لماذا يبدو بعض الناس أكثر هدوءًا دون عبادة؟

السلام الحقيقي ينبع من ذكر الله، بينما الهدوء الظاهري للآخرين قد يكون ناتجًا عن الغفلة، أو الابتلاء الإلهي، أو اختلافات شخصية. الأهم هو عدم مقارنة رحلتك الروحية بالآخرين والتركيز على تعميق اتصالك بالخالق.

إجابة القرآن

لماذا يبدو بعض الناس أكثر هدوءًا دون عبادة؟

سؤالك هذا يلامس واحدة من أعمق التساؤلات الإنسانية التي قد تشغل بال أي مؤمن. عندما نسعى بجدية لتحقيق السلام الحقيقي ونلاحظ أن بعض الأفراد، الذين يبدو أنهم يولون أقل اهتمام للعبادة والاتصال بالخالق، يظهرون أكثر هدوءًا وراحة بال في حياتهم اليومية، قد يتبادر إلى الذهن سؤال حول ما إذا كان الطريق الذي اخترناه (طريق العبادة والطاعة) يؤدي حقًا إلى الطمأنينة. للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نلقي نظرة أعمق على مفهوم السلام والهدوء من منظور القرآن الكريم ونفهم الفرق بين الهدوء الظاهري والسكينة الحقيقية. يوضح القرآن الكريم بصراحة أن المصدر الأساسي للسلام والطمأنينة القلبية هو ذكر الله. في سورة الرعد، الآية 28، يقول الله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، أي: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب». هذه الآية تؤسس مبدأً أساسيًا: السكينة الحقيقية والعميقة هي تلك التي تنبع من الداخل وتتحقق بالاتصال بمصدر الوجود، وهو الله. هذا السلام لا يتزعزع مع تقلبات الحياة ويتمتع بثبات فريد. ولكن لماذا يبدو بعض الناس هادئين دون عبادة؟ قد تكون هناك عدة أسباب تستدعي الانتباه. أولاً، الهدوء الذي نراه في الآخرين قد يكون مجرد هدوء ظاهري وليس باطنيًا. يميل الناس غالبًا إلى إظهار أنفسهم أقوياء وغير مبالين أمام الآخرين، لكنهم قد يعانون داخليًا من قلق واضطرابات كثيرة. مظهر حياة الأفراد غالبًا لا يعكس باطنها. ثانيًا، هذا الهدوء الظاهري يمكن أن يكون ناتجًا عن «الغفلة». عندما لا يهتم الفرد بالأمور الروحية وعواقب أفعاله في الآخرة، فقد لا يشعر بثقل المسؤوليات الأخلاقية والدينية. هذا التجاهل للمستقبل والمساءلة الإلهية يمكن أن يمنحه نوعًا من عدم المبالاة والهدوء الدنيوي المؤقت. يشير القرآن في سورة طه، الآية 124 إلى عواقب الإعراض عن ذكر الله: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ»، أي: «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى». هذه الآية تبين أن الهدوء الظاهري الناتج عن الغفلة سيؤدي في النهاية إلى ضنك في الحياة وعذاب في الآخرة. ثالثاً، أحيانًا يكون الهدوء الظاهري لبعض الأفراد جزءًا من «اختبار إلهي». قد يمنح الله بعض الناس، حتى غير المؤمنين، نعمًا وراحة في الدنيا ليختبرهم أو ليوفر لهم فرصة للعودة إليه. يجب ألا يخدعنا هذا الهدوء المؤقت. الحياة الدنيا هي ميدان للاختبار، وكل شخص يختبر بطريقته الخاصة. رابعاً، الاختلافات الفردية في الشخصية والمزاج يمكن أن تؤثر أيضًا على مستوى هدوئهم الظاهري. بعض الناس بطبيعتهم أكثر هدوءًا وأقل عرضة للتوتر، بينما يتمتع آخرون بطبيعة أكثر حساسية. لكن من المهم أن ندرك أن هذه الهفوات الطبيعية لن تحل محل السكينة العميقة والدائمة التي تنبع من الاتصال بالله. خامساً، الهدف الأساسي من خلق الإنسان هو العبادة والطاعة لله. في سورة الذاريات، الآية 56، يقول الله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، أي: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». هذه الآية تذكرنا بأن سعادتنا الحقيقية والغاية القصوى من حياتنا تكمن في معرفة وعبادة ربنا. السلام الذي يتحقق بهذه الطريقة لا يمكن مقارنته بأي سلام دنيوي آخر. هذا السلام يشمل راحة الضمير، والرضا الداخلي، والأمل في الرحمة الإلهية، مما يجعل الإنسان صامدًا حتى في أصعب الظروف. في المقابل، الهدوء الظاهري للأشخاص غير العابدين يكون هشًا ويعتمد على الظروف الخارجية. في الختام، النقطة الأهم هي ألا نقارن أبدًا رحلتنا الروحية برحلة الآخرين. لكل فرد طريقه الخاص، واختباراته الخاصة، وقدراته الخاصة. ما يهم هو التزامنا بالطريق الإلهي وسعينا لكسب رضا الله. السلام الحقيقي الناتج عن العبادة يهدئ النفس البشرية من الداخل ويملأها بالسكينة والرضا، حتى لو واجهت صعوبات ومتاعب في ظاهر الأمر. هذا السلام هو هدية إلهية تُمنح للعباد المؤمنين والصابرين، وهو يتجاوز المظاهر الخادعة للحياة الدنيا. لذا، بدلاً من مقارنة نفسك بالآخرين، ركز على تعميق اتصالك بالخالق، واعلم أن السلام الحقيقي لا يوجد إلا في ظل ذكره وعبادته.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن ملكًا كان ذات يوم يسعى لتوسيع ملكه بجيشه وعظمته، وكان يعيش دائمًا في خوف وقلق. كان النوم يجافيه ليلاً، وعلى الرغم من كل خدمه وحشمه وثروته، لم يجد لحظة سلام. وفي يوم من الأيام، مر بجانب خانقاه، فرأى درويشًا جالسًا بمفرده في زاوية، يذكر الله بأقصى درجات الهدوء، متحررًا من كل هموم الدنيا. سأل الملك بتعجب: «يا درويش، ليس لديك جيش ولا خزانة، فكيف تجلس هكذا مطمئنًا وهادئًا بينما أنا، بكل هذا المجد والعظمة، لا أستطيع النوم بسلام حتى ليلة واحدة؟» أجاب الدرويش بابتسامة دافئة: «يا ملك، سلامي يأتي من قلب مطمئن ومستغنٍ عن الدنيا، لا من كثرة الممتلكات. فمن ربط قلبه بالدنيا، حُرم من السلام الحقيقي، ومن سلّم قلبه لله، كان مطمئنًا في كل حال. سكينة قلبي نابعة من تحرري من قيود الشهوات الدنيوية، تلك القيود التي تسحبك وتمنعك من النوم ليلاً ونهارًا.» أخذ الملك العبرة من هذا القول، وأدرك أن السلام الحقيقي ليس في اتساع الملك ولا في وفرة الثروة، بل يكمن في القلب اليقظ وذكر الله.

الأسئلة ذات الصلة