لماذا تبدو بعض أعمالي الصالحة غير مجدية؟

يعزو القرآن الكريم عدم فعالية بعض الأعمال الصالحة إلى عوامل مثل غياب الإخلاص، والرياء، والشرك بالله، وارتكاب الذنوب بعد العمل الصالح. إن الأجر الحقيقي لكثير من الأعمال هو عند الله في الآخرة، وأحيانًا عدم رؤية الأثر الفوري في الدنيا لا يعني أن العمل غير مجدٍ.

إجابة القرآن

لماذا تبدو بعض أعمالي الصالحة غير مجدية؟

إن الشعور بأن بعض الأعمال الصالحة قد تبدو غير مجدية هو شعور يواجهه العديد من الأفراد في رحلتهم الحياتية، خاصة عند السعي لأداء الأعمال الصالحة. هذا السؤال ينبع من أعماق الإنسان ويتطلب إجابة لا تريح القلب فحسب، بل تقدم أيضًا إرشادات عملية لضمان فعالية الأعمال. لقد تناول القرآن الكريم، بصفته كلام الله ودليل الحياة الشامل، هذا الموضوع من زوايا مختلفة، موضحًا الشروط والظروف لقبول الأعمال الصالحة وتأثيرها. مما لا شك فيه أن الله عادل وحكيم، ولا يضيع مثقال ذرة من الأعمال الصالحة. ومع ذلك، فإن فعالية هذه الأعمال في الدنيا أو الآخرة، ومقدارها، تعتمد على عدة عوامل، أهمها ما يلي من منظور القرآن الكريم: العامل الأول وربما الأهم الذي يؤكد عليه القرآن هو "الإخلاص" أو النية الصافية. في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ". هذه الآية توضح صراحة أن أساس العبودية والتدين هو إخلاص النية لله وحده. إذا أُدي عمل صالح، مهما بدا عظيماً أو مفيداً، بدوافع مثل كسب رضا الناس، أو الشهرة، أو أي منفعة دنيوية أخرى غير رضا الله، فإن قيمته الحقيقية عند الله تقل، وقد لا يكون له أي أثر في الآخرة. الرياء، وهو أداء الأعمال الصالحة للمباهاة والظهور أمام الآخرين، هو إحدى الآفات الكبرى للإخلاص وقد ذمه القرآن بشدة. تقول سورة البقرة، الآية 264: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ". هذه الآية توضح بجلاء كيف يمكن للرياء والمنّ أن يمحو أجر الأعمال الصالحة ويجعلها بلا تأثير. العامل الثاني المهم للغاية هو مسألة "الشرك". إن إشراك الغير مع الله، أي وضع شيء أو شخص في منزلة الله أو شريكاً له في العبادة والسلطة، هو أعظم ذنب في الإسلام، ووفقاً لآيات القرآن، يؤدي إلى إحباط وإبطال جميع الأعمال الصالحة. في سورة الزمر، الآية 65، ورد: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ". هذه الآية تهديد خطير يدل على أنه حتى الأنبياء، لو ارتكبوا الشرك، لبطُلت أعمالهم، فكيف بغيرهم من باب أولى. يمكن أن يكون هذا الشرك شركاً ظاهراً في عبادة الأصنام، أو شركاً خفياً مثل التوكل على غير الله، أو أداء الأعمال لغير الله، وكل ذلك يمكن أن يؤدي بطريقة أو بأخرى إلى فقدان تأثير الأعمال. علاوة على ذلك، في سورة هود، الآيتين 15 و 16، يقول الله تعالى: "مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ". تحذر هذه الآيات من أنه إذا كان الهدف الرئيسي من أداء الأعمال الصالحة هو فقط الحصول على المنافع والزينة الدنيوية، فإن الله سيعطي أجرها كاملاً في هذه الدنيا، ولكن لن يكون لهم نصيب منها في الآخرة، وستكون تلك الأعمال غير مجدية هناك. السبب الثالث هو "الأفعال والسلوكيات اللاحقة" التي يمكن أن تؤثر على تأثير الأعمال الصالحة السابقة. في بعض الأحيان، يقوم الفرد بعمل صالح، ولكن بعد ذلك، من خلال ارتكاب الذنوب الكبيرة، أو الظلم، أو الكبر، أو الجحود، يمحو أثر ذلك العمل. على سبيل المثال، في الآية 262 من سورة البقرة، قبل الآية المتعلقة بالرياء، يقول الله تعالى: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". هذه الآية تبين أن حفظ أجر العمل الصالح يتوقف على عدم صدور أقوال أو أفعال من الفرد بعده تقلل من قيمة ذلك العمل. الكبر والغرور بعد أداء العمل الصالح يمكن أن يجعله بلا تأثير. فمن رأى نفسه أفضل من غيره أو امتن على الله بعد فعل الخير، فقد أفسد قيمة عمله. أخيرًا، لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن "عدم رؤية الأثر الفوري" في الدنيا لا يعني أن العمل غير فعال، بل هو جزء من الحكمة الإلهية والامتحان. فالله يثيب أعمالنا، ولكن ليس بالضرورة بالطريقة التي نتوقعها أو في الوقت الذي نريده. فالجزاء الحقيقي للكثير من الأعمال الصالحة هو في الآخرة، على هيئة مكافآت روحية وأخروية تفوق بكثير المكافآت الدنيوية. أحياناً، يظهر أثر العمل الصالح في شكل بركة في الحياة، أو دفع للبلاء، أو طمأنينة قلبية، وقد لا ندرك ذلك. المؤمن الحقيقي هو الذي يؤدي واجبه بغض النظر عن النتائج الفورية والظاهرية، ويأمل في ثواب الله وفضله. لذلك، إذا شعرت أن أعمالك الصالحة قد أصبحت بلا تأثير، فراجع نيتك، وتجنب الشرك والرياء، وكن حذراً في سلوكياتك بعد أداء الأعمال الصالحة. بالتوكل على الله والحفاظ على الإخلاص، كن واثقاً أن لا يضيع أي عمل صالح عند الرب، حتى لو لم تر أثره في الدنيا بعينيك. باختصار، مفتاح فعالية الأعمال الصالحة في القرآن يكمن في "الإخلاص" و"التوحيد الكامل" و"السلوك المناسب بعد أداء العمل". إذا تم الالتزام بهذه الأركان الثلاثة، فإن الأعمال الصالحة ستؤتي ثمارها حتماً، سواء في هذه الدنيا على شكل بركة وتيسير، أو في الآخرة على شكل مكافآت إلهية عظيمة لا حدود لها. المهم هو ألا نضل الطريق، وأن نسير دائماً بقلب نقي ونية خالصة لرضا الله تعالى، فهو وحده الذي يراقب أعمالنا ونوايانا ويكافئ عليها بأفضل وجه. وهذا الفهم القرآني يمنحنا راحة البال بأن أي جهد يبذل في سبيل الله لن يذهب سدى، حتى لو لم نر نتائجه الفورية في هذا العالم الفاني. إن هذا الثبات والاستقامة في الإيمان والعمل هو بحد ذاته مكافأة عظيمة من الرب.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

