لماذا يشعر بعض الناس بالضجر من الروحانية؟

غالبًا ما ينشأ الضجر من الروحانية بسبب التعلق المفرط بالدنيا، وسوء فهم الابتلاءات الإلهية، والغفلة عن ذكر الله، أو التجارب السلبية. يقترح القرآن أن الحل يكمن في العودة إلى ذكر الله، والتدبر في آياته، وتطهير النوايا لإيجاد السلام الداخلي الحقيقي.

إجابة القرآن

لماذا يشعر بعض الناس بالضجر من الروحانية؟

لماذا يشعر بعض الناس بالضجر من الروحانية؟ هذا سؤال عميق وحيوي يلامس جذورًا إنسانية ونفسية معقدة، ويمكن بالتأكيد استكشاف أبعاده في ضوء التعاليم القرآنية. القرآن الكريم، كدليل شامل للحياة، لا يكتفي بإرشاد البشر إلى طريق الفلاح، بل يصف أيضًا العقبات والتحديات التي قد يواجهونها في هذا المسار. إن الضجر من الروحانية ليس ظاهرة مفاجئة، بل هو نتيجة تدريجية لمجموعة من العوامل التي تبعد الفرد عن فطرته الإلهية ومساره الرباني، مما يجعله في النهاية يشعر بالفراغ وانعدام المعنى. هذه العملية غالبًا ما تبدأ بانحدار تدريجي في الحماس، وإذا لم تُعالج، يمكن أن تؤدي إلى اللامبالاة التامة وحتى العداء تجاه الأمور الروحانية. أحد الأسباب الرئيسية لهذا الضجر هو "الانغماس في الدنيا" ونسيان الآخرة. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا الإنسان من أن الحياة الدنيا مجرد متاع زائل ومُغرٍ، وأن الهدف الأسمى لا ينبغي أن يكون مجرد جمع المال أو السلطة أو الملذات العابرة. في سورة الحديد، الآية 20، يصف الله تعالى هذه الحقيقة بجمال بالغ: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ." هذه الآية توضح بجلاء أنه عندما يكرس الإنسان كل اهتمامه وجهده لهذه الأمور الدنيوية، وينسى أن الحياة الحقيقية والأبدية هي في الآخرة، فإنه يبتعد تدريجياً عن الروحانية والقيم الإلهية. يبحث عن الرضا في أشياء لا تدوم بطبيعتها ولا تستقر، وعندما تفشل هذه الأشياء في توفير السكينة الحقيقية له، يبدأ في الشعور بالإحباط والضجر. هؤلاء الأفراد يقعون في حلقة مفرغة؛ فكلما سعوا وراء الدنيا أكثر، قلّ رضاهم وابتعدوا عن الروحانية، حتى يصلوا إلى نقطة قد ينفرون فيها من أي نشاط روحي. هذا التعلق بالدنيا يشبه المرض المزمن الذي يستنزف الروح ببطء ويجردها من النور الإلهي. سبب آخر هو "عدم الفهم الصحيح لهدف الخلق والحكمة الإلهية في البلايا والاختبارات". الحياة الدنيا هي ميدان للاختبار والامتحان، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم بصراحة. في سورة العنكبوت، الآيتين 2 و 3، نقرأ: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ؟ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ." هذه الآيات تبين أن الابتلاءات جزء لا يتجزأ من مسار الإيمان. بعض الناس، عندما يواجهون المشاكل أو الصعوبات أو الأمراض أو فقدان الأحبة، بدلاً من اللجوء إلى الله وإدراك أن هذه هي اختبارات إلهية للنمو والارتقاء، يصابون باليأس والقنوط. يعتقدون أنهم إذا كانوا ملتزمين روحانيًا، فلا ينبغي أن يعانوا، أو أن أي مكروه يصيبهم هو علامة على إهمال الله لهم. هذا الفهم الخاطئ للسنة الإلهية يمكن أن يؤدي إلى ضجر عميق من الله والدين، لأنهم كانوا يتوقعون أن الإيمان بمثابة تأمين دنيوي لهم، وليس طريقًا للنمو والتكامل يصحبه التحديات. هذا الفهم السطحي للإيمان، عندما يواجه حقائق الحياة ومعاناتها، ينهار بسرعة ويترك الفرد في حالة من الارتباك والكفر. "الغفلة والإعراض عن ذكر الله" يعد أيضًا عاملاً مهمًا في الضجر من الروحانية. يشدد القرآن الكريم بشدة على الذكر والتوجه إلى الله، لأن الطمأنينة الحقيقية للقلوب لا تتحقق إلا بذكر الله. في سورة طه، الآية 124، نقرأ: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى." هذه الآية تبين بوضوح أن الإعراض عن ذكر الله، سواء كان في الصلاة والدعاء أو في التفكر والتدبر في آيات الله، يؤدي إلى حياة ضيقة وصعبة، حتى لو كان الإنسان غنيًا ماديًا. عندما ينفصل الإنسان عن المصدر الأساسي للسكينة والمعنى، يصاب قلبه بالجفاف والقلق. قد ينخرط ظاهريًا في أنشطة روحانية، لكن إذا لم تكن هذه الأنشطة مصحوبة بحضور القلب والتأمل، فإنها تتحول إلى عادات باهتة ومملة. هذا الفراغ وعدم الارتباط العميق ينفر المرء من الروحانية ويجعله يشعر بأن هذا المسار لا يقدم له أي فائدة. والنتيجة هي أن الفرد يبتعد تدريجياً عن الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وكل ما يقربه من الله، لأنه لم يتذوق حلاوة الأنس به. هذه الغفلة كالصدأ الذي يجثم على مرآة القلب، ويمنع انعكاس النور الإلهي فيه. