ينبع التعب من الدين غالبًا من غلبة حب الدنيا، ونقص الفهم العميق للدين، وتأثير الامتحانات الإلهية، ووساوس الشيطان. يقدم القرآن حلولًا مثل التدبر، والصبر، وتقوية العلاقة القلبية مع الله لتذوق حلاوة الإيمان.
إن سؤال "لماذا يشعر بعض الناس بالتعب من الدين؟" هو سؤال عميق ومليء بالتحديات يشمل أبعادًا مختلفة من علم النفس وعلم الاجتماع والروحانية البشرية. القرآن الكريم لا يستخدم صراحة عبارة "التعب من الدين"، ولكنه يتناول مرارًا وتكرارًا الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى الإعراض، وضعف الإيمان، والميل إلى الحياة الدنيا، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى مثل هذه الحالة. إن فهم هذه الأسباب من منظور قرآني يساعدنا على معرفة جذور هذه الظاهرة وتحديد طرق مواجهتها. أحد الأسباب الرئيسية التي يشير إليها القرآن هو غلَبَة حُبّ الدنيا على الآخرة. الإنسان بطبيعته يميل إلى جماليات وملذات الحياة الدنيا. إذا تجاوز هذا الميل حده، وتغير الهدف الأساسي للحياة من السعي لرضا الله إلى جمع المال والمكانة والملذات الزائلة، فإن الدين وتكاليفه تبدو ثقيلة ومعيقة للشخص. يحذر القرآن من هذا الأمر في آيات عديدة، منها سورة التوبة الآية 38 التي يقول فيها: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ". هذه الآية توضح بجلاء أن التمسك بالدنيا وتفضيلها على القيم الإلهية يجعل الحركة في طريق الدين ثقيلة. عندما يمتلئ قلب الإنسان بحب الدنيا ومظاهرها، لا يبقى مكان لنور الإيمان والسكينة الروحية، وتتحول العبادات والأحكام الدينية إلى مجرد واجبات جافة بلا روح لا تجلب سوى التعب والملل. في مثل هذه الحالة، بدلاً من أن يجد الفرد في الدين راحة ومعنى، يراه عقبة أمام تحقيق أهدافه الدنيوية، ويبتعد عنه تدريجيًا. هذا الابتعاد والانفصال يظهر على شكل عدم مبالاة وضعف، وفي النهاية، تعب من الدين، لأنه لم يعد مصدرًا للطاقة الروحية والإلهام بالنسبة له، بل أصبح مجرد عبء ثقيل على عاتقه. سبب آخر هو النقص في الفهم العميق والتدبر في الآيات الإلهية وحكمة الأحكام. بعض الأفراد يختزلون الدين إلى مجموعة من الطقوس الجافة والقوانين المقيدة، دون أن يدركوا الحكمة والجمال وعمق الرسائل الإلهية. يؤكد القرآن مرارًا على تدبر آياته، كما في سورة محمد الآية 24: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا". عدم التدبر والتفكر في معاني القرآن وسيرة الأنبياء يؤدي إلى تحول الدين من كونه دليلاً للحياة ومصدرًا للراحة إلى عبء إضافي. إذا لم يعرف الفرد معنى الصلاة، ولم يدرك حكمة الصيام، ولم يفهم فلسفة الأحكام الإلهية، فمن الطبيعي أن يكون أداؤها صعبًا ومتعبًا بالنسبة له. إن دين الإسلام يتوافق مع فطرة الإنسان، وأحكامه وضعت لنموه ورقيه؛ ولكن إذا لم يتم فهم هذا التوافق، فسيظهر شعور بالغرباء والتعب. الدين ليس مجرد مجموعة من الأوامر، بل هو خارطة طريق للوصول إلى السعادة الحقيقية، وإذا لم يقرأ أحد هذه الخارطة ويفهمها، فسيضل طريقه ويتعب في المسار. هذا الفهم السطحي يمنع من تذوق حلاوة الإيمان، وبالتالي، يفقد الفرد الدافع للاستمرار في الطريق ويصاب بالإحباط بسرعة. الامتحانات والبلايا الإلهية يمكن أن تكون أيضًا عاملاً لضعف والتعب من الدين، إذا لم يواجهها الشخص بشكل صحيح. يوضح القرآن أن الحياة هي مسرح للامتحان الإلهي ولا أحد مستثنى منه. سورة العنكبوت الآيتان 2 و 3 تقولان: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ". عندما يواجه الفرد صعوبات ومصائب الحياة ويظن أن إيمانه يجب أن يحميه من كل ضيق، قد يصاب باليأس والقنوط. إذا لم يكن لديه فهم صحيح لفلسفة الامتحان الإلهي ولم يتحلَّ بالصبر والتوكل، فإن هذه المصائب يمكن أن تحرفه عن طريق الدين وتجعله يشعر بالتعب وعدم الجدوى. بينما يعتبر القرآن الامتحانات وسيلة لتنقية المؤمنين وتقوية إيمانهم ونموهم. من