كان يا مكان، في مدينة صاخبة، عاش تاجران. أحدهما اسمه سليم، وكان كلما تصدق أو ساعد محتاجًا، يفعل ذلك علنًا وبضجة كبيرة، لكي ينتشر اسمه في المدينة ويثني عليه الناس بأنه رجل خير. أما الآخر، فاسمه أمين، فكان كلما فعل خيرًا، يفعله في خلوة وسرية، بحيث لا يعلم به أحد سواه هو والله. ذات يوم، تلقى سليم، بسبب أعماله الخيرية الظاهرة، خلعة من الملك وحظي بمديح الجميع. كان سعيدًا جدًا بهذا المجد الدنيوي. أما أمين، الذي كان منشغلاً في خلوته بالعبادة وخدمة الخلق، فلم يكن له أي شهرة بين الناس. مرت السنوات، وتوفي كلاهما. وفي الآخرة، عندما حُسبت أعمالهما، فوجئ سليم بأن ميزان أعماله خفيف وليس له جزاء يذكر. فنادى منادٍ: "يا سليم! لقد أعطيناك أجر أعمالك الصيرة في الدنيا؛ في مدح الناس وتكريم الملك. كل ما أردت، نلته في تلك الدنيا." أما أمين، فكان دهشته بالغة عندما رأى جبلًا من المكافآت أمامه. ونادى منادٍ آخر: "يا أمين! لقد فعلت أعمالك الصالحة خالصاً لوجهنا، ولم تطلب شيئاً من عبادنا. فثوابك عندنا، ونحن لا نضيع أجر المحسنين." فشكر أمين الله على هذا الفضل العظيم، وأدرك أن الأعمال التي تُؤدى بإخلاص ولله وحده، لا تذهب سدى أبدًا، حتى لو لم تظهر نتائجها في الدنيا.

الأسئلة ذات الصلة