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون "الرياء وعدم إخلاص النية" في الأعمال العبادية سببًا رئيسيًا للضجر. قد يلتزم بعض الأفراد بالعبادات الظاهرية بسبب ضغوط اجتماعية، أو لكسب مكانة واحترام، أو حتى لتحقيق مكاسب شخصية دنيوية. القرآن الكريم يذم المرائين بشدة. عندما يتم أداء الأعمال العبادية بدون نية خالصة ومجردة لجذب انتباه الآخرين، فإنها لا تفقد قيمتها الروحية فحسب، بل إنها تستنزف الفرد داخليًا وتتعبه تدريجياً. يصبح يكره نفسه ويكره دينه، لأنه يشعر أنه يمثل دورًا ويخدع نفسه والآخرين. هذا الصراع الداخلي يستنزف طاقته الروحية ويجعله يفر بمرور الوقت من أي نشاط ديني. هذا النوع من 'إظهار التدين' لا يقدم أي فائدة للفرد، بل يؤذي روحه ويبعده عن حقيقة الروحانية. أخيرًا، يمكن أن تلعب "التجارب السلبية" مع الأفراد المتدينين أو المؤسسات الدينية دورًا كبيرًا. عندما يشهد الناس سلوكًا غير صحيح، أو تعصبًا، أو حكمًا مسبقًا، أو نفاقًا من أولئك الذين يدّعون التدين، فقد يربطون عن طريق الخطأ هذه السلوكيات الفردية بالدين نفسه ويصابون بالضجر من الروحانية. يؤكد القرآن الكريم في آيات عديدة على الأخلاق الحسنة، والعدل، والرحمة، والابتعاد عن الغلو والتفريط. إذا تم تقديم صورة مشوهة للدين والروحانية للناس، أو إذا لم يكن الذين يدعون التدين قدوة حسنة بأنفسهم، فإن هذا يمكن أن يكون حاجزًا كبيرًا في طريق الآخرين الروحي. إن فهم أن أفعال الأفراد، مهما كانوا متدينين، لا يمكن أن تكون المعيار الوحيد للحكم على حقيقة الدين، أمر حيوي للحفاظ على المسار الروحي. هذه التجارب أحيانًا تخلق تشاؤمًا عميقًا يصعب التغلب عليه، إلا بالرجوع المباشر إلى المصادر الأصلية للدين وفهمها بعمق. باختصار، ينبع الضجر من الروحانية من مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، أهمها: التعلق المفرط بالدنيا ونسيان الآخرة، وعدم الفهم الصحيح لفلسفة الابتلاءات الإلهية والشدائد، والغفلة والإعراض عن ذكر الله الذي يقسي القلب، وعدم إخلاص النية والرياء في الأعمال العبادية، وفي بعض الحالات، التجارب السلبية مع الأفراد أو البيئات الدينية. الحل القرآني للتغلب على هذا الضجر هو العودة إلى الفطرة التوحيدية، والتدبر العميق في الآيات الإلهية وعلامات الخلق، وزيادة ذكر الله المستمر في جميع الأحوال، والثبات والصبر في وجه الابتلاءات مع فهم حكمتها الخفية، وتطهير النوايا وأداء الأعمال خالصًا لوجه الله، والبحث عن المعنى الحقيقي للحياة في الارتباط بالخالق. هذا المسار يتطلب الصبر والجهد المتواصل والفهم العميق للهدف النبيل من الخلق ومسؤوليات الإنسان تجاه ربه، حتى يتمكن الإنسان مرة أخرى من تذوق حلاوة الأنس بالمعبود والتحرر من الفراغ واليأس، والوصول إلى السكينة الحقيقية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يحكى أن في قديم الزمان، كان هناك تاجر يُدعى فريدون، الذي من كثرة النعمة والثراء، غفل عن ذكر الله. كان كل يوم يزداد تجارته وثروته ويقل اهتمامه بالعبادة والتفكر في الآيات الإلهية. وعندما كان أحد يدعوه إلى الروحانية وذكر الله، كان يضحك ويقول: "ما هي الروحانية؟ أليست الثروة والمكانة الدنيوية تجلب السعادة؟" ذات يوم، شاء القدر أن تغرق سفنه في عاصفة بحرية، وذهب رأسماله أدراج الرياح. فريدون، الذي كان بالأمس مغرورًا بماله، وجد نفسه فجأة فقيرًا ووحيدًا. لقد كان قد كرس حياته للدنيا، والآن أصبح ضجرًا ويائسًا من كل ما هو روحي، لأنه كان يعتقد أنه إذا كان هناك إله، فلماذا اختبره هكذا؟ في تلك الحالة المضطربة، جاء إليه أحد العارفين الذي كان يعرفه وقال: "يا فريدون، هل ظننت أن الدنيا باقية وأن الروحانية مخصصة فقط لأيام الشدة؟ اعلم أن الله يختبر عباده ليكشف جوهر وجودهم. إن ضجرك هذا نابع من عدم فهمك للحكمة، وليس من نقص في الروحانية. والآن وقد أُخذت منك تعلقاتك الدنيوية، ربما تكون هذه فرصة لتجد الجوهر الحقيقي في داخلك." استوعب فريدون هذه الكلمات. فهم أن ضجره لم يكن من جوهر الروحانية، بل من فهمه الخاطئ لها. ومنذ ذلك الحين، على الرغم من أنه فقد ثروته، إلا أنه بالعودة إلى ذكر الله والتفكر في الحكم الإلهية، وجد سلامًا لم تمنحه له أي ثروة دنيوية. هذه القصة تظهر أن الشدائد والخسائر أحيانًا ترفع حجاب الغفلة وتمهد الطريق للعودة إلى نور الروحانية.

الأسئلة ذات الصلة