياع ثوابها الأخروي. وقد بين القرآن مصير المتكبرين في الآخرة بوضوح، ووعدهم بالعذاب الأليم. ولكن ما هو العلاج؟ يقدم القرآن الكريم علاجات واضحة وفعالة لهذه الآفة الروحية: أولاً وقبل كل شيء، هو "الإخلاص التام وتطهير النية". يجب علينا دائمًا مراجعة نياتنا والتأكد من أن عملنا خالص لوجه الله فقط. إن أداء الأعمال الصالحة سراً والابتعاد عن التفاخر يمكن أن يكون مفيدًا جدًا في هذا الصدد. ثانيًا، "زرع التواضع والخضوع" في القلب. تذكر ضعف الإنسان وصغره أمام عظمة الله، وتذكر خلقه من تراب مهين (مثل سورة الروم الآية 54: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ") يدفع الإنسان إلى التواضع. ثالثًا، "الشكر الدائم" لله على كل توفيق، لأن هذا الشكر يعترف بأن كل خير هو منه وليس من أنفسنا. رابعًا، "محاسبة النفس والتقييم الذاتي المستمر"؛ أي مراجعة منتظمة للنيات والأعمال وتصحيح أي انحرافات محتملة. خامسًا، "خشية الله (التقوى)"؛ تذكر أن الأعمال الصالحة ليست ضمانًا للخلاص، وأن هناك دائمًا احتمالًا للخطأ والزلل. وسادسًا، "التجنب المطلق لمقارنة النفس بالآخرين" والتركيز على إصلاح الذات وتزكيتها، بدلاً من الحكم على الآخرين أو السعي للتفوق عليهم. في الختام، يجب أن نفهم أن الأعمال الصالحة والعبادات ينبغي أن تكون سلمًا للارتقاء الروحي وجسرًا نحو القرب الإلهي، وأن تزيد من تواضعنا وخشوعنا أمام الله دائمًا، لا أن تكون منصة للغرور والإعجاب بالنفس. من خلال الحفاظ الدائم على نياتنا، وتذكر عظمة الرب وصغر أنفسنا باستمرار، يمكننا التحرر من فخ التكبر وتحويل أعمالنا الصالحة إلى وسيلة حقيقية لتحقيق رضا الله، وبالتالي نصل إلى السكينة والسعادة الحقيقية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في گلستان سعدي، يُروى أن رجلاً ثرياً كثير الصلاة كان قد أدى فريضة الحج مرات عديدة، جلس عند درويش وهو يتكبر. وكان يتحدث بفخر واعتزاز عن كثرة عباداته ورحلات حجه المتعددة، ويرى نفسه أفضل من الآخرين بسبب هذه الأعمال الصالحة، مرددًا: "لقد فعلت هذا وفعلت ذاك." فقال الدرويش بابتسامة هادئة ودافئة، ولكن بكلمات حكيمة: "يا صديقي، لو حججت مائة مرة ماشياً وضحّيت بألف ناقة، ما لم يتطهر قلبك من الكبر والغرور، وتظن أنك أفضل من غيرك، فإن هذه الأعمال الظاهرية لن توصلك إلى مقصدك. فالحج الحقيقي هو حج القلب، والكعبة الحقيقية هي قلب خالٍ من النفس المتمردة والأنانية." فكر الرجل الثري في هذه الكلمات النافذة وأدرك أن قيمة الأعمال الصالحة ليست في كثرتها ولا في التباهي بها والمقارنة، بل في نقاء النية والتواضع أمام الخالق وعباده. ومنذ ذلك الحين، سعى ليجعل من كل عمل خير يقوم به درجة نحو التواضع لا سلماً للغرور والعجب بالنفس.

الأسئلة ذات الصلة