يتوقع أن يكون محصنًا من كل ألم بالتدين، عندما يواجه الصعوبات، يصاب بالإحباط وقد "يتعب" ويترك طريق الدين، غافلًا عن أن هذه الامتحانات نفسها هي سلالم لترقي روح الإنسان. وساوس الشيطان وأهواء النفس عامل آخر يمكن أن يضعف الإيمان ويدفع الإنسان نحو التعب من الدين. الشيطان دائمًا في كمين ليحرف الإنسان عن الصراط المستقيم ويجعل الأحكام الإلهية تبدو صعبة وعديمة الفائدة في نظره. في سورة البقرة الآيتان 168 و 169 يقول الله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ". يحاول الشيطان تثبيط عزيمة الإنسان بتزيين المعاصي وتضخيم صعوبات الدين. إذا لم يقاوم الفرد هذه الوساوس واستسلم لأهواء نفسه، فإنه يبتعد تدريجيًا عن الدين ويظهر فيه شعور بالتعب وعدم الرغبة، لأن مراعاة الحدود الإلهية تصبح صعبة عليه، ويميل إلى الانجراف وراء الحريات الكاذبة. هذا الانجراف نحو الخطيئة والابتعاد عن الروحانية يجعل الفرد تلقائيًا يفر من كل ما يذكره بالواجبات والمسؤوليات الدينية، مما يؤدي إلى الشعور بالتعب والنفور. كذلك، عدم تجربة حلاوة السكينة الروحية والراحة يمكن أن يفاقم هذا التعب. يقول القرآن أن القلوب تطمئن بذكر الله. سورة الرعد الآية 28: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". إذا مارس الفرد الدين، ولكن هذا الذكر والارتباط القلبي بالله لم يتشكل فيه، واكتفى بالظواهر فقط، فلن يختبر تلك السكينة والرضا الداخلي. ونتيجة لذلك، سيصبح الدين بالنسبة له بلا طعم وشاقًا. الدين علاقة حية وديناميكية مع الخالق، وليس مجرد مجموعة من القواعد. إذا لم يتم تأسيس هذا الارتباط العميق وظل القلب محرومًا من الغذاء الروحي، فقد يشعر الفرد بالفراغ والتعب، ويبحث في النهاية عن شيء آخر لملء الفراغ الداخلي لديه. هذا الشعور بـ "الفراغ" الداخلي، على الرغم من أداء الواجبات الدينية الظاهرية، هو العامل الأكثر أهمية للتعب والإحباط من مسار الروحانية. في الختام، يمكن القول إن التعب من الدين ينبع غالبًا من سوء الفهم، وعدم العمق في الفهم، وغلَبَة الميول الدنيوية، والاستسلام للوساوس. القرآن، ببيان هذه الأسباب، يقدم أيضًا حلولًا: التوكل على الله، الصبر على الامتحانات، التدبر في الآيات، مجاهدة النفس، وتقوية الارتباط القلبي بالله من خلال الذكر والعبادة الحقيقية. هذه كلها أدوات تحصن المؤمن من التعب والإعراض عن الدين، وتساعده على تذوق حلاوة الإيمان والبقاء ثابتًا على الطريق الإلهي والاستمتاع به حقًا.
يُروى أنه في زمن ليس ببعيد، كان هناك تاجر يُدعى فريد، في بداية حياته، كان رجلاً تقيًا ومؤمنًا. كان يذهب إلى المسجد كل صباح، وفي المساء كان ينشغل بالذكر والدعاء، ويكسب رزقه بالحلال. ولكن مع مرور الوقت وزيادة ثروته وازدهار تجارته، بدأ قلبه يميل إلى الدنيا تدريجيًا، وغفل عن ذكر الله. لقد شغله جمع المال والمجالس الدنيوية لدرجة أنه فاتت عليه صلواته، وتخلى عن تلاوة القرآن. لقد تعب من الالتزام الديني والعبادة، ورآهما عائقًا أمام تقدمه وملذاته الدنيوية. أصبح قلبه خاليًا من أي سكينة روحية، ورغم ثروته الطائلة، كان يشعر بالفراغ والقلق. ذات ليلة، رأى في المنام أنه يتيه في صحراء جافة قاحلة، وكلما ركض، لا يصل إلى مكان. كان عطشانًا ومتعبًا، ويحترق من الداخل. فجأة، سمع صوتًا يقول: "يا فريد، لقد تركت ماء الحياة وذهبت وراء السراب. ماء الحياة كان ذكر الله والعمل الصالح، الذي بعته بملذات الدنيا الفانية." استيقظ فريد خائفًا ومرتجفًا. ومنذ ذلك اليوم، استيقظ فريد من غفلته وأدرك أن الرضا الحقيقي لا يكمن في جمع المال، بل في راحة البال والاتصال بالمصدر الإلهي اللانهائي. عاد إلى الدين والعبادة، ولكن هذه المرة بفهم أعمق وحب حقيقي. لقد علم أن كل ما ينفقه في سبيل الله لا ينقص أبدًا، بل يبارك. عادت حياة فريد لتضيء بنور الإيمان، وتذوق حلاوة العبودية التي لم يكن أي ثراء دنيوي ليمنحها له.